سيناء: هجمات «التكفيريين» تثير صدمة.. وتساؤلات

سيناء: هجمات «التكفيريين» تثير صدمة.. وتساؤلات

أخبار عربية ودولية

السبت، ٣١ يناير ٢٠١٥

أحدثت الهجمات المسلحة غير المسبوقة التي استهدفت مراكز أمنية مصرية في شبه جزيرة سيناء صدمة كبيرة على المستويين الرسمي والشعبي، ودفعت بالرئيس عبد الفتاح السيسي الى قطع زيارته لإثيوبيا، والعودة الى البلاد لمتابعة الأوضاع عن كثب.
ولعل تلك الصدمة التي أحدثتها تلك الهجمات المتزامنة والممنهجة، والتي تبناها تنظيم «أنصار بيت المقدس» باسم «ولاية سيناء» في تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» ـــ «داعش»، يعود الى أسباب عدة، أبرزها عدد تلك الهجمات، التي نُفذت تنفيذاً متزامناً وممنهجاً، واستهدافها مقارّ ونقاطاً أمنية وعسكرية بالغة الأهمية، وإيقاعها عدداً كبيراً من الضحايا، لتصبح بذلك إحدى أكبر العمليات الإرهابية التي تنفذها الجماعات التكفيرية في شبه الجزيرة المصرية.
ولكن الباعث الأكبر على الصدمة تمثل في انها نُفذت بعد نشاط مكثف للقوات المسلحة المصرية في تطهير سيناء من الإرهاب، شمل إجراءات عديدة أبرزها إخلاء الشريط الحدودي في رفح وفرض حظر التجول في باقي أنحاء محافظة شمال سيناء، وتخلله توجيه ضربات أمنية ناجحة بمعدلات مقبولة جداً ضد أوكار الجماعات التكفيرية.
وارتفعت حصيلة ضحايا الهجمات الإرهابية، التي وقعت في العريش ورفح والشيخ زويد، الى 30 قتيلاً، معظمهم من العسكريين، وإصابة ما لا يقل عن 60 شخصاً.
وقتل طفلان، يوم امس، في مواجهات بين الجيش المصري وجهاديين في الشيخ زويد. وقالت مصادر طبية ان الطفل الاول، وهو رضيع يبلغ من العمر ستة أشهر، قتل بطلق ناري في الرأس في قرية أبو طويلة، فيما قتل الثاني، ويبلغ من العمر ست سنوات، نتيجة تهتك في البطن جراء سقوط قذيفة، فيما أصيب اثنان آخران أحدهما طفل بطلقات نارية في حادث مماثل في قرية المطلة المجاورة.
وقطع الرئيس عبد الفتاح السيسي زيارته لإثيوبيا، حيث كان من المقرر أن يشارك في أعمال القمة الافريقية، فيما عقد المجلس الاعلى للقوات المسلحة اجتماعاً استثنائياً، أكد خلاله ان «الأعمال الإرهابية الخسيسة لن تثنينا عن القيام بواجبنا المقدس نحو اقتلاع جذور الإرهاب والقضاء عليه»، مشدداً على «استمرار وتكثيف أعمال المداهمات والملاحقات لكل عناصر الإرهاب والتطرف في سيناء وكل ربوع البلاد بالتعاون مع عناصر الشرطة المدنية وبالدعم المطلق من جموع شعب مصر العظيم»، و «الإصرار على الاستمرار في تأمين كل جهود الدولة لاستكمال خريطة المستقبل لتحقيق الأمن والاستقرار ودفع جهود التنمية».
وجاءت العمليات الارهابية لتطرح العديد من التساؤلات بشأن الآليات التي تنتهجها الدولة المصرية ضد التنظيمات الإرهابية في سيناء، وما رافق ذلك من إجراءات تحمّلها سكان شبه الجزيرة المصرية، سواء لجهة فرض حظر التجول منذ العملية الارهابية في كرم القواديس في تشرين الاول الماضي، والذي تم تجديد العمل به قبل أيام، أو لجهة إخلاء مئات المنازل من الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة.
وشكلت العمليات الإرهابية هذه صدمة كبيرة، خصوصاً أنها لم تكن مفاجئة، إذ كان يفترض توقعها في ظل ما تشهده سيناء من هجمات إرهابية، لا سيما بعد مبايعة «أنصار بيت المقدس» لتنظيم «داعش»، ولكونها وقعت في خضم إحياء ذكرى «ثورة 25 يناير»، أي في موعد يسهل توقعه واتخاذ إجراءات واحتياطات خاصة لمواجهة أي تطوّر أمني من هذا القبيل.
وعلاوة على ذلك، فإن تلك العمليات الإرهابية قد جاءت خلال فترة الاستعداد لإجراء الانتخابات البرلمانية، وقرب عقد مؤتمر دعم الاقتصاد المصري، وهما استحقاقان يمثلان أهدافاً للهجمات الإرهابية الهادفة الى زعزعة الاستقرار، وإرباك الدولة المصرية ومشاريعها، سواء الاقتصادية أو السياسية.
وفي حديث إلى «السفير»، يقول أستاذ العلوم الاستراتيجية في «جامعة ناصر العسكرية» اللواء نبيل فؤاد ان «قوات الشرطة والجيش وجهت ضربات شديدة للجماعات المسلحة في سيناء، وقد نالت منهم بالفعل، ولعل ما حدث أمس يبدو وكأنه عملية انتقامية، حشدت فيها الجماعات الإرهابية كل قواها للانتقام».
ويضيف فؤاد ان «العملية من هذا المنظور لا تعبّر عن القدرات الطبيعية للإرهاب، ولا يمكن اعتبارها قابلة للتكرار لأن تلك الجماعات استُنزفت بالفعل».
ومع ذلك، يقر فؤاد بأن الهجمات الإرهابية «شكلت صدمة شديدة لا يمكن إنكارها، بالرغم من كونها عملية يائسة وأخيرة».
ويشير الى ان «ما يمكن ملاحظته أن الثغرة الحقيقية التي أدت الى تلك العملية تكمن في أجهزة المعلومات التي تمنح الدولة الفرصة لاتخاذ المبادرة وإجهاض تلك العمليات والاستعداد لها جيدا».
وفي تعليقه على الإجراءات التي تتخذها الدولة المصرية، وما إذا كان يمكن أن تؤدي الى نتائج عكسية لمصلحة قوى الإرهاب، يقول فؤاد: «الإرهاب يلقى دعماً كبيراً من الخارج والداخل، لكني لا أعتقد أنه يلقى دعماً من جانب أهالي سيناء، فالسلاح الذي يستخدمه الإرهابيون لا يملكه أهالي سيناء».
ويشير فؤاد الى انه «عقب أحداث ليبيا، دخلت مصر كميات ضخمة من السلاح، بأنواع مختلفة، حتى أنه كان يفوق حاجة حركة حماس، وقد جرى تخزينه إلى وقت الحاجة إليه، وهو ما تستخدمه الجماعات التكفيرية اليوم».
ويضيف «لا أعتقد أن الإرهاب يتمتع بأي ظهير شعبي في سيناء، ولكن الجهات الأمنية يجب أن تكون حريصة أكثر في إجراءتها، فعمليات العقاب الجماعي التي كان يتبعها حبيب العادلي في عهد حسني مبارك كانت تؤدي الى إحجام الأهالي عن التعاون مع الدولة ضد الإرهاب».
وفي سياق الحديث عن سيناء، لا يمكن إغفال أن اتفاقية كامب ديفيد تنظم انتشار القوات المصرية في سيناء بما يمنع وجود قوات مصرية في عمق شبه الجزيرة المصرية إلا في حدود ضيقة وبأسلحة خفيفة، بما يعني أن القوات المسلحة المصرية لم تعمل في أراضي سيناء منذ 36 عاماً، وبالتالي فإن القوات الحالية بالكامل لم تمارس نشاطاً قتالياً أو تدريبياً على أرض سيناء، في حين أن الجماعات الإرهابية تمكنت من امتلاك خبرات بالأرض والسكان، بما يسهل عملها هناك، ما يصعب من مهمة القوات في مواجهة الإرهاب.
ولكن اللواء نبيل فؤاد يرى أن «هذا الجديث ليس صحيح تماماً، فقد كنا ننظم في الثمانينيات دورات معايشة داخل سيناء للضباط والجنود بصفة دورية، لكي يكونوا على دراية بأرض المعركة المحتملة وطبيعتها»، لافتاً الى ان «حجم الجيش الموجود في سيناء حالياً أكبر مما كان عليه قبل حرب العام 1967، والتفاهمات الأخيرة مع إسرائيل أتاحت الفرصة لوجود قوات مصرية في سيناء لمواجهة الإرهاب. ولكن في كل الأحوال، فإن ما جرى يحتاج الى وقفة، وأقصد بذلك ضرورة تشكيل لجنة تحقيق فنية، لا جنائية، لمراجعة ما حدث وسد كل الثغرات».
ودفعت الضغوط التي يواجهها أبناء شبه الجزيرة المصرية القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات في شمال سيناء الى إعلان الإضراب العام يوم الاثنين المقبل، ومقاطعة الانتخابات المصرية، للضغط باتجاه إنهاء حظر التجول ومعالجة الأخطاء التي وقعت في سياق مواجهة الارهاب.
لكن العمليات الاخيرة أفضت الى تعليق الاضراب، شعوراً بالمسؤولية الوطنية تجاه الحرب على الإرهاب.
ومع ذلك، فإن الاحتقان بين أبناء سيناء ما زال قائماً، بسبب الإجراءات التي تتخذها السلطات المصرية هناك.
وفي هذا الإطار، يقول المتحدث الرسمي باسم «التيار الشعبي» في شمال سيناء حاتم البلك لـ «السفير» إن «الإجراءات التي تتخذها الدولة ضد الإرهاب غير كافية، خصوصاً أن الجماعات الإرهابية في سيناء منظمة ومتطورة».
ويوضح البلك ان الرئيس المعزول محمد مرسي «أطلق سراح 300 إرهابي على درجة عالية من التدريب، وهو ما يتضح من العمليات، كما أن بعض ما تقوم به السلطات المصرية يتضمن أخطاءً فادحة».
ويشدد البلك على ان «القبائل السيناوية ترفض الإرهاب وتساند الجيش في معركته ضد القوى التكفيرية، لكن لسان حال الكثيرين اليوم يقول، إذا كانت الدولة لا تستطيع حماية جنودها فكيف ستحمينا؟».
ويرى البلك ان «إجراءات الدولة لن تصنع ظهيراً شعبياً للإرهاب في سيناء، ولكنها ستمنع الأهالي من مساندة الأمن ضد الإرهاب»، مشيراً الى ان «أخطاء صغار الضباط، التي لا تزال تُرتكب منذ العام 2004، والتي تمثل عقاباً جماعياً لأهالي سيناء، ستجعل من المستحيل التعاون معهم من قبل الأهالي».