«عار» المهاجرين يلاحق أوروبا

«عار» المهاجرين يلاحق أوروبا

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٢١ أبريل ٢٠١٥

دقيقة صمت استهل بها وزراء الخارجية والداخلية الأوروبيون اجتماعهم في لوكسمبورغ، يوم امس، والذي سبق قمة استثنائية سيعقدها القادة الأوروبيون بعد غد في بروكسل، للخوض في مناقشة طارئة بشأن أزمة المهاجرين، غداة أسوأ حادثة غرق رفعت عدد قتلى جحيم البحر الابيض المتوسط الى اكثر من 1500 منذ بداية العام 2015.
دقيقة الصمت هذه ربما لا تكون كافية لكي يراجع الأوروبيون ضمائرهم، بعد انجرارهم وراء المزاج الشعبي المناهض للاجانب، في خضم صعود قوى اليمين المتطرف في اكثر من بلد اوروبي. غير ان مآسي المتوسط، التي تكررت يوم امس، مع ورود معلومات عن مصرع مهاجرين جدد وانقاذ العشرات في ثلاث حوادث غرق، ربما تجعل قادة الاتحاد الاوروبي يستمعون الى صراخ الانسانية، الذي يعلو في اوروبا نفسها، الملاحقة بوصمة «العار».
وعلى الضفة الشرقية من البحر المتوسط، وبينما كانت اصوات القادة الاوروبيين تستبق القمة الاستثنائية بالتنديد بـ «تجار الرقيق الجدد»، كانت اسرائيل تسارع، كعادتها، الى المتاجرة سياسياً بارواح الابرياء، حيث كتب وزير النقل الاسرائيلي اسرائيل كاتس، عبر صفحته على موقع «فايسبوك»، ان غرق المهاجرين في البحر المتوسط «مأساة تهز البشرية جمعاء»، قبل ان يضيف «انظروا إلى صواب سياسة الحكومة (الإسرائيلية) المتمثلة في بناء سياج بطول الحدود مع مصر لمنع وصول العمال المهاجرين من أفريقيا إلى إسرائيل».
وبالأمس، وصلت سفينة دورية ايطالية إلى مالطا، وعلى متنها 24 جثة، تم انتشالها من بين مئات يخشى غرقهم بعد انقلاب مركب لمهاجرين في البحر المتوسط، في واحدة من أسوأ كوارث أزمة المهاجرين غير الشرعيين المتفاقمة.
ولم يعرف بعد عدد قتلى الحادث، الذي وقع أمس الاول، قبالة سواحل ايطاليا. وقال مسؤولون إن المركب كان يقل ما بين 700 و900 مهاجر، ويتردد أن بعضهم لا يزال عالقاً داخل السفينة.
ومن شأن محصلة قتلى كبيرة كهذه أن ترفع عدد الأشخاص الذين لاقوا حتفهم خلال العام الحالي إلى أكثر من 1500، بعدما حشرهم تجار تهريب البشر على متن قوارب متهالكة لعبور البحر المتوسط إلى أوروبا بحثا عن حياة أفضل.
وبعد يوم على هذه المأساة، وردت معلومات عن مصرع ثلاثة مهاجرين في غرق مركب جديد، وأنباء عن آخر يغرق وعلى متنه 300 شخص.
ولقي ثلاثة مهاجرين، احدهم طفل، مصرعهم، في غرق سفينة شراعية قبالة جزيرة رودس اليونانية في جنوب شرق بحر ايجه، بينما تم انقاذ 93 آخرين.
كذلك، اعلن رئيس الوزراء الايطالي ماتيو رنزي ان قوة خفر السواحل الايطالية طلبت مساعدة سفن تجارية لاغاثة مركبين قبالة سواحل ليبيا، احدهما ينقل 300 شخص، والآخر زورق مطاطي ينقل 100 الى 150 شخصاً.
وفيما اثارت حوادث الغرق صدمة لدى الرأي العام العالمي، فإن سقف التوقعات لا يوحي بأن ثمة حلولاً سريعة لهذه الكارثة الانسانية.
واقترحت المفوضية الاوروبية، يوم امس، عشر خطوات «فورية» لمواجهة «الوضع المتأزم» في البحر المتوسط بعد مقتل مئات المهاجرين نتيجة غرق المراكب التي تقلهم، ومن بينها تعزيز عمليات الرقابة والانقاذ في البحر المتوسط.
وقالت المفوضية في بيان ان هذه الخطة، «التي لقيت الدعم الكامل» من قبل وزراء الخارجية والداخلية في الاتحاد الاوروبي خلال اجتماعهم في لوكسمبورغ، ستسلم الى قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الاوروبي المقررة بعد غد الخميس في بروكسل.
وكان وزراء الخارجية والداخلية الاوروبيون عقدوا اجتماعا استثنائياً لبحث قضية المهاجرين.
وشارك المفوض الاوروبي للشؤون الداخلية ديمتريس افراموبولوس في المحادثات، ذلك ان شؤون الهجرة تقع ضمن مسؤولياته.
وقال افراموبولوس في تغريدة «سيتم اتخاذ خطوات صارمة حول الهجرة الى الاتحاد الاوروبي».
اما وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيدريكا موغيريني أشارت الى ان «لا مزيد من الاعذار» لدول الاتحاد لعدم التحرك بعد كارثة غرق مركب المهاجرين الاخيرة في البحر المتوسط»، مطالبة بخطوات «فورية».
ورأت انه مثلما اثارت هجمات «شارلي ايبدو» في باريس ردا مشتركا، فان هذا الحادث يجب ان يولد الزخم لايجاد سياسة مشتركة للهجرة.
وتعهد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ببذل مزيد من الجهود لوقف غرق المهاجرين في البحر المتوسط. وتضمنت الحلول التي طرحوها، قبل دخولهم الى الاجتماع، دعوة بريطانية لملاحقة المهربين في شمال أفريقيا، ومُقتَرحاً ايطالياً - أيّدته النمسا - بإقامة مخيمات في الشرق الأوسط وأفريقيا حيث يستطيع الناس طلب اللجوء في أماكنهم، وآخر فرنسياً بتوسيع نطاق عملية «تريتون» الاوروبية، التي حلّت مكان عملية «ماري نوستروم» الايطالية العام الفاتت.
والى جانب توصيات المفوضية الاوروبية، ومقترحات وزراء الخارجية والداخية الاوروبيون، قد يناقش قادة الاتحاد الاوروبي افكاراً اخرى، من بينها ما قاله رئيس الوزراء الايطالي ماتيو رينزي بأن بلاده تدرس احتمال القيام «بتدخلات محددة الاهداف» ضد مهربي المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا، المسؤولين عن الزيادة الكبيرة في اعداد الذين يعبرون البحر المتوسط، مشيراً الى ان «الفرضيات التقنية يدرسها تقنيون»، ومن بينهم «فرق من وزارة الدفاع»، من دون اعطاء المزيد من التوضيحات.
وكان وزير الخارجية الايطالية باولو جنتيلوني اشار قبل ايام الى هذا الاحتمال، حين تحدّث، في مقابلة مع صحيفة «كورييري ديلا سيرا» الى «اعمال محددة مناهضة للارهاب على غرار ما يحصل في اطار الائتلاف المناهض لتنظيم (داعش)، واخرى ضد الاتجار بالبشر».
ولكن رينزي استبعد احتمال فرض حصار بحري على ليبيا التي ينطلق منها الاف المهاجرين الراغبين بالانتقال الى اوروبا، معتبرا ان هذا الامر في حال حصوله سيقدم «هدية كبيرة للمهربين».
وفي ما يتعلق بالقمة الاوروبية المرتقبة، اقرّ رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك بأن «الوضع في المتوسط مأساوي»، لكنه اضاف «لا اتوقع حلولا سريعة للاسباب الرئيسية للهجرة لانها غير موجودة... ولو كانت كذلك لكنا استخدمناها منذ وقت طويل».
واذا كانت الحلول السريعة التي يتحدث عنها المسؤول الاوروبي، غير موجودة، فإن كثيرين يؤمنون بأنّ الاتحاد الاوروبي يدرك الحلول الكفيلة بتنظيم الهجرة، لكنه لم يبد حتى الان اي ارادة سياسية للتحرك.
وهذه الحلول مطروحة امام القادة الاوروبيين، منذ غرق مركب قرب جزيرة لامبيدوسا الايطالية في تشرين الاول العام 2013، في حادثة اسفرت حينها عن مقتل 366 شخصاً.
وتقضي هذه الحلول بانشاء طرق شرعية للهجرة، ومكافحة المهربين في بلد انطلاق المهاجرين، وتزويد وكالة «فرونتكس» لضبط حدود الاتحاد الاوروبي بموارد مالية كافية، وتعديل القوانين الاوروبية المتعلقة بالتعامل مع المهاجرين واللاجئين، ولكن كل هذه المقترحات قوبلت بالرفض حتى الآن.
واتت خلاصات القمة الاوروبية في كانون الاول العام 2013 مختصرة، ونصّت على «منح الاولوية لتجنب المغادرة» من بلد الانطلاق، وابداء «التضامن المناسب» في استقبال الوافدين.
ويتم التعامل مع المهاجرين طالبي اللجوء بموجب اتفاقات «دبلن 2» التي تفرض على بلد الدخول تولي مسؤولية الوافدين، وبحث طلبات اللجوء، والتكفل باعادة اللاجئين الذين ترفض طلباتهم.
واقترحت المفوضية مراجعة هذا النظام، لكن 24 من الحكومات الـ28 للدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي، رفضت ذلك بشكل قاطع.
وكان القسم الاكبر من القادة الاوروبيين واضحاً جداً، حيث اكدوا انهم يريدون تجنب اي مبادرة قد تعتبر دعوة مفتوحة للمهاجرين.
وأدى العداء للمهاجرين حتى من جانب بعض الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الاوروبي إلى «موقف سلبي» من الزعماء الاوروبيين، غير ان غضب الرأي العام ازاء سلسلة حوادث الغرق قد يساعد المفوضية الاوروبية على تغيير الوضع الحالي.
وفي هذا السياق، نقلت وكالة «فرانس برس» عن مسؤول اوروبي كبير قوله ان ذلك «عار على اوروبا»، معبرا عن صدمته جراء المآسي المتكررة.
من جهته، اتهم المفوض الاعلى في الامم المتحدة لحقوق الانسان زيد رعد الحسين سياسات الهجرة التي يتبعها الاتحاد الاوروبي واتهمه بتحويل المتوسط الى «مقبرة مفتوحة».
وبدوره، اعتبر وزير خارجية فرنسا الاسبق برنار كوشنير، وهو احد مؤسسي منظمة «أطباء بلا حدود»، في مقابلة مع صحيفة «لو باريزيان» انه «في هذه المسألة... أوروبا مذنبة لتقاعسها عن مساعدة شخص في حالة خطر. هذا عار علينا».
اما الحقوقي الألماني هيربرت برانتل فكتب في صحيفة «زودويتشه تسايتونج» قائلاً «قد يملك الاتحاد الاوروبي الوسائل لانقاذ اللاجئين الفارين من جحيم سوريا وليبيا... ولكنه يتركهم يغرقون»، مضيفاً ان «أوروبا تستخدم اللاجئين الموتى لحماية نفسها من الآخرين. لقد حصّنت أوروبا نفسها.»