قاسم سلجماني.. رجل الظل الذج جرف الصخر

قاسم سلجماني.. رجل الظل الذج جرف الصخر

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٢٠ نوفمبر ٢٠١٤

ظهر اسم الجنرال الإيراني قاسم سليماني في عدة معارك خاضها الجيش العراقي مع قوات الحشد الشعبي انتهت بدحر داعش وكانت ابرزها الحرب الأخيرة في جرف الصخر التابعة لمحافظة بابل.
ما حصل في جرف الصخر إنجاز تاريخي لرجال «الحشد الشعبي» العراقي، المؤلف من فصائل عسكرية عدة. أكثر تلك الفصائل قاتلت سابقاً الاحتلال الأميركي، وأبرزها: «كتائب حزب الله ــ العراق» و «عصائب أهل الحق» و«منظمة بدر» و«سرايا السلام» (التابعة للتيار الصدري) إضافة إلى فصائل أخرى. كان الجنرال قاسم سليماني، «نجم المعركة» بلا منازع. رجل الظل، الذي بدا أنه يخرج إلى الضوء، قليلاً، في الأشهر الأخيرة، انتشرت له بعض الصور التي قيل إنها من جرف الصخر. دور الرجل، في المساعدة اللوجستية للقوى العراقية بل والميدانية، لم يعد خافياً. درس جرف الصخر يُفهم منه أن في الشعب العراقي قوة لو نظمت وفعلت، كما يجب، لغيّرت الكثير من الواقع «الداعشي» في بلاد ما بين النهرين، ولاستطاعت، وهذا ما حصل فعلا، أن تسحق جحافل داعش في جرف الصخر، إلى حد جعل قيادة التنظيم تُقرر الهرب كليّاً من هناك. و هذا ما يتوافق مع ما قاله المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، السيد علي خامنئي، لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الشهر الماضي: «إننا نؤمن بأن العراق، حكومة وشعباً، ولا سيما شباب هذا البلد، لديهم القدرة على دحر الإرهابيين وإقرار الأمن، ولا حاجة إلى الوجود الأجنبي في البلاد».

لماذا التركيز على جرف الصخر وما الذي حصل حقيقة هناك؟ تلك الناحية، الواقعة ضمن محافظة بابل التي تمتاز بغابات النخيل والمسطحات المائية الاصطناعية الشاسعة، كانت بالنسبة إلى قادة «داعش» تمثّل قاعدة ارتكاز للزحف باتجاه الجنوب الشيعي. تقع جرف الصخر في الوسط بين بغداد وكربلاء، وهي أقرب إلى الثانية، كما أنها تشكل امتداداً جنوبياً لقضاء الفلوجة، الذي يمثل إحدى البؤر الأساسية لتنظيم القاعدة ومن بعده تنظيم داعش في العراق، ولذلك كان يطلق على هذه الرقعة الجغرافية اسم «مثلث الموت».

بعد عام ألفين وثلاثة تحولت هذه المنطقة إلى أحد أهم معاقل التنظيمات المسلحة في العراق (القاعدة)، وكانت منطلقاً للسيارات المفخخة في بغداد. وفي 2010 أصبحت تعرف بعاصمة ولاية الجنوب لتنظيم داعش، ومن هناك استمر الانتحاريون في ضرب التجمعات المدنية في المسيب والاسكندرية والحلة وكربلاء وبغداد. وبعد سقوط الموصل، كان تنظيم داعش يعتبر جرف الصخر «خنجراً في خاصرة الشيعة، ومنها سيكون سقوطهم المدوّي» في بغداد وبابل وكربلاء والنجف وصولاً إلى البصرة.

لذلك قام التنظيم بتعزيز حضوره العسكري في القرى والأرياف التابعة لناحية جرف الصخر، بل إنه شرع في شهر آذار الماضي بالزحف باتجاه مركز قضاء المسيب ووصل حتى بعد مئات الأمتار من الدوار الشهير في المدينة الذي يشكل معبراً باتجاه مدينة كربلاء جنوباً، فكان أن تصدت له مجموعات شيعية منظمة وحدّت من تقدمه.

ولا تكاد تحصى الاعتداءات التي طالت زائري المدينة الشيعية المقدسة على ذلك الطريق، فسقط مئات الأبرياء بتفجير عبوات ورمايات رشاشة وذبح وصلب. مجازر كثيرة سجّلتها ذاكرة العراقيين من أبناء تلك المنطقة، لكن لم تسجلها وسائل الإعلام، فظلت طيّ الكتمان. ذات مرّة قطعت مجاميع «داعش» الطريق المذكور، وكذلك جسر المسيب، فتحوّل سير الزوّار والعابرين اضطراراً إلى طريق جرف الصخر. هناك حصلت، بحسب ما نقلت لـصحيفة «الأخبار» مصادر معنية، أفظع الجرائم بحق العجز والأطفال والنساء والرجال. بعض النساء كنّ يغتصبن، بعد سبيهن كجوار، ثم يقتلن بعد مدة. تاريخياً، في زمن صدّام حسين، عُرفت جرف الصخر كملاذ آمن للعصابات المنظمة، وكان ينشط فيها تجار الممنوعات ومافيات القتل الجنائي. حتى صدام تحاشاها ولم يُسجل أنه اقتحمها بقواته مرة.

قبل تحرير الجرف، وبحسب ما تنقل المصادر، فإن الجيش الأميركي أبلغ الجانب العراقي عجزه عن شن أي هجوم هناك. معللا بانها يصعب حلّها عسكريا، وذلك لأنها أرض كثيفة بأشجار البلح القديم، ولداعش قوّة حاضرة فيها، وبالتالي هناك تداعيات استنزاف». هكذا، ما عجز عنه الأميركي، أو بالأحرى ما خاف منه ولم يحاول فيه أصلاً، فعلته قوات الحشد الشعبي العراقية مدعومة من «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني برئاسة الجنرال قاسم سليماني الذي يقال إنه كان شريكا قياديا في إدارة المعركة، كما حصل في مناطق عراقية أخرى سابقا ويحصل اليوم أيضا.

بدأ الهجوم على جرف الصخر من 3 محاور أساسية، حيث أمطر الجرف بنيران تمهيدية قوية لحوالى نصف ساعة، قبل أن يبدأ التقدم الميداني من المحاور الثلاثة. المحور الأول: من جهة قرية الفاضلية، ومهمته تطويق المنطقة وعزلها عن عامرية الفلوجة شمالاً، وألقيت مسؤولية العمليات فيه على «عصائب أهل الحق». المحور الثاني، وهو الجنوبي، الذي يتصل ببلدة الجرف مباشرة التي أوكلت مهمة التوغل إليها انطلاقاً من قرية البهبهان إلى «كتائب حزب الله». أما المحور الثالث، وهو في منطقة الوسط، فمهمته كانت السيطرة على مجموعة قرى يتموضع فيها داعش أيضاً من بينها عبد ويس والفارسية. اشتعلت المعركة، واحتدمت المواجهات عن قرب، وجهاً لوجه مع مقاتلي «داعش». مقاتلو الحشد الشعبي رأوا بأعينهم كيف كان «الداعشي» يسقط أرضاً، ومن بقي حيا يجهد للفرار من المنطقة. في البداية دافع إرهابيو «داعش» عن خط دفاعهم الأول بالقنص والعبوات الناسفة التي كانت مزروعة بكثافة بين أشجار النخيل. لكن سرعان ما تهاوى هذا الخط بعد الهجوم المركّز والمحكم التنظيم لمقاتلي الفصائل العراقية (وهؤلاء بالمناسبة غير مدربين تدريباً عالياً، لكنهم منظمون، وقد وضعت لهم خطة محكمة). وفي غضون ساعات بدأ التوغل داخل مناطق داعش الذي فوجئ مقاتلوه بالإطباق عليهم وقطع خطوط الإمداد عنهم. كل المحاولات «الداعشية» للصمود كانت يائسة، وفي غضون أقل من 48 ساعة تم تحرير المنطقة التي استعصت على الاحتلال الأميركي ومن بعده على القوات الرسمية العراقية على مدى نحو عقد من الزمن.

تنقل مصادر واكبت مجريات المعركة، نقلاً عن مسؤولين أمنيين، أن البغدادي، بعد تلقّيه أخباراً عن مجريات الميدان وما ألمّ بجماعته، أمر بعدم السماح بأن يؤسر مقاتلون من تنظيمه، وبالتالي جرى «إحراق عشرات الجثث أو رميها في النهر»… وهذا ما حصل بالفعل. وصلت رسالة البغدادي إلى مقاتليه بالتزامن مع هربهم من الجرف، وذلك بالضبط عندما التقت فصائل محور هجوم الوسط مع فصائل محور الجنوب في نقطتي الشهبان والحجير. تركت المجاميع الداعشية خلفها 4 دبابات و3 آليات هامر، ولم يكن باستطاعتهم الانسحاب إلا سيرا على الأقدام، أو بمعنى أدق: هرولة سريعة.

بينما تجمع الولايات المتحدة حلفها الدولي، ضد صنيعتها «داعش» في العراق وسوريا، و تعجز عن تحرير قرية واحدة سواء في العراق أو في سوريا،أطلت وحدات الحشد الشعبي العراقية لتعلن إمساكها بزمام المبادرة الميدانية في عدة مناطق عراقية، كما حصل قبل جرف الصخر ان في ناحية آمرلي (الواسعة النطاق) أوكما يحصل اليوم في منطقة سد العظيم وناحية جلولاء والسعدية.

اذن فمعنويات الشعب العراقي عالية و رهان القائد الخامنئي على شباب العراق كان في محله و ستشهد الأيام القادمة كيف أن داعش هو مجرد نمر من ورق و أن قائد مثل قاسم سليماني حتى في الظل,يبقى نجما ساطعا يستنير منه المستضعفون.