«عودة ـ تركيا» وتمويل «داعش»

«عودة ـ تركيا» وتمويل «داعش»

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٢ أبريل ٢٠١٥

تستمر الرقابة الأميركية على عمل النظام المصرفي في لبنان. سنوات مرت على إجراءات قامت بها مصارف لبنان استجابة لطلبات أميركية ذات خلفية سياسية، وذلك في ما خص إيران وسوريا وحزب الله. هذه المرة، أضافت الولايات المتحدة تنظيم «داعش»، وأبرزت خشيتها من استخدام المصارف اللبنانية في تركيا والعراق في عمليات تبييض لأمواله
قال مصدر مصرفي إن لقاءات مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب دانيال غلايزر مع المسؤولين في القطاع المصرفي اللبناني، قبل نحو عشرة أيام، ركّزت على وجود المصارف اللبنانية في دول المنطقة، وخصوصاً تركيا والعراق، وعلى علاقاتها مع المصارف المحلية هناك.
كذلك عبّر عن الخشية من أن يكون تنظيم «داعش» قد استغلها لتبييض بعض الأموال الناتجة من بيع النفط أو تجارته على طول الحدود بين تركيا والعراق.
لم تكن زيارة غلايزر تندرج في إطار العلاقات الوديّة التي حاولت «جمعية المصارف» نسجها مع وزارة الخزانة الأميركية على مدى السنوات الأخيرة، بل جاءت في إطار واحد هو «البحث عن أموال داعش». خلفية الزيارة، كما نقل أحد المصرفيين المشاركين في اللقاء مع المسؤول الأميركي، مرتبطة بمعلومات ومعطيات عن تورّط مصارف تركية وعراقية في تبييض أموال التنظيم الإرهابي. وبالتالي كان الاستنتاج واضحاً لدى الإدارة الأميركية بأن «داعش» سيحاول استعمال المصارف التركية والعراقية وعلاقاتها بالمصارف اللبنانية لتمويل عملياته في مختلف البلدان وإرسال الأموال إلى مختلف فصائله وتشكيلاته العسكرية.
ويشير المصرفي إلى أن تنظيم «داعش» منتج للمال، وهذه الأموال قد تدخل إلى لبنان بواسطة المؤسسات المالية، أو بواسطة الأفراد الذين يحملون المال النقدي، ما يعني أن المخاطر موجودة، وهي التي استدعت تحذيرات غلايزر، وخرجت إلى العلن قبل انتهاء زيارته. وإزاء ذلك، انبرى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى توضيح النتيجة والانطباعات التي تركتها الزيارة.
وبحسب محضر اللقاء الشهري بين جمعية المصارف وحاكمية مصرف لبنان، فإن سلامة قوّم الزيارة «إيجاباً»، ثم وضع زيارة غلايزر في إطار «جولة على المنطقة تتضمن السعودية والإمارات وقطر... وتندرج بصورة أساسية في إطار مكافحة تمويل المنظمات الإرهابية، وخصوصاً داعش، تهيئة للمؤتمر الدولي المقبل في روما». وقال سلامة: «من الصعب جداً أن تكون لداعش حسابات لدى المصارف في لبنان، أو لدى الصرافين. أما التبرعات الفردية للمنظمات الإرهابية، فتصعب السيطرة عليها بالكامل».

تركيا

ويؤكد المصدر أن بعض المصرفيين واجهوا غلايزر بالإشارة إلى أن «المصارف العراقية وضعت حواجز أساسية لفروعها في المناطق التي يسيطر عليها داعش من أجل منع استخدام التنظيم لها وتحويل أموال موبوءة بالإرهاب». كذلك أوضح بعض هؤلاء أن «البحث يجب ألّا يركّز على المصارف اللبنانية، فيما تتركّز معظم أعمال داعش على الحدود العراقية ــــ التركية، وعلى الحدود التركية ــــ السورية، وأن البحث يجب أن يتركّز على المصارف التركية التي قد تشارك في مثل هذه العمليات».
في هذا السياق، يبدو أن الاهتمام الأميركي يركز على مخاوف من لجوء بعض المصارف إلى تعويض خسائرها من خلال هذه العمليات. وأوضح مصرفي شارك في الاجتماعات أن الأميركيين سبق أن أثاروا الأمر قبل فترة من زيارة غلايزر، وكان همهم في تركيا يركز على مصرف «عودة» الذي وسع استثماراته في هذا البلد خلال السنوات الماضية، والذي يتردد أنه خسر نحو خمسين مليون دولار نتيجة الصعوبات القائمة هناك. وتحدثت الجهات المصرفية عن تفاصيل جديدة تتعلق بعمل المصرف في تركيا والأسباب الحقيقية لخسائره هناك.
ولفتت المصادر إلى أن الأميركيين يريدون تنبيه مصرف «عودة» إلى ضرورة إعادة التثبت من كل العمليات المصرفية الجارية في تركيا، وكافة العمليات التجارية الطارئة، ومحاولة البعض اعتماد مصرف «عودة» في تركيا للعبور إلى الجهاز المصرفي اللبناني حيث يمكن الاستفادة من نظام السرية المصرفية لإخفاء أموال كثيرة ترتبط بالتنظيمات الإرهابية العالمية.
وبحسب المصادر، فإن لدى الأميركيين النقاش نفسه مع الجانب التركي، وهم طلبوا من أنقرة أيضاً التدقيق في عمل مصرف «عودة» وسط مخاوف من إمكان حصول عمليات تبييض لمئات الملايين من الدولارات، خصوصاً أن العمليات التجارية الواسعة والقائمة عبر الحدود التركية إلى داخل سوريا أو إلى العراق تكفي لتغطية كمية كبيرة من الأموال. والخشية الأميركية تعود إلى أنها «تتهم المصارف اللبنانية، ومصرف عوده من أبرزها، بأنها قامت مضطرة بإجراءات في سياق مكافحة تبييض الأموال والإرهاب».

العراق

وفي ما خص العراق، تبدو مخاوف غلايزر من احتمال «خرق» تنظيم «داعش» للنظام المصرفي اللبناني مبنية على الوجود الكبير للمصارف اللبنانية في السوقين التركية والعراقية وسعيها إلى تعزيز هذا الوجود في سوق تبدو واعدة لتحقيق أرباح كبيرة. ففي الفترة الأخيرة، وصل عدد المصارف اللبنانية العاملة في السوق العراقية إلى عشرة، وبعضها يسعى إلى توسيع انتشاره في السوق من خلال فتح المزيد من الفروع. ولم تُكبح رغبة الانتشار إلا بعدما أصدر المصرف المركزي العراقي قراراً يوجب على المصارف الأجنبية أن تزيد رأس مالها إلى 70 مليون دولار خلال عام 2015، علماً أن المصرف المركزي جمّد أخيراً العمل بهذا القرار، ما شكّل حافزاً أمام المصارف اللبنانية للاستعداد لتوسيع وجودها مجدداً.
وجاء التوسّع المصرفي اللبناني نتيجة «زحف» الشركات اللبنانية إلى العراق وتوظيف العديد من المستثمرين اللبنانيين أموالهم في هذه السوق «الواعدة». اللبنانيون في العراق هم مصرفيون وتجار عقارات وتجار جملة لمنتجات غذائية وملابس ودخان، وأصحاب مصانع... وهم موجودون في بغداد والبصرة وأربيل وكردستان ولديهم علاقات واسعة في السوق العراقية.
على أي حال، يقول المصرفيون نقلاً عن غلايزر إن «داعش موجود في لبنان، والمصارف العراقية تتعاطى مع داعش، وهي تتعاطى أيضاً مع المصارف اللبنانية العاملة في العراق، وبما أن هناك الكثير من عمليات تحويل الأموال والعمليات التجارية بينها، فمن الممكن أن يستعمل تنظيم داعش المصارف اللبنانية والشركات اللبنانية لتمويل أعمال لوجستية للفصائل التابعة له أو لعناصره في لبنان».
عمليات التبييض لا تُجرى بطريقة مباشرة، بل من طريق استعمال حسابات تجارية وحسابات أفراد وجمعيات ذات طابع ديني لا تظهر علناً على أنها تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، لا بل هي في غالبية الأحيان جمعيات تعنى بأعمال إغاثة اللاجئين والهاربين من نيران القصف المتبادل في سوريا والعراق.