"داعش" يرجّح التصويت في الكونغرس الأميركي: تأجيل المعركة الفاصلة إلى كانون الأول

"داعش" يرجّح التصويت في الكونغرس الأميركي: تأجيل المعركة الفاصلة إلى كانون الأول

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٠ سبتمبر ٢٠١٤

ثمة إجماع في عاصمة القرار على أن الرئيس الأميركي باراك أوباما شدّ الرحال باتجاه معسكر الحرب وصقور السياسة، ما وفر له الدعم الميسر لسياسته المعلنة مؤخراً، بل "كوفىء" بمصادقة الكونغرس على توفير مبلغ 500 مليون دولار إضافي تنفق على تجهيز وتسليح قوى المعارضة السورية المسلحة. وصوّت لصالح القرار عدد كبير من الأعضاء الجمهوريين، 159 مقابل 114 للنواب عن الحزب الديموقراطي، وعارضه 85 عضو من الحزب الديموقراطي مقابل 71 معارض من الحزب المنافس. محصلة الأمر أن فوز أوباما تحقق على أيدي النواب الجمهوريين.
بعبارة أخرى تبنى الجمهوريون سياسة أوباما التصعيدية التي تكمل سياسات سلفه جورج بوش الإبن، رغم لهجة الخطاب السياسي العلني في انتقاده، ومعارضة معتبرة من قبل حزبه الديموقراطي، نحو 40%. وجاء أوضح تصريح عقب التصويت على لسان رئيس مجلس النواب (الجمهوري)، جون بينر، قائلاً "بصراحة أعتقد أن ما يطلبه الرئيس أوباما سويّ. لا أرى أي عائق أمامنا لرفض ما يطلبه منا الرئيس". بينما أعرب أحد أقطاب الحزب الديموقراطي المعتبرين، جيم ماكغفرن، عن عميق قلقه لشن غارات جوية في الأجواء العراقية واصفاً ذلك القرار الرئاسي بأنه "مثير للسخرية".
يذكر أن أقطاب الحزب الجمهوري أشاعوا في البدء ضرورة توجه الرئيس أوباما للكونغرس لنيل تفويض لسياسته المعلنة في العراق، ومن ثم تراجع هؤلاء عن هذا الشرط. بل أوضح رئيس مجلس النواب أن "الرئيس هو المخول بتقرير التوجه للكونغرس للتصويت على ذاك التفويض من عدمه، والإدارة لم تقدم على ذلك بعد".
وتجدر الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من نواب الحزبين في الكونغرس أتى من خلفية عسكرية وهم الذين عارضوا استراتيجية أوباما. وجاء على لسان النائب والعضو السابق في سلاح مشاة البحرية، المارينز، دانكان هنتر الذي أمضى جزءاً من خدمته في العراق وأفغانستان، أن الاستراتيجية المعلنة "لا تساوي شيئاً" ولا يمكنها تدمير "داعش". نظيره الديموقراطي تولسي غابارد، عن ولاية هاواي والذي خدم في العراق، وصف الاستراتيجية بأنها "غير واقعية وستستغرق زمناً طويلاً قبل أن تلوح بوادرها في الأفق".
الإجابة على تحول بعض موازين القوى في هذه المرحلة، دعم الجمهوريين للرئيس أوباما، تتعلق بالانتخابات النصفية المقبلة وعينهم على الفوز بأغلبية مجلس الشيوخ والاحتفاظ بأغلبية مجلس النواب، ولخشيتهم أن تؤثر معارضتهم الثابتة للرئيس أوباما على نتائج تلك الإنتخابات. ولعل الأدق أن ما تبقى من زمن لحين موعد الانتخابات في تشرين الثاني المقبل، أن أقطاب الحزب الجمهوري سحبوا البساط من تحت قادة الحزب الديموقراطي ورموا جانباً الاتهامات الموجهة لهم "بتعطيل الأداء الحكومي والتسبب في الطريق المسدود".
وأتت حملة التعبئة الإعلامية أكلها في الوعي العام، إذ أظهر أحدث إستطلاعات للرأي تنامي الدعم الشعبي لسياسة أوباما في العراق وسوريا، 53% بعد خطاب الرئيس، مقابل 42% قبل ذلك. أي أن الكفة تميل لصالح معسكر الحرب الذي يتزعمه خطاب الحزب الجمهوري، ولا شك أن قادته قرأوا النبض الشعبي بدقة عقب حملة إعلامية وسياسية مكثفة ومدروسة.
في هذا الصدد، أشار عدد من استطلاعات الرأي في الآونة الاخيرة إلى تنامي الدعم الشعبي لخطاب أوباما المفعم بمفردات الحرب ضد "داعش". وأوردت شبكة "ان بي سي" للتلفزة أن التأييد بلغ 62%، وشخصته وكالة "رويترز" للأنباء بنسبة 64%، ومعهد بيو بنسبة 53%. الملفت في تلك الحزمة من الاستطلاعات أن تأييد أوباما بين الجمهوريين بلغ 64%، بينما في أوساط الديموقراطيين بلغ 60%. وذهب استطلاع وكالة "رويترز" بالقول إن أغلبية الشعب الأميركي، 53%، يؤيد استراتيجية اوباما المعلنة حتى لو استغرقت سنتين أو ثلاث، كما قدرها البيت الأبيض.
ولفتت نتائج الاستطلاعات قادة الحزب الجمهوري الذين اعتادوا على إفشال أي مشروع أو اقتراح مقدم من السلطة الرئاسية، وأثارت بعض القلق في أوساطهم. وخياراتهم في هذه المرحلة الدقيقة أحلاها مرّ: المضي بمعاداة ورفض توجه اوباما نحو "داعش"، كما اعتادوا، ينطوي على مغامرة سياسية كبرى من شأنها توفير مزيد من ذخيرة الهجوم على الحزب الجمهوري من الرئيس اوباما وحزبه؛ أو إعلان التأييد للرئيس مرة وحيدة والتطلع نحو الفوز بنسبة الأغلبية في الانتخابات المقبلة والسيطرة على مجلسي الكونغرس.
وبالطبع، فإن التجاذب بين الحزبين لن ينتهي بمجرد موافقة مجلس النواب على استراتيجية أوباما، وقادة الحزب الجمهوري يدركون تماماً أن تصويتهم بنعم أجّل المعركة الفاصلة لشهر كانون الأول، بمنح الرئيس دعماً مالياً لنهاية العام الجاري. احتمالات الربح والخسارة لدى الطرفين حاضرة في الأذهان. ففي حال نجاح خطة اوباما والتي وافق عليها الجمهوريون مكرهين سينالهم بعض آيات الثناء لدورهم الفعال. بالمقابل، نظرائهم من الحزب الديموقراطي الذين اعترضوا على خطة اوباما سيتركون يواجهون مصيرهم وحدهم من الانتقادات. أما احتمال الفشل، وهو المرجح، فإنه سيوفر للجمهوريين زاداً إضافياً للنيل من خصومهم بدءاً من الرئيس أوباما.

معركة السيطرة على مجلس الشيوخ
لدى أقطاب الحزب الجمهوري تفاؤل كبير بالفوز بأغلبية المقاعد في شهر تشرين الثاني المقبل، على الرغم من استقطابات وتغيرات في الخارطة الانتخابية، وكل ما يحتاجونه هو الفوز بستة مقاعد على الأقل. إذ من بين ثوابت النظام السياسي الأميركي أن الحزب المسيطر على منصب الرئاسة سيخسر كثيراً في الانتخابات النصفية، يعززها تدني نسبة التأييد الشعبي للرئيس أوباما لحين إعلانه عن نواياه الحربية.
بالمقابل، سيبذل الحزب الديموقراطي قصارى جهوده للاحتفاظ بالمقاعد التي فاز بها بشكل كاسح في الدورة الانتخابية الأخيرة لعام 2008. يحتفظ الديموقراطيون راهناً بثمانية (8) مقاعد يوشك على خسارتها تمثل الولايات التي صوتت لصالح المرشح الرئاسي الجمهوري، ميت رومني، قبل عامين. بالمقابل، لا ينطبق الوضع عينه على الحزب الجمهوري في مناطق تأييده، بل تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم بسيط لصالح مرشحي الحزب على خصومه الديموقراطيين في 8 ولايات، أما باقي المقاعد فهي مضمونة النتائج لصالح الجمهوريين.
جمهور الحزبين معالمه معروفة ومحددة لهما، أما ما يقلق الطرفين فهي شريحة أطلق عليها تسمية "المترددين" لحين اللحظة الأخيرة، وهي التي يراهن الطرفان على كسب جمهورها. وتشكل المجموعة وزناً ذا ثقل معتبر في أي دورة انتخابية ومعظمها يعارض الرئيس أوباما وسياساته، بل أثبتت الدورات الانتخابية المتعاقبة أن أغلبية أصوات "المترددين" تذهب لصالح الحزب الجمهوري. وللدلالة، نشرت جامعة كوينيبياك (بولاية كونتيكت) نتائج أحدث استطلاعاتها للرأي تدل على تردي شعبية الحزب الديموقراطي ويعتبر الناخب انه يصوت في الانتخابات النصفية ضد، أو انتقاما من، الرئيس أوباما.
وأوضحت الجامعة أن مقعد ولاية كولورادو أضحى في خطر، وهي تصوت عادة لصالح الحزب الديموقراطي وترسل أحد اباطرته إلى الكونغرس، مارك يودال، الذي انخفضت نسبة تأييده إلى 44% مقابل 50% لخصمه الجمهوري بسبب اصطفاف شريحة المتردين ضد الرئيس أوباما. بات الأمر يدعو إلى القلق الشديد، سيما وأن كولورادو محسومة تاريخياً للحزب الديموقراطي قد تذهب لصالح الخصم، ومقعد ولاية ايوا إيضاً. ويمتد قلق الحزب إلى الولايات المحسوبة في خانته تاريخياً، مينيسوتا وديلاوير ونيو جيرسي، انخفضت نسبة التأييد الشعبي لمرشحيه إلى ما دون 50%، مما سيفتح الباب على مصراعيه أمام الحزب الجمهوري للفوز بأغلبية المقاعد.
وعزز القلق أيضاً إصدار صحيفة "نيويورك تايمز" نتائج أحدث استطلاع أجرته منتصف الأسبوع الجاري يدل على تقدم المرشحين الجمهوريين على خصومهم بنحو 6 نقاط مئوية، ونحو 9 نقاط بين صفوف الناخبين المستقلين. كما دل الاستطلاع على قلق العامة للقضايا الهامة وتأييد الأغلبية للحزب الجمهوري في مجالات متعددة: في حال الاقتصاد بلغ تقدم الجمهوريين 11 نقطة، قضية الارهاب 21 نقطة، السياسة الخارجية 12 نقطة؛ وأسفر أيضاً على تدني نسبة التأييد العام للرئيس أوباما إلى 40%.
هذا الاستعراض المفصل للخارطة الانتخابية كان ضرورياً للإستدلال على دوافع الحزب الجمهوري وقادته في التصويت لصالح الرئيس أوباما مؤخراً، بعد طول عناء وثبات مواقفهم بتعطيل مشاريعه وإفشال سياساته. وبرع هؤلاء في التقاط الفرصة المتاحة لا سيما في دعم ما يسمى "المعارضة السورية المعتدلة" بالرغم من سلسلة اعتراضات قدموها حول المسألة، والتي من شأنها سحب البساط الانتخابي من تحت أقدام الرئيس أوباما وتفنيد مقولته بأن الجمهوريين يعزفون عن العمل سوية معه.
بالرغم من كل ما تقدم، فإن الوقت لا يزال مبكراً وسابق لأوانه لترجيح كفة على أخرى، إلا في حال تضافر عدد من العوامل تؤدي لفوز الحزب الجمهوري بنسبة كاسحة تمكنهم من اختراق المقاعد الثمانية المشار إليها ورفع أكاليل الغار.