بين المتاح والمستحيل.. أحلام أردوغان والمحاذير الأميركية؟!

بين المتاح والمستحيل.. أحلام أردوغان والمحاذير الأميركية؟!

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٣١ أكتوبر ٢٠١٤

 في كل يوم يماط اللثام عن المزيد من المعطيات حول الدور الوظيفي المناط بداعش أميركيًا وتركيًا وخليجيًا، وافتضاح فشل كل محاولات حفظ ماء الوجه الأميركية الكاذبة بالغارات الوهمية التي تقودها تحت عنوان التحالف الدولي ضد داعش، فما زالت نظرية هنري كيسنجر وزير الخارجية الأسبق ومنظر اليمين الأميركي الفاشي بأنّ "داعش يمكن التعامل معها وإدارتها" هي النظرية السائدة داخل الإدارة الأميركية ومقارباتها لموضوع داعش، فهي تترقب النتائج الميدانية لأداء داعش ونتائجها السياسية لتحدد كيفية التعامل مع تلك النتائج.
لم تتوقف عمليات التمويل التي تقودها شخصيات خليجية في كل من قطر والسعودية والإمارات والكويت لداعش، وما زال خالد محمد تركي السبيعي الممول الأول للإرهاب في العالم، بدءًا من برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 2001 ولغاية داعش والنصرة الآن، يسرح ويمرح دون حسيب أو رقيب أمام أعين رجال الأمن ومكافحة الإرهاب.

يجري ذلك بعلم ومعرفة الولايات المتحدة ومؤسساتها المصرفية والرقابية، برغم قرار مجلس الأمن رقم 2170 الذي ينص على ملاحقة ومراقبة التمويل ووقف التحويلات المالية وكافة اعمال التجارة النفطية مع داعش والمنظمات الإرهابية.
وما زالت تركيا توفر البنية التحتية لداعش في المعسكرات التي ما زالت تقيمها للمنظمات الإرهابية (داعش والنصرة) في منطقة العثمانية في تركيا، حيت تتم عمليات التدريب والتأهيل والتحضير اللوجستي وإصلاح المعدات وإعادة تأهيلها، كما إسعاف الجرحى وتطبيبهم في المستشفيات التركية، وها هي اليوم تدخل عناصر جديدة مما يسمى بـ"الجيش الحر" لمحاولة إمساك العصى من وسطها لتوفير عناصر جديدة للإستثمار السياسي إذا ما اضطرت للتخلي عن داعش تحت تأثير الضغط الدولي.

لم تصطدم الولايات المتحدة بأحلام أردوغان الكبيرة والخطيرة التي تبدأ عند احتلال كوباني، ولا تنتهي عند المنطقة العازلة التي تسعى اليها، مرورًا بمنطقة حظر الطيران، ووصولًا الى إسقاط الرئيس الأسد، كل ذلك بهدف السيطرة على الغاز السوري وهو حلم يراود أردوغان منذ بداية الأزمة السورية، حلم تدركه الإدارة الأميركية وتدرك مخاطره، وهي تتهيب نتائجه على المنطقة بأكملها بسبب الخطوط الحمر التي وضعها حلفاء سوريا، إيران وروسيا وأبلغت بها كل من الولايات المتحدة وتركيا.
وما زالت تجربة كوباني ماثلة أمامنا بمآسيها الإنسانية وفضائحها السياسية، وتثبت عدم جدية ومصداقية الولايات المتحدة وتحالفها الدولي في عدم القضاء على داعش ومنعها من احتلال كوباني، وما رمي بعض الذخائر من الجو سوى محاولة مفضوحة لحفظ بعض ماء الوجه من جهة، ومحاولة كسب ود الأكراد الغاضبين في كل من أربيل تركيا من جهة أخرى.

لا يصدقّنّ أحد أنّ الولايات المتحدة عاجزة عن الضغط على اردوغان ودفعه للحؤول دون سقوط كوباني، فهي تنتظر نتائج أجندته السياسية لتضع يدها على النتائج وإستثمارها في مشروعها لإعادة صياغة الجغرافيا السياسية للمنطقة دون أن تتورّط مباشرةً في معركة تبدو أثمانها باهظة إذا ما أفلت الزمام، إذ أنّ الوكيل يعمل والأصيل يستثمر.

لا شك أنّ صورة جديدة للمنطقة قادمة على التشكل، بدأت إرهاصاتها بالإعلان عن نفسها في مساحات عدة من الوطن العربي، بعض تجلياتها بدأت في اليمن حيث خسر الإخوان المسلمون مواقعهم والكثير من سلطاتهم، وخسرت السعودية موقع المقرر في بناء السلطة السياسية، وخسرت الولايات المتحدة القدرة على إدارة الدفة كما تشتهي تحت عنوان الحرب على القاعدة والتحالف مع الرئيس اليمني الذي اضطر للخضوع للحراك الشعبي المنظم والفاعل.
كذلك بدأت مؤشرات التراجع في الإنتخابات التونسية حيث تراجع الإسلام السياسي الإخواني لصالح القوى الديمقراطية والعلمانية واليسارية. وثمة معلومات عن إجتماعات سرية تجري بين مسؤولين مصريين وسوريين للتنسيق في كل ما يتعلق بالإرهاب وما يتعلق بالمرحلة القادمة من التحالفات والصياغات السياسية المنتظرة، صحيح أنّ ميزانًا نهائيًا للقوى لم يتشكل بعد على مستوى المنطقة ككل، لكن المؤشرات تشي بخسارات كبرى تحصدها الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة، من تركيا المربكة في استراتيجيتها المتعثرة، الى حليفتها قطر الداعمة للإخوان المسلمين وللإرهاب، الى السعودية التي فقدت نفوذها في اليمن وتفقده في لبنان بعد أن فقدته في كل من العراق وسوريا.

لم يرعوِ بعض العرب ولا سيما الخليجيين عن القراءات الخاطئة في السياسة والمصالح الدولية التي تحكمها المصالح أكثر مما تحكمها المبادىء والإيديولوجيات، فلعبة المحاور لعبة شديدة الخطورة تستند الى المصالح لا الى العواطف، فكما تنازلت الولايات المتحدة سابقًا عن حليفها شاه ايران، وكما تنازلت عن حلفائها حسني مبارك في مصر وزين العابدين بن علي في تونس، وكما تخلت عن الإخوان المسلمين في مصر الذين قدموا لها كل ما طلبت، هي الآن في حالة اشتباك مع أردوغان بسبب تخليها عن دعم الإخوان المسلمين في مصر وتونس واليمن، وبسبب أحلامه الكبرى في سوريا والعراق التي لا تستطيع الولايات تحملها، وربما تتنازل عن حلفائها الخليجيين إذا ما رأت أنّ مصالحها لم تعد معهم، لا سيما أنّ المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية تسير على قدمٍ وساق بشأن الملف النووي، حيث سينعكس أي تفاهم أميركي إيراني على بقية ملفات المنطقة، لا سيما بعد تعثر تثمير العودة الى المنطقة والإمساك بتلابيبها مجددًا بعد فشل تجربتي العراق وأفغانستان، واحتمالات فشل داعش وأخواتها في كل من سوريا والعراق الذين تحقق قواتهما نتائج ميدانية جيدة في عدة مواقع.

راهن الخليجيون خطأ على داعش وأخواتها من منظمات الإرهاب، موّلوهم ورعوهم ليشكلوا أدوات التغيير، لكن الفشل يطرق أبوابهم، فمصيرهم الإندثار لأنهم غريبون عن ثقافة المنطقة كما عن ثقافة الحياة والتطور البشري والإنساني، ولعبة الطوائف والمذاهب التي راهنوا عليها انقلبت عليهم قبل أن تنال من أخصامهم وباتت تهدد عروشهم، وبات عليهم أن يقتنعوا بأنّ الأدوات القذرة لا يمكن أن تنتج شيئًا نظيفًا.