أوباما أمام خيارات صعبة.. ارتباك التحالف ضد داعش

أوباما أمام خيارات صعبة.. ارتباك التحالف ضد داعش

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٩ سبتمبر ٢٠١٤

 بمعزل عن الأوراق والمفاتيح التي يمتلكها محور إيران- روسيا- سوريا بمواجهة القيادة الأميركية للائتلاف الدولي ضد داعش، إلا أن هذا الائتلاف ينوء تحت وطأة إرباك مصدره تعقيدات الظروف السياسية والميدانية في المنطقة والتباين بين مصالح الدول المنضوية تحت لوائه، إضافة إلى معوّقات داخلية أميركية.
ظاهرياً يبدو التحالف الدولي ضد داعش مرتبكاً. القيادة الأميركية لهذا الحلف مقيدة بعدد من الاعتبارات في منطقة لا تملك كل مفاتيحها. ثمة أولاً تناقضات واضحة بين أعضاء الحلف المفترضين. تركيا أحد الأقطاب الإقليميين الرئيسيين لم تبد حماستها للمشاركة ضد داعش. حجتها كانت أن لديها رهائن محتجزين لدى "الدولة الإسلامية". في الباطن هناك من يتهمها بأنها أحد رعاة هذه "الدولة" الناشئة. الاتهامات تصل حدود المكاشفة وتقديم وقائع في الصحف التركية نفسها. لائحة الاتهام تبدأ بالحديث عن تقديم تسهيلات لوجستية وفتح حدودها أمام مقاتلين أجانب، ولا تنتهي بالتعاملات النفطية مع جماعة البغدادي. تريد تركيا ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. هي من جهة تسعى إلى إضعاف النظام السوري بعدما حُرقت العديد من الأوراق، وتبقي في الوقت نفسه عيناً مفتوحة على أكراد سوريا المرتبطين بحزب العمال الكردستاني بزعامة أوجلان، ولا تمانع من جهة أخرى جني مكتسبات عبر شراء النفط السوري والعراقي بأسعار زهيدة من البغدادي.
الأردن الجار الأقرب إلى الحدث والأكثر تأثراً بنتائجه يدرك حراجة الموقف. الملك عبدالله الثاني ووزير خارجيته يشاركان في اجتماع جدة بينما يعلن رئيس الوزراء ابتعاد عمان عن المشاركة في أي عمل عسكري. شعبياً تخرج قوى وازنة في المملكة الهاشمية ترفض المشاركة العسكرية في ضرب داعش.
من الأردن إلى مصر، تزيد الأمور تعقيداً. للقاهرة مصالحها هي الأخرى ولها أثمانها. انضمامها إلى حلف يسعى إلى مكافحة الإرهاب عليه أن يمرّ حتماً بتعريفها للإرهاب.  يقول وزير خاريجتها في مؤتمر صحافي مشترك مع جون كيري إن بلاده تراقب "عن كثب" الروابط بين مختلف المجموعات الإرهابية. ما يلمّح إليه سامح شكري واضح. ضميره المستتر "الإخوان المسلمون". يكمل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كلام رأس الدبلوماسية المصرية. يشدد على ضرورة أن يكون التحالف الدولي لمكافحة الارهاب شاملا وألا يقتصر على مواجهة تنظيم بعينه. لا يخفى في هذا الإطار التوتر القائم بين واشنطن والقاهرة منذ ثورة 30 يونيو وإطاحة حكم الإخوان. للقاهرة شروطها إذاً.
مصالح إقليمية متابينة
ليست هذه سوى عينة من التباسات التحالف ضد داعش في المنطقة ومن قبل دول وازنة فيها. فكيف يفترض أن يجمع هذا الحلف ما تبدده المصالح المتباينة بين أعضائه؟ التنافس السعودي-القطري والسعودي-التركي واضح في هذا الإطار. وإذا تجاوزنا المنطقة إلى الدائرة الأوسع تتضح أيضاً تباينات الدول الغربية. أوروبا ليست موّحدة في الحرب ضد داعش. ربما تتفق على محاربة التنظيم في العراق، لكنها تفترق عندما يصل الأمر إلى ضربه في سوريا دون المرور بالحكومة السورية. علماً أن هذا الافتراق ليس جديداً، فالأوروبيون في حمأة الاستنفار ضد سوريا لم يكونوا موحدين بشأن فكرة ضربة عسكرية للجيش السوري. ناهيك عما بدأ يطفو منذ أشهر على صفحات الإعلام عن تنسيق أمني وتواصل سياسي بين دمشق وبعض الدول الأوروبية.
تلاحظ الباحثة الاستراتيجية ليلى الرحباني أن "البيان الختامي للمؤتمر المنعقد في باريس مؤخرا لمحاربة الارهاب، لم يتضمن أي إشارة إلى سوريا، ما يدل على أن الموقف الأوروبي متيقظ لمخاطر التورط مجددا في أوحال الشرق"، بينما يلاحظ الباحث أمين حطيط رفضا بريطانيا وألمانيا للتورط في الحملة التي يقوم بها التحالف، وكذلك تمنع ذراعه العسكرية، أي حلف الناتو، عن التجاوب مع الحملة والانجرار إليها مخافة التورط حيث لا يستطيع أحد معرفة النتائج".
أميركياً، يمكن الاستفاضة أكثر في الحديث عن ارتباك فاضت بالحديث عنه الصحافة الأميركية نفسها. يعلن أوباما أن لا وجود لاستراتيجية ضد داعش ويعود بعد أيام ليوحي بالعكس. الانتخابات التشريعية لها حساباتها في أي خطوة عسكرية خارج البلاد. شعبية أوباما وحزبه من خلفه منخفضة. ولائحة المطبات تطول. منها ما تذكره الدكتورة ليلى الرحباني لـ"الميادين نت" إذ تشير إلى أن الرئيس الأميركي يريد ضرب "داعش" لكنه في الوقت عينه لا يريد تقوية النظام السوري، أو الإبقاء عليه"، لذلك ترافقت حملته على "داعش" بحملة مماثلة على سوريا عبر مخيمات التدريب لبعض أطراف المعارضة السورية".
وعن خلفيات واهداف التحالف يرى حطيط أن الأهداف التي أعلنها التحالف على "داعش" بهدف ضربها ما هو إلا كذبة كبيرة تخفي في طياتها تجديد العدوان على سوريا، بعد أن اجتازت وحلفاؤها في محور المقاومة، مخاطر تفككها، وضرب جيشها”. ويرى أن "التحالف الدولي الحالي ما هو إلا الحلقة السابعة من محاولات ضرب سورية، وتغيير النظام فيها، بعد سقوط ست محاولات سابقة للغاية عينها".
تغير الظروف
عدا عن العامل الإيراني والسوري والروسي والصيني وما قد تشكله هذه الدول من محور مقابل للمحور الغربي، ثمة ظروف ذاتية أخرى تعوق حركة التحالف، بثقل حركة قيادته الولايات المتحدة الأميركية، فانتخابات الكونغرس الاميركي على الأبواب، وبنظر الرحباني، "على الرئيس الأميركي وقف انهيار التأييد لحزبه عقب الهزائم التي لحقت بالولايات المتحدة، فتراجع دورها، وتراجع تأييد جمهوره له لأنه ترك حلفاءه ينهزمون في الساحات الدولية، ولم يتمكن من نجدتهم، في الوقت الذي يترتب عليه رفع بعض التأييد لحزبه الديمقراطي في الانتخابات القريبة الآتية".
ويعتقد حطيط ان "الولايات المتحدة تواجه عدة أزمات منها أساسا الأزمة الاقتصادية حيث يخشى من حصول انهيارات اقتصادية جديدة كبيرة في الأشهر الستة القادمة، وسقوط العلم الاستئثاري بقيادة الولايات المتحدة ببروز محور صاعد آخر، يملك القدرة على الرد بقوة في الوقت الذي يتردد تحالف الولايات المتحدة عن التورط العسكري في الشرق مجددا".
تصعيد كلامي
في ظل التردد الذي يعتري التحالف الدولي في التورط بالأوحال العراقية-السورية، ونظرا لاختلاف الظروف والمعطيات عن السابق، يجمع الباحثان الرحباني وحطيط على الاعتقاد بتراجع ولو تكتيكي لهجوم التحالف الدولي. أما حطيط فيعتقد أن السياسة الأميركية ستتسم في المرحلة المقبلة تصعيد كبير على المستوى الإعلامي والنفسي مثلما صرح أوباما بمسح الدفاعات السورية في ساعات، وهذا بنظر حطيط "غير منطقي، مع الاكتفاء باستهداف مراكز  جانبية غير مؤثرة على مجمل الوقائع الجارية على الأرض، ليس إلا".