هل يتكرّر سيناريو عرسال ــ 1؟

هل يتكرّر سيناريو عرسال ــ 1؟

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٢٢ سبتمبر ٢٠١٤

طبعت التطورات الخطيرة التي تشهدها عرسال وجرودها ، المشهدَ الداخلي، بصبغة قاتمة مقلقة، تنبئ بتدهور كبير في الاوضاع ما لم تنجح الحكومة اللبنانية والوسطاء الاقليميون في ايجاد تركيبة «لا غالب ولا مغلوب» على حد قول مصادر متابعة للملف، لاقفال ملف العسكريين الاسرى لدى النصرة وداعش.
ساهم في ارخاء هذه الظلال التشاؤمية ، تطور الاحداث الذي اظهر الهامش الضيق امام تحرك الدولة للضغط على المسلحين، اذ باتت اي خطوة تقوم بها على الارض سرعان ما تدفع ثمنها المؤسسة العسكرية على الارض، تضيف المصادر مرورا بنجاح الارهابيين في التغلغل داخل تجمعات النازحين السوريين وتجنيدهم لعشرات الشبكات الارهابية في أكثر من منطقة لبنانية، مزودة بالسلاح والمتفجرات، جاهزة للتحرك على الارض في أي لحظة وخلق توترات أمنية، كما حصل داخل عرسال، وفي بعض شوارع طرابلس، وصولا الى اصرار المسلحين على مطالبهم، رافضين مقايضة العسكريين بالمال من جهة، أو بموقوفين في السجون السورية من جهة أخرى، مصرين على ان المقايضة لن تكون الا بموقوفين اسلاميين في سجن رومية، مستعملين الوقت كعامل ضاغط على الحكومة، وسط معلومات مفادها ان الموفد السوري المفاوض المكلف من قطر وجد ان «جبهة النصرة» و«داعش»، يحاربان معا في الميدان ويتواجهان في المفاوضات.
فبعد ساعات من استهداف آلية للجيش في عرسال، عززت تصفية الجندي حمية المخاوف من إمكان انزلاق الوضع الى مواجهات جديدة، على حدّ قول مصادر في 14 آذار، وسط خشية من وجود نيات لجر الجيش اللبناني الى الدخول على خط معركة القلمون والتنسيق مع الجيش السوري و«حزب الله» للإطباق على المسلحين الذين يصلون الى جرود عرسال من خلال معابر غير شرعية ويتخذون منها مكاناً للاستراحة وتجميع القوى، علماً ان أحد اسباب «ثورة » «النصرة» و«داعش» وتشددهما في التفاوض تتمثل في تمسكهما بالاحتفاظ بسيطرتهما على ممرات آمنة بين الجرود والقلمون بعدما كان الجيش اللبناني أعلن عزل عرسال عن هذه الجرود.
إعدام اكتسب دلالات بالغة الخطورة اوحت، بحسب المصادر، بأن ملف العسكريين مقبل على مراحل غير مسبوقة من شد الحبال ، مع استنفار الحكومة خلف الجيش في معركة مفتوحة على كل الخيارات كما بدا في الاجتماع الأمني في السرايا، الذي اعطى المؤسسة العسكرية الضوء الاخضر لاستهدف تجمعات الارهابيين في جرود عرسال، قي ظل نجاح الارهابيين في تحقيق اهدافهم الموزعة بين الضغط لإطلاق الموقوفين من جهة، وإثارة العصبيات من جهة ثانية لدفع لبنان إلى الفتنة، بدليل التداعيات المذهبية لعملية الإعدام التي حرصت «النصرة» على إعطائها هذا الطابع من خلال تعمدها تصفية جندي شيعي، وتحميل عشيرة حمية عائلة الحجيري السنية العرسالية مسؤولية إعدام ابنها متوعّدة بالثأر منهم، تحيطها أنباء عن خطف أو ملاحقة لا علاقة لأهالي الشهداء بها.
غير ان تسارع الاحداث السلبية جاء اثر اربعة تطورات برأي مصادر في 8 اذار، صلابة الحكومة وعدم ابدائها اي ليونة خلال المفاوضات، توقف الاتصالات مع الوسيط القطري، تضييق الجيش الخناق على الخاطفين، تكثيف الحملات الامنية ضد اللاجئين السوريين في ظل تعاظم تداعيات قضية النزوح والاتجاه لاقفال الحدود امام النازحين نهائيا الا في حالات مقيدة، تحقيق انجازات امنية نوعية ليس آخرها توقيف ثلاثة سوريين على أحد حواجز بعلبك, تبين انهم ينتمون الى تنظيم «داعش» مجموعة احمد جمعة، رغم نفي الاخيرة، اعترف احدهم بمكان احتجاز العسكريين المخطوفين ومكان دفن الشهيد مدلج على مسافة كيلومتر من مكان ذبحه في وادي الرهوة بجرود عرسال ، واعتقال مجموعة من ستة اخرين تبين ان احدهم يخبئ احزمة ناسفة واخر تلقى دورة تدريبية في الاردن وقاتل في سوريا.
وعلى وقع الاشتباكات بين الجيش اللبناني ومواقع المسلحين في الجرود بعد استهداف الآلية في عرسال، الذي لم يشكل في حد ذاته مفاجأة تقول المصادر نسبة لتشدد المؤسسة العسكرية في تعاطيها مع التنظيمات الارهابية المنتشرة في جرود عرسال وقطع الطرق التي كانت تسلكها لتأمين حاجاتها الغذائية والصحية ما يرفع نسبة التوقعات بإمكان حصول ردات فعل ارهابية، غير ان اللافت ان الاستهداف حصل داخل البلدة حيث يحكم الجيش سيطرته، وليس في المناطق الجردية الوعرة، بما يرسم علامات استفهام بشأن مدى التحكم الأمني بواقع المدينة، ويطرح تساؤلات عن الضمانات بعدم تكرار سيناريو «عرسال 1» ما دامت الجهات الارهابية تملك أوراق التفجير في الداخل، سجلت المفارقات التالية:
- ظهور شادي المولوي على خط احداث عرسال، عبر تغريدة له على «تويتر» واعدا بهدية تبين انها اعدام الشهيد محمد حمية من جهة، ومقتل اربعة من مجموعة تابعة له في غارة شنتها طائرة من دون طيار تابعة لحزب الله على موقع لـ «النصرة» في جرود عرسال قرب الحدود مع القلمون، بعدما كشفت تقارير امنية ان المولوي واسامة منصور تمكنا من ملئ الفراغ الذي تركه غياب قادة المحاور في التبانة مستقطبين المجموعات المسلحة الى صفوف الاسلاميين المتشددين.
- دخول سلاح الجو اللبناني بفعالية على خط المواجهة عبر الطلعات الاستطلاعية لطائرة السيسنا كارافان والتي سمحت بتحديد اماكن تجمع المسلحين التي تعرضت لقصف عنيف ومركز من قبل مدفعية الجيش، كذلك قصفها لتجمعات المسلحين بصواريخ «هيل قاير».
- استخدام المسلحين لاسلحة متطورة وحديثة غنموها من العراق وسوريا من بينها قناصات من مسافات بين 500 و1500 متر بعد استعمالهم «الكورنيت» في المعارك السابقة .
- التفجير «النوعي» الذي استهدف احد مرابض مدفعية حزب الله المشارك في عمليات قصف المسلحين في خراج بلدة الخربية ، بعد دقائق من دخول سيارة «رانج روفر» داكنة الزجاج الى الموقع، الذي سبقه اطلاق نار لم تعرف اسبابه.
ما حدث خلال الساعات الماضية ترك أسئلة عدة عن مصير مسار التفاوض من أجل إطلاق المخطوفين، وسبل الوثوق بارهابيين يفرضون كل مرة مبدأ التفاوض على الدم، في وقت بات البقاع ساحة تغلي على وتيرة التصعيد. فهل حزمت الحكومة أمرها وتوحدت خلف خيار المواجهة بعدما ضاقت الخيارات أمامها، وهي بالأصل ضيقة؟وما هي المبررات الخارجية والداخلية التي اسقطت مبررات التسويف وذرائع المماطلة؟ ليبقى الترقب للخطوات التي ستتخذ في الآتي من الأيام لإنهاء فصول ملف بات يصبغ كل مرة بدماء الجيش.