بين الدمار "الداعشي" والسرقة الإسرائيلية..حضارة العراق مهدّدة بالزوال!

بين الدمار "الداعشي" والسرقة الإسرائيلية..حضارة العراق مهدّدة بالزوال!

أخبار عربية ودولية

السبت، ١ نوفمبر ٢٠١٤

يُعدّ العراق، وتحديداً منطقة بلاد ما بين النهرين، وهي التسمية التاريخية للبقعة الجغرافية الواقعة بين نهري دجلة والفرات، المكان الذي يحتضن أكبر مخزون أثري في العالم، كمّا ونوعاً، وهو تراث عالمي يأتي من تعاقب أعرق الحضارات والمجتمعات البشرية والثقافات الدينية على هذه الأرض.
ويتوزع هذا المخزون الحضاري على مختلف أنحاء العراق، إذ يكاد لا يخلو مكان في البلاد من مزار أو مرقد أو معلم أثري أو تراثي.
ولكن هذا الغنى الحضاري تعرّض على مدى التاريخ، وحتى يومنا هذا، إلى أكبر حملات نهب وتخريب.
وتعدّ الظروف السياسية المتقلّبة، وعدم الاستقرار الأمني، من بين الأسباب الرئيسة في عمليات التخريب التي لحقت بالمعالم الحضارية العراقية، خصوصاً في مرحلة الاحتلال الأميركي، وقبلها في ظل عمليات النهب المنظمة التي نفّذتها ما كانت تسمّى بالبعثات الأجنبية، ناهيك عن عصابات التهريب التي نشطت في ظل الاحتلال.
ويمثل الغزو "الداعشي" اليوم إحدى حلقات هذا التخريب المستمرّ والمحو المنظم للتراث العراقي، فقد أقدمت عصابات "داعش" على هدم الكنائس والأديرة العريقة في المناطق التي سيطرت عليها، كما نسفت العديد من المساجد والمراقد التابعة لديانات وطوائف مختلفة، فيما استولت على عدد كبير من الآثار الثمينة والنادرة، وقامت بتهريبها عبر مافيات الآثار الى دول الجوار والعواصم العالمية.
وأكدت منظمة "اليونيسكو" ومنظمات دولية أخرى أن التراث العراقي والمواقع التاريخية العراقية في خطر كبير، داعية المجتمع الدولي إلى حمايتها.
وندّد سفير فرنسا المنتدب لدى "اليونيسكو" فيليب لاليو، في كلمة القاها مؤخراً في منتدى نظمته المنظمة الدولية بعنوان "التراث العراقي في خطر"، بما وصفه بـ"الجرائم التي ارتكبت بحق التراث العراقي"، في ظل تأكيد المديرة العامة لـ"اليونيسكو" إيرينا بوكوفا أن المنظمة الدولية "دعت مجلس الأمن إلى تبني قرار ينص على المنع الوقائي لأي اتجار بقطع تراثية عراقية وسورية بهدف مكافحة التهريب غير الشرعي".
وفي سياق الحديث عن أهمية المخزون الحضاري العراقي، تقول مديرة دائرة التراث في وزارة السياحة العراقية فوزية مهدي المالكي لـ"السفير" إن "العراق يقع على بحيرة من الآثار، فهو يحوي 12 ألف تل أثري، وعدداً من المباني التاريخية والاثرية تزيد على 2000 مبنى، علماً بأنّ هذا العدد قابل للزيادة مع وجود مكتشفات جديدة بشكل دائم".
وأوضحت المالكي أن "الآثار العراقية تعرضت لهجمات كثيرة شرسة من قبل مافيات دولية بعد سقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين"، مشيرة إلى ان التركيز كان على آثار محددة، كالأختام الأسطوانية، والتماثيل والفخاريات، وكانت كنوز مدن حربة والأنبار وكوثة الأكثر عرضة للسلب، خصوصاً انها كانت محفوظة في متحف الآثار الذي تعرض للسرقة.
وأشارت المالكي إلى أن "ما تم إحصاؤه من قطع أثرية مسروقة بلغ حوالي 15 ألفاً، وقطع مسجل عليها علامة مميزة (م ع)، وتعني أرقاماً متحفية، وقد تمت استعادة سبعة آلاف قطعة منها".
وأضافت أن "العمل مستمر حتى الآن لإعادة الآثار المسروقة والمهرّبة، وذلك استناداً إلى الاتفاقات الدولية"، وان كانت هذه العملية تواجه عقبات عدّة، ابرزها ان "قوانين بعض الدول تسمح بتداول الآثار وبيعها"، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وسويسرا.
وتحدثت المالكي عن حجم الضرر الذي تعرضت له الآثار العراقية جراء هجمات "داعش"، وأشارت إلى أن "نسبة الضرر هي 100 في المئة، خصوصاً في ما يتعلق بالآثار والكنائس والمزارات والجوامع، وذلك بسبب استهداف التنظيم لهذه المواقع الأثرية بشكل خاص، بالإضافة إلى قيامه بسرقة آثار الحضر وأشور والنمرود، وتفجير جامع النبي يونس، الذي يقع على تل أثري".
وأشارت الى ان التنظيم المتشدد "استخرج هذه الآثار وباعها خارج العراق لمافيات دولية".
ولفتت الى ان "أكثر المواقع الأثرية التي لحقها الضرر، من الممكن إعادتها بالتعاون مع منظمة اليونيسكو، وباستخدام مواد مماثلة، كونها موثقة بدراسات وكتب وخرائط، ولكنها لن تعود كما كانت بجميع الأحوال".
وفي ما يتعلق بعدد المواقع التي قام تنظيم "داعش" بتدميرها، أكد مدير عام دائرة المتاحف في وزارة السياحة العراقية قيس حسين رشيد لـ"السفير" أن "لا وجود لإحصائات دقيقة تبين حجم الضرر الذي لحق بالآثار العراقية من قبل داعش، باستثناء ما يتم سماعه عبر القنوات الإعلامية، كما هي الحال بالنسبة إلى تفجير مرقد نبي الله يونس ومرقد يحيى بن القاسم ونسف مرقد محمد الدري"، مشيراً إلى أن "الكثير من الكنائس التراثية المهمة في الموصل عمل "التنظيم" على جمع المخطوطات التاريخية الموجودة فيها، والتي تقدر بأكثر 1500 مخطوط، وعمد الى حرقها في ساحة من ساحات المدينة".
وأكد رشيد أن "مرقد النبي يونس الذي فجرّه "داعش"، يحوي عدداً من الطبقات الاثرية المهمة تعود إلى الفترة الأشورية، وفيه الكثير من النفائس الأشورية وكل طبقة كانت تعدّ طبقة أثرية في غاية الأهمية".
ومع استمرار عملية الطمس المنظم للحضارة العراقية، أشار أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة المستنصرية صالح العلوي لـ"السفير"، إلى أن "هذا الفكر الظلامي الهدام لا يطمح إلى قتل الانسان فحسب، وإنما إلى قتل كل ذاكرة حضارية شاخصة على أرض العراق".
وأشار إلى أن "هناك الكثير من المافيات ظهرت في العراق منها مَن يتاجر بالسلاح، ومنهم مَن يتاجر بالآثارالحضارية، كما أن هناك سماسرة آخرين ظهروا نتيجة الفوضى الأمنية وقد استطاعوا أن يهرّبوا الكثير من الآثار الحضارية العراقية والتي لا تقدر بثمن".
واتهم العلوي جهات دولية وإقليمية بالوقوف وراء سرقة الآثار العراقية، موضحاً أن "هناك مافيات وتيارات عالمية تغذّيها قنوات مخابراتية واقليمية، وهناك معلومات أن اسرائيل وصلتها آثار عراقية كثيرة، كما وصلت إلى ألمانيا الكثير من القطع الأثرية النفيسة، حيث ظهرت بعض الآثار العراقية في بعض المعارض، وأما الجهات الأخرى فهي المافيا الدولية ذات العمق السياسي والاستخباراتي، التي تديرها إسرائيل وبعض الدوائر العربية التي تستهدف حضارة العراق وهويته، لأنه يشكل عمقاً وقوة".
ولفت إلى أن "ما يتم استرجاعه من الآثار العراقية ضمن إطار الاتفاقيات، لا يشكل سوى نسبة 40 في المئة، وأن الكثير من الجهات رفضت الإفصاح عما لديها، متعمّدة المماطلة في عودة آثارنا".