بعد عام على غزوة داعش، جردة حساب من نيجيريا إلى سيدني

بعد عام على غزوة داعش، جردة حساب من نيجيريا إلى سيدني

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٢١ ديسمبر ٢٠١٤

 ثلاث سنوات بالضبط بين إحراق البوعزيزي نفسه في 4 كانون الثاني 2011، مشعلاً بجسده العالم العربي كلُّهُ، وبين هجوم مجموعة الإرهابي الداعشي شاكر وهيب على ضباط الجيش العراقي في الأنبار في 4 تشرين ثاني 2014 معلناً بداية العصر الداعشي ومرحلة تخضيع الشرق الاوسط بهولاكو القرن الواحد والعشرين.

قد يكون الربط بينهما (اليوم نفسه)، فيه بعض الظلم لمن يعتقدون أنّ ما جرى خلال السنوات الأربع الماضية هو ربيع حرية للعرب أو للمسلمين، ولكن، بعد تكشُّف الأيادي الخفية التي رعت وخططت وموّلت هذا "الحريق العربي"، بات على جميع "الأحرار" و"الثورجيين" أن يقفوا وفقة تأمّل عميقة وهادئة ويقاربوا أحداث السنوات الأربع الماضية بتأنٍ وتمحُّص، لأنّ نصف الحقيقة ما نعرفه بالكامل، والحقيقة الكاملة نصفُ ما لا نعرف.

والحقيقةُ هنا تتلخص بأربع نقاط لا يمكن نقضها بنظرية المؤامرة أو بمقولة إلقاء اللوم على الآخرين لأن:

- الجانب الأول، قرار مجلس الأمن رقم 1373 تحت البند السابع وبذريعة الأمن الأمريكي والأوروبي هو خلاصة مشروع استهداف المنطقة، مندرجات القرار التي تسمح بالتدخل الغربي لمواجهة داعش والمتطرفين الاسلاميين هو محاولة لاستكمال المشروع الصهيوني في المنطقة على حساب إعادة صياغة المنطقة من جديد وتصفية القضية الفلسطينية.

- الجانب الثاني، يتعلق بمسؤولية سياسات أمريكا في المنطقة العربية وفي العالم الإسلامي في السنوات الطويلة الماضية، ومسؤولية الجرائم التي ارتكبتها أمريكا في الدول العربية والإسلامية، عن صعود الجماعات المتطرفة، ومن بينها "داعش".

- الجانب الثالث، يتعلق بسوابق أمريكا المعروفة، في دعم واحتضان، وحتى إنشاء، تنظيمات وجماعات عنيفة متطرفة، واستغلالها لخدمة أجندتها ومخططاتها.

- الجانب الرابع، والأهم، يتعلق بمعلومات وحقائق محددة ترتبط بالتطورات الأخيرة تثير الشكوك والتساؤلات حول حقيقة "علاقة أمريكا بتنظيم داعش".
ثلاثة من أهم محللي الغرب أكدوا العلاقة المباشرة بين داعش والولايات المتحدة بالوثائق والادلة التي سنتناولها في مقالٍ لاحق، فلم يدعوا مجالاً للشك في هذا الارتباط الوثيق مأكدين نظرية خلق داعش لتخضيع المنطقة والسيطرة عليها هم: تشارلز دايفس وبيتر فان بورين وتوم انجلهارت.

"عش الدبابير" وخريطة المستقبل العالمي

بحسب سنودن، عميل المخابرات الأمريكية الهارب الى روسيا، إنّ "أجهزة مخابرات أمريكا وبريطانيا و"إسرائيل" هي التي تقف وراء ظهور تنظيم داعش وصعوده، وفق خطة قديمة تعرف بـ(عش الدبابير)"، وقوله أيضاً إنّ "أبو بكر البغدادي" خضع لدورة مكثفة استمرت عاماً كاملًا تلقّى خلالها تدريبات على أيدي الموساد.

في كانون الأول ديسمبر عام 2004، أي في عهد الرئيس بوش، أصدر مجلس المخابرات القومي الأمريكي تقريراً يقع في 123 صفحة عنوانه: "رسم خريطة لمستقبل العالم. الهدف من التقرير كما هو واضح من عنوانه، هو رسم صورة للتوجهات العالمية المتوقعة والصورة التي سوف يكون عليها العالم في عام 2020 والسيناريوهات المختلفة المتوقعة بهذا الصدد، ووضعها تحت تصرف صناع القرار". هذا التقرير تنبأ في جزء منه بإعلان "الخلافة الإسلامية" في عام 2020، ووضع التقرير ما أسماه "سيناريو تخيلي" لإعلان الخلافة في شكل رسالة مطوّلة بعث بها حفيد مفترض لأسامة بن لادن في رسالة إلى أحد أقربائه، في هذه الرسالة يتم طرح سيناريو كامل لإعلان الخلافة بأبعاده المختلفة. من المهم جداً أن نفهم الإطار الذي وضع فيه التقرير إعلان الخلافة هذا. بمعنى الظروف والأوضاع والتطورات التي ستشهدها المنطقة في هذا التاريخ والتي في إطارها يتم إعلان الخلافة.

التقرير يضع هذا الإعلان في إطار ما أسماه "سياسات الهوية" والصراعات الطائفية والاثنية التي توقّع أن تشهدها المنطقة العربية وستشكل تحديات هائلة لنظم الحكم. وهنا لا بدّ من الإشارة الى أنّ خيار أوباما الانتقال الى استراتيجية الحروب من الخلف التي أثمرت "الحريق العربي" هي التي سرّعت تنفيذ خطة الخلافة الإسلامية وتقريبها من العام 2020 الى العام 2014.

مرحلة داعش ودورها الحالي في المشروع الأمريكي

لننظر الآن الى الخريطة السياسية والميدانية بعد سنة على خلق داعش، العراق الذي انتصرت فيه قوى الممانعة بعد الانسحاب الامريكي منه في 21122011، تمزق الى ثلاث قطع تشكل واقعاً سياسياً وعسكرياً لا يمكن تغييره بسهولة، كردستان أصبحت أمراً واقعاً وقد تطال جزءًا من سوريا، سوريا يتهددها شبح الخسوف الجغرافي والتقسيم، دول شمال افريقيا تنخر ببنيتها الاجتماعية والفكرية والسياسية مفاهيم التكفير، لبنان على صفيح بركان التفجير الفتنوي المذهبي، إيران ترزح ولو نسبياً تحت ضغوط انهيار أسعار النفط وتكلفة دعم خط الممانعة من العراق وسوريا ولبنان مما يجعل مماحكة الغرب فيما يتعلق بملفها النووي أكثر صعوبةً وتعقيداً ولو أنها حققت بعضاً من توازن الضغط في لبنان واليمن وغير مكان.

في المقابل، وكثمن معاكس للخيار الأمريكي المتمثل بدعم قيام داعش، لا بد من تبعات للّعب بنار الإرهاب والتكفير، ولعلّ الأرباح التي تحققها الولايات المتحدة من عملية ابتزاز العرب بأكذوبة محاربة داعش وسلبها لمليارات العرب وتصريف السلاح تحت مسمى الائتلاف الدولي لمحاربة داعش، في ظل أداء خجول وعدم جدية واضحة، فإنّ الولايات المتحدة ومعها كل دول الغرب بلا استثناء بدأت تدفع الثمن الغالي لهذا الخيار من اوستراليا الى حادثة البرلمان في كندا، الى تفجير المطعم اللبناني في أفغانستان وانفجاري السويد اليوم، وصولًا الى حادثة الهجوم على الشرطة الفرنسية.

إنّ الأوروبيين يرون الآن كيف أنّ أعداداً متزايدة من المسلمين على أراضيهم ينضمون إلى الخلافة. وفي الولايات المتحدة أيضاً، هناك أتباع للخليفة في أوساط "الكفار"، بمن في ذلك إبنة أحد أعضاء الكونجرس. والولايات المتحدة في ظل ورطتها، تحاول أن تشتري ذمم أولئك الذين يدعمون الخليفة في محاولةٍ لتهدئة السنة العراقيين، لكنها في نفس الوقت لا تريد أن تثير حفيظة "إسرائيل". وفي أوروبا، تمّ لأول مرة مضاعفة الضغوط على الصهاينة، والحديث عن عقوبات ضد "إسرائيل".

إذن نحن أمام معادلتين متوازيتين: الأولى أنّ أميركا وفي مقابل تحقيق المصالح الصهيونية والأمريكية تسعى الى تسعير الحروب الطائفية والصراعات السنية الشيعية، وتعميم العنف والفوضى في المنطقة، وتدمير سلطة الدولة ومؤسساتها في الدول العربية، وتعزيز وجود قوى وجماعات تنازع الدولة على السلطة، ومن جهة أخرى تحاول تحصين نفسها وسائر الدول الغربية من تداعيات هذه الاستراتيجية على دواخل تلك الدول. وفي المقابل، وهذه النقطة الاهم، خيار القوى الممانعة والمتصدية في المنطقة لهذا المشروع، والذي ما زال حتى الآن خيار دفاعي لم يرقَ الى الآن إلّا الى مستوى امتصاص الصدمة وتأخير تحقيق المشروع وليس إسقاطه، مع أنّ الثمن كان وسيكون غالياً، بشرياً ومادياً وكيانياً. فالعراق كما قلنا سابقاً قد تمزق وهذه حقيقة، وسوريا تدمرت وتعيش خطر التقسيم وهذه حقيقة أيضاً، لذلك، فإنّ كل جهود حلفاء خط الممانعة في المنطقة، والتي لها مصالح أيضاً فيها، وعلى رأسها روسيا والصين، مهما كانت جبارة وكبيرة وداعمة، الى أنها لم ترقَ الى مستوى رد العدوان وكسر المشروع الصهيوني الاميركي، وما يجري على الارض يؤكد على قوة الصمود ولكنه لا يردع المشروع التقسيمي، أقلّه حتى الآن، ولكي نخرج من هذه الدوامة ونسدل الستار عن هذا الفيلم الأمريكي الدموي الطويل، لا بدّ من وقفة تقييم على اعتاب العام الثاني لداعش ومشروعها الخطير، ومقاربة المواجهة على قاعدة الانتقال من الدفاع الى الهجوم، بإيلام أميركا وضرب مصالحها في المنطقة والعالم، وبإشعال الأرض تحت جنودها أينما كانوا، وبتصعيد المواجهة مع ربيبتها "إسرائيل"، بذلك فقط نستطيع كسر المشروع، ولنا في عملية المارينز عام 1983 عبرة لمن يريد قتل التنّين.