كيف تصنع "جهادياً فرنسياً"؟

كيف تصنع "جهادياً فرنسياً"؟

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٢٧ يناير ٢٠١٥

منذ عشر سنوات، أودع  اميدي كوليبالي، السارق الذي يبلغ العشرينيات من عمره، والمتحدر من أصول مالية، في السجن فلوري ميروجيس الفرنسي مع "الجهادي المخضرم" جمال بيغال المتهم بالتحضير لتفجير السفارة الأميركية في باريس.
أثناء التحقيق معه بعد سنوات عدة، اعترف كوليبالي أن أي من السجناء الذين تعرف عليهم في السجن لم يترك لديه أثراً باستثناء بيغال، الذي يكبره  بـ17 سنة، الذي استطاع التواصل معه على الرغم من كونه في الحجر الانفرادي.
وأقر كوليبالي بأنه استمر على تواصل مع بغال "ليس بسبب الدين بل لأنه أثر بي من الناحية الإنسانية".
كما أثر بيغال على شريف كواشي، الذي نفذ بالاشتراك مع شقيقه سعيد الهجوم على صحيفة "شارلي ابيدو" الفرنسية.
يعتبر المحامي السابق لرئيس مكافحة الإرهاب المدعي العام الفرنسي والخبير في تنظيم "القاعدة" والذي يقدم المشورة للحكومات في مكافحة الإرهاب جان-تشارلز بريسارد أن الوقت الذي قضاها هؤلاء في السجن كان "مصيرياً  وحاسماً. فبيغال كان العلامة الذي درسهم الدين والجهاد".
غير أن لدور سجن فلوري ميروجيس، الذي يُعد واحداً من أسوأ سجون فرنسا والذي أصبح منزلاً لأكثر من 4 آلاف سجين، في التحضير لتنفيذ اعتداءات مثل اعتداءات باريس ضاعف المخاوف من تحول السجون الأوروبية إلى مراكز لتجنيد الإسلاميين المتشددين. ومع توقيف العديد من المتطرفين العائدين من القتال في سوريا أو العراق، فإن التحدي أمام احتواء التطرف في السجون يصبح أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.
فيرى مسؤول ملف مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل دو كيرشوف أن إيداع آلاف المقاتلين العائدين في السجن هي "دعوة للتطرف".
بعيد هجمات باريس، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس عن ازدياد ملحوظ في جمع المعلومات الاستخباراتية ومراقبة محاولات تجنيد أفراد لتبني الفكر المتطرف.
وأحد الاقتراحات المطروحة هو فصل المساجين المتطرفين عن باقي السجناء في محاولة لحمايتهم من مجاراة زملائهم والغرق في التطرف، إلا أن بعض الخبراء ما زالوا منقسمين إزاء مدى التطرف في السجون الفرنسية وما يجب القيام به حيال الأمر.
فحتى هذه اللحظة لا تزال الأدلة حول هذه الأمر "مجرد روايات" وبالكاد يبلغ عدد هؤلاء بضع مئات في الدول الغربية.
ويرى رئيس جهاز مكافحة الإرهاب الفرنسي السابق لويس كابريولي أن "عزل الإرهابيين (السجناء الإسلاميين) مشكلة بحد ذاتها، لأنهم سيشكلون خلية داخل السجن. وسيخرجون أكثر تطرفاً من ذي قبل"، معتبراً أن هذا الحل" يحمي السجناء الآخرين من اكتساب أفكار متطرفة، إلا أنهم فور خروجهم من السجن يجب أن يوضعوا تحت المراقبة".
فالمنفذون الثلاثة لهجمات باريس الأخيرة كانوا تحت المراقبة في مراحل مختلفة بعد خروجهم من السجن، إلا أن نظام المراقبة يعد مهمة شاقة فيما يتعلق بنسبة الموارد المطلوبة لمراقبة المئات من السجناء السابقين وتصنيف الحكومة لمفهوم "التطرف".
أما البديل، فهو ما تنتهجه لندن وغيرها من الدول من خلال تجنب نظام الفصل بين السجناء في محاولة لدفعهم إلى الاندماج مع غيرهم من السجناء مما قد يدفع بعض الإسلاميين الإرهابيين إلى التخلي عن أفكارهم المتطرفة.
"الطريقتان فاشلتان" بالنسبة  لمستشار سابق  للحكومة البريطانية في مكافحة التطرف والمدير التنفيذي لمؤسسة "كويليام" حراس رفيق الذي يحذر من أن الحاجة إلى الحماية قد تدفع بعض السجناء إلى أحضان "أمراء" نصبوا أنفسهم على رأس عصابات داخل السجن.
ويروي رفيق أنه في العام 2011، قال الداعي البريطاني الياس كرماني في تحقيق برلماني بريطاني حول التطرف أن رجلاً أُودع في سجن "بيلمارش" البريطاني حيث التقى بالداعية عبدالله الفيصل الذي دين في العام 2003 بتهمة التحريض على قتل اليهود والأميركيين والهندوس والمسيحيين. وخلال ثلاثة أيام، استطاع الفيصل أن يقنع الرجل بتنفيذ عملية انتحارية. وبعد خروجه من السجن، توجّه الرجل إلى اليمن لتنفيذ مهمته الانتحاري قبل أن يتمكن بعض رجال الدين من إقناعه بالعدول عن الأمر.
ويرى بريسارد أن الذين تم تجنيدهم داخل السجن "أكثر خطراً" من المتطرفين خارجه،  أمثال: محمد مراح، ومهدي نموش.
ويشير بحث لمعهد "هنري جاكسون" البريطاني إلى أن 5 من أصل 134 شخصاً أدينوا باعتداءات إرهابية ذات صلة بالإسلام في بريطانيا بين العامين 1999 و2010 سبق ودخلوا السجن. من بينهم: مختار سيد إبراهيم أحد أعضاء خلية خططت لتنفيذ تفجيرات في لندن في العام 2005.
ويرى عالم الاجتماع في كلية الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في باريس فرهد خوسروخافار أن الطريق إلى الإسلام المتطرف عند المسلمين الفرنسيين، الذين اعتادوا أن يصفهم مواطنيهم بـ"الحشرات"، يبدأ بـ"الكراهية لا بالدين. فالجهاد هو الطريقة الوحيدة للتعبير عن كراهيتهم للمجتمع. وبعد تحولهم إلى جهاديين يتعلمون الإسلام في السجن معظم الأحيان".
وتسعى السلطات الأوروبية إلى "تشديد الخناق" داخل السجون كخيار آخر، إلا أن الخبراء يحذرون من أن المتطرفين استجابوا لزيادة التدقيق بالتحول من التبشير العام إلى أكثر طرق التجنيد سرية.
ومع عودة العديد من المقاتلين من سوريا والعراق، يُخشى من أن تؤدي الأحكام الجزائية القاسية إلى خيبة أمل أو صدمات لهؤلاء المسلمين.
ويرى دو كيرشوف أن الإسلاميين "الذين تلطخت أيديهم بالدماء" يجب أن يحاكموا لكنه يدعو في الوقت ذاته إلى إخضاعهم لبرامج تأهيل، محذراً من مخاطر عدم التمييز بين الإسلاميين وبين العائدين من "الجهاد".
ويقول: " يدعو الشعب الأوربي إلى زج جميع الإسلاميين في السجون، لكنه ليس نهجاً صحيحاً".