قواعد الاشتباك.. في العمق

قواعد الاشتباك.. في العمق

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٣٠ يناير ٢٠١٥

عماد جبور
لا يخرج التاريخ من المدارس العسكرية، فهو عصارة تجربة جيوش وقادة ومجتمعات، وضعت خططاً عنوانها (أتينا لنعيش وننتصر)، وهذا العنوان هو المقدمة الأولى في كتب الأكاديمية العسكرية الامريكية (ويست بوينت). ولكن هذا لم يمنع من هزيمة العنوان في مواقع متعددة أقلها حرب فيتنام، وأذكر في هذا الخضم كيف ذهب الجنرال الإسرائيلي دايان إلى فيتنام لدراسة المواجهات هناك، من أجل مواجهة التكتيكات العربية المقاومة المماثلة والنشطة آنذاك.
في الحقيقة، منذ أربع سنوات بدأت حرب مفتوحة مركبة أي متوازية مع حرب نشطة عنوانها الثورات الملونة أو الربيع العربي، وهذه الحرب المفتوحة كانت إحدى قرارات غرف العمليات السوداء التي بدأت بقواعد اشتباك جديدة تلت حرب تموز 2006 التي هددت الفكرة الصهيونية بعمقها لأول مرة.
أمام هذا التهديد المصيري، كان لا بدّ من تفكيك "البازل" العربي الهش المركب على نظرية سايكس بيكو، وإعادة صياغته من جديد بما يتناسب والفكرة الصهيونية بالسيطرة على المنطقة، وطبعًا ترافق ذلك مع حروب سرية تهدم الكيانات مما يجعل المقاومات تذوب في الصراع الطائفي، والإثتي، والجغرافية التي ستصبح رخوة كالرمال المتحركة.
في العمق، بدأ المخطط في بلاد الشام منذ أربع سنوات، وكان مراد له حسب النظرية المركبة أن لا يستمر إلّا أشهراً من خلال قطع رأس القيادات، تحت ضغط الثورات الملونة المدعومة بثقل هائل، أقله تحالف عربي ودولي تقوده غرف عمليات الأطلسي. كانت السنوات الأربع المؤلمة والدموية تحمل في طياتها تغييراً دائماً في المخططات التي كانت تفشل أمام مقاومة عنيدة اعتمدت أقل ما يقال على خوض ما يسمى معركة المصير، متسلحةً بأسلحة عدة من بينها (الجنرال زمن)، الذي أوصل الأمور لإنهاء الحرب المفتوحة والمركبة الى حرب استنزاف يسيطر عليها، والتي رغم ألمها ودمويتها أفلحت في ضرب المخطط الاستراتيجي في العمق، حيث تمّت تعرية الحرب السرية وفكّكتها عن الثورات الملونة، وأوصل العناوين لكي تصبح (المقاومة في مواجهة الإرهاب).
أمام هذا التغيير الجذري، كان لا بدّ للمخطِّط أن يتدخل مباشرةً لتنفيذ المخطَّط، وهذا ما رأيناه من خلال التدخل الإسرائيلي المباشر في جنوب سورية، أو الأمريكي في الشمال السوري ولو كان بعنوان تركي أو (داعشي). وأمام هذا التدخل المباشر، كان لا بدّ من مخاطبة المخطط على خريطة المنطقة ككل وتحديد قواعد الاشتباك الجديدة والحقيقية، والممتدة من اليمن والخليج العربي، الى الشمال الافريقي. وهذا ما وضحه السيد حسن نصرالله في مقابلته على قناة الميادين. هذه المخاطبة التي عزلت أي اتفاق سياسي (سواء الملف النووي الإيراني، أو إخراج التحالفات من مواقعها ووضعها في مكان جديد)، عن الصراع العربي الإسرائيلي، وحددت قواعد اشتباك لجبهتين: الأولى هي مواجهة الحرب السرية، والثانية مواجهة المخطط الاسرائيلي في عقر دار مخططه.
أمام هذا الواقع، أراد الإسرائيليون رسم خطوط حمر للمخطط، من خلال الضغط على الميدان السوري وخلق معادلة توسيع الضغط على دمشق، فكان الرد أنّ المعركة لن تبدأ من الجولان بل من الجليل، وأنّ قواعد الاشتباك قد يكون المخططون قد وضعوا نارها، ولكنهم لن يستطيعوا تحديد اتجاهها، وها هي تنبثق عن المقاومة الشعبية في الجولان، والتي أقيمت الحروب الملونة لإيقافها، وتدميرها قبل أن تلد.
في العمق، لم يقتنع نتنياهو وجماعة الرؤوس الحامية في تل أبيب أنّ هناك شيء قد تغير، وأنّ مبادرة الإشتباك وقواعده عادت الى يد المقاومين، فقام بدعم التحرك في منطقة فض الإشتباك بحرب سرية غبية ومفضوحة انتهت بعملية الإغتيال لكوادر المقاومة كرسالة قوة، وجاء الرد كرسالة مفتوحة في عملية (شهداء القنيطرة) التي كانت واضحة المعالم في اختراق الأمن الإسرائيلي، وهو في كامل الجهوزية، وهذا ما جعل غرف العمليات تصاب بهستيريا الخوف من تطور نوعي أعاد العناوين الى نقطة الصفر، (إنه تهديد الكيان).
أمام هذا الاختراق، هناك معادلات جديدة ومخططات جديدة وحتى حروب جديدة، ولكنها هذه المرة ستكون مصيرية النهاية، وأهم ما فيها رسالة للإسرائيلي تفيد أنّ الدم مقابل الدم، والمدن مقابل المدن، والتدمير مقابل التدمير، وأهم شيء في المعادلة: أننا أصحاب الأرض مهما كانت المخططات التي تعوّدنا مواجهتها على مدى تسع حملات صليبية، وعلى مدى حكم الإسلام المقنع،وعلى مدى كل حلم توراة فارغ.