أميركا تتدخل لإنقاذ مشروعها.. «داعش»

أميركا تتدخل لإنقاذ مشروعها.. «داعش»

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ١ أكتوبر ٢٠١٤

 «داعش»، عنوان الإرهاب والإجرام القروسطي في الشرق الأوسط والعالم اليوم، وأداة للإرهاب الأكبر، أي مموّل ومسلّح وداعم وخالق الفاشيات الدينية الأكثر تشدداً منذ الحرب الباردة بهدف خنق القوى التحرّرية: النظام الرأسمالي العالمي، المتمثّل اليوم بالقوة الهيمنية الأميركية.
أثبتت الولايات المتحدة الأميركية منذ سقوط الإتحاد السوفييتي وانتصارها في "الحرب الباردة" ضد المعسكر الإشتراكي، بأنّ لديها سلوكاً تدميرياً وحشياً، وأساليب مختلفة لزرع بذور التقسيم في كل بقاع العالم، بذور العنصرية والطائفية والفاشيات المختلفة الأهداف.
بسرعة، بدأ تدمير العراق للمرة الأولى في العام 1991 بحجّة الدفاع عن الكويت وتحريره من جيش صدام حسين في عملية "عاصفة الصحراء". ثم بدأ الهجوم على عدد من الدول الأفريقية، منها الصومال وسيراليون وليبيريا، من خلال ضربات عسكرية مدمّرة وتنصيب حكومات تابعة عملها الوحيد تسهيل عملية نهب ثروات الشعوب الأفريقية الفقيرة وتغذية الانقسامات العمودية، تلا هذا الهجوم تدخلات وهجمات أخرى استمرّت سنوات وطالت السودان وتنزانيا وكينيا وغيرها من الدول الأفريقية. كما تمّ تدمير يوغوسلافيا الاشتراكية عام 1992 وتفتيتها إلى ثماني دول ضعيفة، بالقنابل وعبر تغذية الأحقاد القومية ودعم أدوات التقسيم بكل أنواع الأسلحة.
وتتالت الهجمات الأميركية من إيران عام 1998 وصربيا عام 1999 وأفغانستان عام 2001 إلى احتلال العراق وتدميره مجدداً عام 2003 بحجة نزع أسلحة "الدمار الشامل"، الكذبة الأكبر مع بداية القرن الواحد والعشرين، ثم توجيه الضربات لنظام معمر القذافي في ليبيا عام 2011 خدمةً للإسلاميين الذين سلّحهم حلف "الناتو" وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، ونفس الأمر ينطبق على الإسلاميين في العراق وسوريا والذين تلقّوا الدعم الهائل من قبل "الناتو" والكيان الصهيوني وأنظمة الخليج، قطر والسعودية، قبل أن تنقلب الموازين وتبرز "داعش" بأجندتها الخاصة التي تتلاقى إلى حدٍ كبيرٍ مع الاستراتيجية الأميركية الشاملة الهادفة إلى تفتيت النسيج العربي القومي، وتتخطاها إلى هذا الحد أو ذاك في بعض الأماكن ليصبح ضربها "ضرورةً" في حربٍ أميركية جديدة ضد "الإرهاب"، على أرض العراق نفسه، وعلى أرض سوريا أيضاً.
إنه منطق التدخّل يكرّر نفسه، والدعاية الأميركية الرخيصة تكرّر نفسها: "الحرب ضد الإرهاب"، "نزع أسلحة الدمار الشامل"، "نزع السلاح الكيميائي"، "حماية العالم الحرّ". ولكن الموافقة على التدخّل الأميركي ضد "داعش"، وسحب الأميركيين وحلفائهم الإقليميين البساط من تحت أقدام الحركات المضادة للفاشية الدينية في المنطقة وحرمانهم من فرصة التقدّم بوجه العدوّ الداعشي، هو مؤشر على موافقة مسبقة لتدخلٍ أميركي ضد كل حركةٍ سياسية من الممكن أن تنشأ وترفع شعارات التحرّر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وأن تشكّل خطراً على الأنظمة الاستبدادية والرجعية، والكيان الصهيوني والمصالح الأميركية في آنٍ معاً.
الولايات المتحدة الأميركية لا تريد القضاء على تنظيم "داعش" الذي قامت بخلقه في البدء، بل تريد فقط تقويض نفوذه في أماكن محدَّدة، لكي تدخل مجدداً وبقوة إلى أكبر منطقة تعتبر أكبر خزان نفطٍ في العالم، ولكي تتساوى القوى المتصارعة من جديد في القوة وتعطي الزخم لعملية التدمير الذاتي للمجتمع العربي، في حين تستعدّ قوى حلف "الناتو" للحرب ضد إيران، بعد سقوط حلفائها في منطقة الشرق الأوسط. فكلّ قوةٍ تشكل خطراً ضد الكيان الصهيوني، هي قوة غير مرغوب بها بتاتاً، حتى ولو كانت مصالحها تتقاطع في معظم الأحيان مع المصالح الأميركية.
ولكن المعارك على الأرض هي التي تحدِّد المواقف بناءً على التوازنات العسكرية المتقلّبة، وعليه فإنّ احتواء هجوم "داعش" من قبل القوى الشعبية والرسمية المحلية، العراقية والكردية والسورية واللبنانية، ينذر بفشل السيناريو الأميركي الأول المعتمد على إسقاط "داعش" للأنظمة العربية الرسمية، المستبدّة، واستبدالها بأنظمة أكثر رجعيةً واستبداداً تبقى خاضعةً للهيمنة الاقتصادية للمركز. لتضطرّ الولايات المتحدة الأميركية إلى اعتماد السيناريو الثاني، الخطة "ب"، القائم على حشد القوى العسكرية المتمثّلة الآن بـ "التحالف الدولي" بغطاء عربي، للعودة إلى المنطقة بحجة ضرب "داعش" التي تقوم بذبح "رهائن" أميركيين وبريطانيين. وفي الحالتين تبقى اليد العليا للولايات المتحدة الأميركية، اقتصادياً وسياسياً، ويبقى مشروع التقسيم والتدمير قائماً، بأقل خسائر ممكنة لصاحب المشروع. فالولايات المتحدة الأميركية بدأت فعلاً بتسليح ما يسمى بـ "المعارضة المعتدلة" لتنفيذ أهدافها الاستعمارية بعد خروج "داعش" و"جبهة النصرة" عن السيطرة.
وبالتالي، فإنّ ما يتوجّب علينا فهمه بشكلٍ أساسي هو ضرورة العمل بجدّ وجهد لخلق القوى الشعبية، القوى الشرعية الوحيدة المخوّلة لمواجهة "داعش" وكل التدخلات الخارجية واستكمال المسار الثوري ضد أنظمة الاستبداد في آنٍ واحد، لكي لا تبقى بلادنا وشعوبنا الباحثة عن الحرية ولقمة العيش الكريمة رهينة الاستعمار المتجدّد بألفِ وجهٍ ووجه.