لماذا أرجأ نصرالله خطابه خمسة أيام ؟
وهل تتكرّر «مُعادلة» «انظروا اليها تحترق»؟

لماذا أرجأ نصرالله خطابه خمسة أيام ؟ وهل تتكرّر «مُعادلة» «انظروا اليها تحترق»؟

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٢٦ يناير ٢٠١٥

هذا السؤال احتل الاولوية لدى دوائر السفارات الغربية وفي مقدمتها السفارة الاميركية في بيروت، وانشغل المعنيون في البعثات الديبلوماسية بمحاولة الحصول على جواب شاف حول عدم ظهور الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى اسبوع موحدة، كان يفترض ان يكون موعدها يوم امس الاحد، فلماذا اختار التأجيل حتى يوم الجمعة المقبل؟ وما الذي ستحمله الايام الخمس المذكورة من تطورات استوجبت هذا التأجيل؟ وما هي حسابات حزب الله في هذا السياق؟ هل يرتبط الامر بعوامل سياسية او امنية ام لوجستية؟ ام هو جزء من حرب نفسية ؟ وهل من مفاجأة ميدانية تحضر لها المقاومة وتحتاج الى مزيد من الوقت استوجب تأخير الخطاب؟
اوساط ديبلوماسية في بيروت تشير الى ان كم الاسئلة المتهافتة، لم تتوقف منذ ان خيب حزب الله توقعات الجميع وارجأ الموقف المفترض من الاحداث الى الثلاثين من الجاري، هذا مع العلم ان كل ما سبق وحكي عنه من ظهور للسيد نصرالله في ذكرى اسبوع موحدة لم يكن سوى تكهنات اعلامية انطلقت من فرضية منطقية بان تكون هذه المناسبة موعدا لظهور السيد، فحزب الله لم يقرر، ولم يلغ، وانما اختار لاسبابه الخاصة ان يتم تظهير الموقف بعد خمسة ايام من ذكرى الاسبوع. وهذا ما اطلق العنان لسلسلة لا تنتهي من التكهنات لدى هؤلاء الديبلوماسيين الواقعين تحت ضغط دوائر القرار في دولهم والتي تطالبهم باجابات واضحة ومحددة عن ما يدور في «خلد» قيادة حزب الله، فاسرائيل قلقة «ومذعورة»، وتحتاج الى اي «معلومة» تساعدها في جهدها الدبلوماسي المدعوم اميركيا لاحتواء الموقف.
وبحسب تلك الاوساط، فان كل من حاول فهم اسباب هذا «التأخير» يأخذ بعين الاعتبار اهمية «الساعة» «والدقيقة» في هذه المرحلة الشديدة الحساسية، فكيف اذا كان الحديث هنا عن ايام خمسة كفيلة ببلورة الكثير من المعطيات السياسية والامنية والعسكرية، اما اسباب بواعث القلق لدى هؤلاء فسببها وجود تداخل هائل بين ما يمكن تصنيفه بالاستعدادات الجدية لفعل شيء ما، وبين ما يرافق ذلك من حرب نفسية تجيدها المقاومة، ويترافق ذلك مع استخدام حزب الله لاستراتيجية «صمت» صارمة، لم تفك «شيفرتها» التهديدات الايرانية بالرد، فالمعنيون في تلك السفارات يميزون جيدا بين الامرين، ويدركون ان ادارة هذا الملف برمته، رغم المس المباشر بايران عبر اغتيال احد كبار جنرالاتها، يبقى بين يدي السيد نصرالله.
وما يزيد من «بواعث القلق»، تضيف الاوساط، ان هذا «الصمت» العلني يترافق مع «برودة» متناهية في التعامل مع المحاولات الاسرائيلية التبريرية للعملية في القنيطرة، وصلت الى حد «تجاهل» كل «الرسائل» التي وصلت عبر طرف ثالث، وآخرها روسيا التي «طار» اليها وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان لشرح خلفيات العملية وابلاغ محور المقاومة ان اسرائيل غير راغبة بالتصعيد، وحتى الان لم يتبرع احد بسؤال الاسرائيليين عن الثمن الذي سيدفعونه مقابل هذه «الخطيئة» الاستراتيجية»؟ فالكل يدرك ان ما حصل ليس حادثا تم بالصدفة، ولا احد يمكن ان يقدم خدمة مجانية لبنيامين نتانياهو لمجرد انه اجرى حسابات خاطئة واكتشف انه قد يدفع مقابلها مستقبله السياسي، فهو لم يمارس عملية «سطو» ويمكن حل الامور باعادة «المسروقات»، ولم تحصل عملية «القتل» بالخطأ حتى تسوى الامور بدفع «الدية»، وهو طبعا لا يتوقع ان ينال «صك الغفران» من اعدائه ، اذا ماذا لديه ليقدم؟
لديه الكثير، تجيب الاوساط، ولكن المشكلة ان هذا السؤال الجوهري لم يبد اي من اطراف محور المقاومة اهتماما به، وهذا يشير الى ان الاستراتيجية لدى هذا المحور تقوم على معادلة واضحة تفيد بان «الرد شيء»، «والثمن شيء آخر»، فعندما فشلت عملية اغتيال رئيس المجلس السياسي لحركة حماس خالد مشعل في الاردن عبر رشه بمواد سامة، رضخت اسرائيل لضغوط الملك حسين يومها ودفعت الثمن بانقاذ مشعل عبر حقنه بالترياق، واجبرت على اطلاق مؤسس الحركة الشيخ احمد ياسين من السجن، لكن الرد جاء بعدها من خلال اطلاق اكبر عملية تسليح وتدريب لحماس ادت الى الوضع القائم في غزة اليوم. وهكذا دفعت اسرائيل الثمن مرتين، مع فارق جوهري انها قامت بتسوية مع «شريك» مفترض للسلام، ومشعل كان لا يزال على قيد الحياة، فهل تستطيع اليوم اعادة «الروح» الى القادة الشهداء؟
وبرأي تلك الاوساط، فان محور المقاومة قادر اليوم على الاستفادة من حالة الارباك الاسرائيلية التي لا تتصل فقط بالانتخابات، فثمة سببين آخرين على درجة كبيرة من الاهمية، الاول ان الجبهة الداخلية ليست مهيئة بعد لخوض حرب ستؤدي الى كارثة نتيجة حسابات خاطئة، والثاني ان ما فعله نتانياهو سيطيح باستراتيجية الادارة الاميركية في المنطقة، فاذا ما اندلعت الحرب، كل ما بناه اوباما من سياسة «غض النظر» في سياق استراتيجية عدم الانجرار إلى حروب الآخرين، ستنهار، فالرئيس الاميركي لا يريد حربا تنسف له استراتيجية استنزاف اعدائه في الشرق الاوسط اليوم، فهو يريد ان يذكره الشعب الأميركي بأنه الرئيس الذي انتشل الولايات المتحدة من حروب الآخرين وأوكل الحرب على الإرهاب اليهم كي لا يعود الجنود الأميركيون في الأكفان إلى بلادهم. وهو أعلن فتح صفحة جديدة مع كوبا كمقدمة لطي صراع تاريخي مع إيران من باب المفاوضات النووية، ولذلك لن يسمح لرئيس الحكومة الاسرائيلية بهد كل ما بناه من خلال مغامرة غير محسوبة قد تجر المنطقة الى حرب شاملة لن تكون الولايات المتحدة بعيدة عن «وحولها»، ومن هنا جاءت النصيحة للاسرائيليين، اطرقوا «ابواب» موسكو لنزع «فتيل الانفجار».
وبحسب تلك الاوساط، فان المعضلة الرئيسية القائمة اليوم ان طرق «ابواب» موسكو لم يؤد بحسب معلوماتها الى فتح اي نافذة لتسوية ما، فاذا كان الاسرائيلي لديه الكثير ليقدمه خصوصا على امتداد الجبهة السورية، لجهة التسليم بالامر الواقع في الجولان، ووقف دعم المسلحين المعارضين للدولة السورية، والتعهد بوقف الغارات على شحنات الاسلحة القادمة الى حزب الله، وغيرها من المسائل «التكتيكية» على الارض، فان الطرف الآخر وعلى رأسه حزب الله مقتنع بانه يمكن الحصول على كافة تلك الامور دون الحاجة الى «تربيح جميلة» من الاسرائيلي، فاطلاق جبهة المقاومة من الجولان ليست الا مسألة وقت، ومسألة توريد السلاح حلها الحزب بطرقه الخاصة، «وكف» يد الاسرائيلي باتت «تحصيل حاصل» بعدما ورطته الاستراتيجية في القنيطرة، والانجازات التي حصلت في الايام الماضية ربما تفوق كل ما تم في الفترة الماضية. اذا الصورة واضحة، فلماذا تأخير خطاب السيد نصرالله؟
لم تحصل البعثات الديبلوماسة الغربية على اجابة «شافية»، لكنها متيقنة ان مجرد وضع حزب الله عد تنازلي للكلمة فيه الكثير من «الرسائل» والمعاني، فمجرد تحديد الموعد يعني ان الموقف التكتيكي والاستراتيجي قد بات جاهزا، السيد نصرالله يعرف ما سيقول ويعني ما سيقوله، «القصة» الكاملة للظروف المحيطة بالعملية باتت بين يديه، التواصل مع حلفائه وصل الى الخلاصات المرجوة، الاتفاق على «السقف» السياسي والامني والعسكري انجز، بانتظار «تظهيره» يوم الجمعة المقبل. لكن اكثر ما تخشاه اسرائيل مع حلفائها ان يعيد التاريخ نفسه ويخرج السيد نصرالله الى جمهوره كما خرج في حرب تموز 2006 على «الهواء» مباشرة بالتزامن مع استهداف المقاومة البارجة «ساعر» وقال جملته الشهيرة «انظروا اليها تحترق»، وقد يقول هذه المرة «هل شاهدتموها تحترق»، اما الهدف هذه المرة فليس بالضرورة ان يكون قبالة الساحل اللبناني، فالجبهة ممتدة ومفتوحة على الكثير من المفاجآت غير السارة. هل يفعلها السيد؟ طبعا لا جواب، لكن ما هو يقين ان اسرائيل ستعيش خمسة ايام من «حبس الانفاس»