هل ستحارب واشنطن داعش؟ ومتى؟

هل ستحارب واشنطن داعش؟ ومتى؟

أخبار عربية ودولية

الأحد، ١٤ سبتمبر ٢٠١٤

أكد المبعوث الأممي إلى سورية “دي ميستورا”: أنه لن يدّخر جهداً في العمل مع جميع الأطراف داخل سورية وخارجها، من أجل إيجاد حلّ سلمي للأزمة في سورية، عبر عملية سياسية بالتوازي مع مكافحة الإرهاب والمضي في المصالحات الوطنية. وقال: لا يوجد تعارض، بل ثمة تكامل في محاربة الإرهاب من خلال إجراءات أمنية، وأيضاً من خلال مسار سياسي متسارع وفعال وجامع، يساهم في عزل الإرهابيين عن باقي الشعب. وهذا هو جوهر كلام وفد الجمهورية العربية السورية في مؤتمر جنيف-2 قبل عام تقريباً، والذي رفضته واشنطن وحلفائها في حينه، فهل هي عودة إلى معادلة الحكومة السورية تحت غطاء محاربة داعش، لحفظ ماء الوجه، والتقليل من الخسائر؟ خصوصاً إذا أضفنا الكلام الذي نقلته جريدة الأخبار اللبنانية عن الوفد الكنسي الذي إلتقى أوباما، عندما خاطبهم، قائلاً: “نعرف أن الرئيس بشار الأسد يحمي المسيحيين في سوريا”. فعلّق أحد البطاركة مخاطباً رئيس الولايات المتحدة: إذاً، عليك أن تتوقف عن الحديث عن معارضة سورية معتدلة. ردّ الرئيس الأميركي عن الغارات التي ينوي جيشه شنّها ضد “داعش” في سوريا، قائلاً: إنها تهدف إلى مساعدة استمرار العملية السياسية، في إشارة منه إلى “مؤتمري جنيف 1 وجنيف 2″ بعدما لفت إلى: أننا ارتكبنا أخطاء في العراق ولن نكرّرها. وهو ما أكده الناطق باسم “وزارة الدفاع” الأمريكية، الجنرال جون كيربي: الحل العسكري يجب أن يكون مدفوعاً بحل سياسي في سورية والعراق. ربما يقول أحدهم، هل ستفعلها واشنطن؟ ويبقى الجواب، هل من خيار؟ لنرى:
* من أهداف “إستراتيجية” أوباما لمحاربة داعش:

1- وقف صراع المحاور بين حلفاء واشنطن، ورصّ صفوفهم لمواجهة تهديدات ومخاطر متنوعة، كمثل تمدد حلف شنغهاي ، وتجميد نجاح سورية وحلفائها في اللعب على هذه التناقضات، كالصراع المصري التركي، والتنافس القطري السعودي.

2- يرتبط الكيان الصهيوني – الغائب الحاضر – بعلاقة من مستوى ما مع كلّ الحاضرين، هذا في العلن وهذا في السرّ، وثالث من خلال أحد المكونات الوطنية، كحال الأكراد في العراق … وجزء أساسي من مسعى واشنطن لعقد هذا الحلف أن تجعل التعاون الإستخباري – وربما العسكري- مع الكيان الصهيوني، جزء من إستراتيجية محاربة داعش كمقدمة لازمة لإنضمام الكيان إليها “مستقبلاً” في صيغتها المطورة.

3- محاولة يائسة لإنقاذ الجماعات المسلحة في سورية، وتحقيق مكاسب ميدانية وسياسية، وإستنزاف الجيش العربي السوري بعد إنهيارها الكبير أمامه، في غوطة دمشق والقلمون وحمص وريف حماه وحلب ، وأمام داعش في شمال وشرق سورية.

4- التلويح بإمكانية توجية ضربة جوية لأهداف عسكرية سورية، لتطويع الموقف السوري وتليينه، وللتأثير على موقف حلفائه من الحرب على سورية، وعلى مسائل أخرى ذات إهتمام مشترك، مثل أوكرانيا بالنسبة إلى روسيا.

5- اليوم، أو غداً، واشنطن وحلفائها وأدواتها سيكونون في مواجهة داعش وجهاً لوجه، إنما هي مسألة وقت لا أكثر. وما بين إستثمار واشنطن لداعش ومحاربتها، مساحة من الزمن يتضاعف فيها عضّ الأصابع وشدّ الحبال، وسوف يمتد الصراع الكوني إلى “مساحات” وساحات لم تكن تخطر ببال.

6- التدخل في العراق لمنع تعافيه، وطنيّاً، وأمنيا، وسياسيّاً، وإقتصاديّاً، وإجتماعيّاً… فعودة الاستقرار الى العراق، تعني إعادة إعمار العراق، وإستعادته لدوره، وإنطلاق عجلة تطوره في كل المجالات، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً… ما يشكل إضافة نوعية كبرى للمحور المقاوم لسياسات البترودولار في المنطقة، وهذا يتعارض مباشرة مع مصالح واشنطن وتل أبيب وآل سعود والقيادات الإنفصالية الكردية…

7- سيكون يوم الثلاثاء 4/11/2014 موعد الانتخابات النصفية للكونغرس الاميركي، وستكون معركة حاسمة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، اللذين يسعيان إلى الظفر بالأغلبية المزدوجة على مستوى مجلسي النواب والشيوخ، من أجل الهيمنة على المؤسسة التشريعية القوية. حيث سيتم تجديد جميع المقاعد الـ435 في مجلس النواب، و35 مقعداً في مجلس الشيوخ. سيسعى أوباما وحزبه الديموقراطي للسيطرة على مجلس النواب والمحافظة على تفوقهم في مجلس الشيوخ ، وسيكون ضرب داعش –التي قطعت رأسيّ الصحفيين الأمريكين- ودحرجة رأس البغدادي “بوليصة” لتأمين النجاح في هذه المعركة.

8- تعاني أمريكا، وأنظمة البترودولار، وعلى رأسها مملكة آل سعود، مخاوف جديّة من تحلّلها، خصوصاً إذا رفعت يدّ الحماية الدولية عن ممالك النفط أو تدهورت الأوضاع فيها لسبب أو آخر. ربما يبدو هذا الإحتمال بعيداً عن الواقع، ولكن سأذكّر ببعض الأسئلة “الكاشفة” هنا :

# كل الإمبراطوريات التي عرفتها البشرية، وصلت إلى ذات النهاية المحتومة، إنسداد الأفق، ضعف، وهن، تفكك، التراجع إلى الجذر الحقيقي لها أو الإندثار، فهل يوجد في هذا الكون ما يدعونا لإخراج إمريكا من هذه الحتميّة !؟.

# لم يعرف التاريخ البشري إمبراطورية أوسع، وأعقد، وأكثر دهاءاً وتنظيماً من الإمبراطورية الإنجليزية، ها هي اليوم مهددة بإنفصال واحدة من آخر مستعمراتها، ومن سخرية الأقدار، أن يكون في هذه المستعمرة “اسكتلندا” 90% من النفط الذي تعتاش منه لندن !. ومثل هذه التبدلات التاريخية الكبرى ستفتح باب المنافسة والصراع، وربما الصدام، واسع جداً مع واشنطن، أليس غريباً أن تكون لندن وبرلين خارج تحالف واشنطن ضد الإرهاب !؟.

# تعيش تركيا حالة من الهلع المركب، إنها تقف على مفترق طرق وعليها أن تختار. من جهة، هي مدعوة للمشاركة في محاربة داعش، ولكن داعش أصبحت جزءاً من “منظومة” السياسية الخارجية والأمنية التركية، والإنقلاب عليها سيكون له تداعيات أمنية وسياسية خطيرة جدا، كمحاربتها داخل تركيا. ومن جهة، إن لم تشارك في محاربة داعش، سيكون عليها مواجهة الإرتدادات الإقليمية لهذه الحرب، خصوصاً وأن أهم خطوط إمداد، وتنقل، وتجارة، وتسليح… داعش، تركية خالصة، ما يعني بأنها ستكون مجبرة على مواجهتها. وهو ما يراهن عليه البعض لتفتيت تركيا دينيّاً ومذهبيّاً وقوميّاً.

# إعتبرت قمة الناتو في “ويلز” أن الخطر الرئيسي الذي تواجهه دول الحلف يتمثل في روسيا الاتحادية وليس في الإرهاب الدولي، وهو ما فسره لافروف، بأنه محاولة من دول الناتو لتأمين تماسكه إستناداً لعقلية “الحرب الباردة”. وهذا يفسر جانب من الصراع المحتدم في المنطقة، صراع بين منظمة شنغهاي – بإحتياطي عملات يفوق 4500 مليار دولار- بزعامة روسيا التي أعلن نائب وزير دفاعها إستعداده لتوجيه ضربة مفاجئة في أي نقطة من العالم، والتي إلتحق بها خمس العالم في الأول من أمس فقط “الهند، باكستان، ايران”، وحلف النيتو – مديونية واشنطن وحدها تفوق 17000 ميار دولار- الذي بات ثقيل الحركة، هرم، قررت بريطانيا البقاء خارج “تحركه”، وكذلك فعلت إلمانيا، وساهمت فرنسا بـ”نصف مشاركه”، وأكتفت تركيا بدور “لوجستي” عبر “إنجيرلك”. صحيح أنّ هذا ما أفصح عنه السياسيون، ولكن مرواغتهم –إن وجدت- ألا تعني الكثير في دراسة موازين القوى على الأرض؟!.

# يجمع الكلّ على أن البيئة الوهابية في مملكة آل سعود، تمثل الحاضنة الطبيعية لداعش، وأن داعش هي الوهابية الصافية التي ظهرت قبل قرنين ونصف تقريباً. لهذه الحقيقة نتائج كارثية تترتب عليها، تفضل أمريكا والغرب، الحديث عنها همساً، إلا أن الأصوات تُسمع أحياناً. من النتائج المترتبة عليها،مثلاً، أن مملكة آل سعود ستنهار على أيد الوهابيين أنفسهم، ما يجعل العالم أجمع، وخصوصاً واشنطن، أمام دولة وهابية، تصدر 10ملايين برميل نفط يوميّاً، والوهابية، وتُمسك بأقدس الأماكن الإسلامية التي يزورها ملايين المسلمون سنوياً. تحسباً، حاول الأمير سلمان بن عبدالعزيز “إستئجار” قوة من الجيش الباكستاني لحماية المملكة، وعندما وصل الجنود الباكستانيون، إكتشفت إستخباراته أن الكثير منهم “شيعه”، طلب السعوديون من الحكومة والجيش الباكستانيين إستبدال الجنود والضباط “الشيعه”، رفضت الحكومة الباكستانية لأنها رأت في ذلك وصفة ممتازة لخرابها السريع. كان الحلّ بالإستعانة بالجيش المصري، الذي طالما تآمروا عليه، والتحجج بتدريب “المعارضة السورية” على أراضيها، لإستجلاب الأمريكيين مجدداً، والإستعانة بالسوريين –إن سارت الأمور كما خططوا- للقيام بهذه المهمة. لأن واشنطن لم تعد في وارد –ولا قادرة- على حماية أدواتها. ألم يعلن وزير الحرب الأمريكي منذ ثلاثة أعوام تقريباً، “ندربكم، نمدكم بالسلاح، ولكن عليكم أن تدافعوا عن أنفسكم” ؟!.

# تحاول واشنطن العودة إلى العراق كجزء من “الحل” لمشكلة الإرهاب، بعد أن خرجت منه كمحتل. لكن واشنطن تتصرف بحذر شديد جداً وحساسية بالغة حيال وجود قوات على الأرض، لأن خسارة جندي واحد ستوقظ كوابيس “الغرق” في مستنقع العراق وأفغانستان وفيتنام دفعة واحدة لدى الأمريكيين جميعاً. إن حرب كان مبررها “قطع” رأس صحفي أمريكي، سيكون سقوط مروحية أمريكية، مثلاً، سبب كاف لإعلان نهايتها. ألم يكن هذا ما حدث في الصومال بالضبط، عندما سُحل “المارينز” في مقديشيو وأستعملت “رؤوسهم” للعب كرة القدم في شوارعها؟!.
* نماذج لردّ سورية وحلفائها على واشنطن

1- تحذير واضح، مباشر، لحلف واشنطن، بأن أي عمل عسكري على الأراضي السورية دون تنسيق مع الحكومة السورية، عدوان يستوجب المقاومة والردّ. وإطلاق يد الجيش العربي السوري للسحق الجماعات الإرهابية المسلحة في كامل المنطقة الممتدة، من دمشق إلى حلب، وهذا شرط لازم لخوض معركتين كبيرتين بما تحتاجانه من القوة، والإطمئنان لقواعد الجيش العربي السوري الخلفية، معركة شمال وشرق سورية، ومعركة جنوبها وغربها.

2- قبل أيام قليلة أكد نائب وزير الدفاع الروسي إمتلاك موسكو القدرة على توجيه ضربة عسكرية خاطفة على مستوى العالم، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، قبلها بيوم، نجاح تجربة إطلاق صاروخ “بولافا” العابر للقارات، من الغواصة النووية “فلاديمير مونوماك”. ولم يكن مصادفة إعلان الكولونيل إيجور كوناشنكوف، المتحدث باسم وزارة الدفاع، إن “إطلاق الصاروخ تم من الغواصة فلاديمير مونوماك، العاملة في البحر الأبيض”!. وهل يمكن عزل ذلك عن كلام السفير الروسي في لبنان، زاسيبكين: أي عمل عسكري في سورية دون تنسيق مسبق يعتبر انتهاكاً للشرعية الدولية وعدم التعاون مع الحكومة السورية قد يؤدي الى الصدام.

3- أعلن العدو الصهيوني عن إجراء تجربة صاروخية انطلاقا من نقطة في البحر الأبيض المتوسط، لاختبار منظومة دفاعه للتصدي للصواريخ ذات المدى البعيد. وأوضحت وزارة حرب العدو في بيان لها يوم الثلاثاء،9/9 أنه تمَّ تجريب صاروخ دفاعي من طراز “آرو2″، وأشارت إلى أن التجربة التي تمت بالتعاون مع الأميركيين كانت ناجحة وتمت وفق ما كان مخططا لها. الا أن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية الجنرال إيغور كوناشينكوف، أعلن في ذات اليوم، إن منظومة الإنذار الروسية في إقليم “كراسنودار” بجنوب روسيا، رصدت إطلاق صاروخ باليستي من وسط حوض البحر الأبيض المتوسط في الساعة 12:31 بتوقيت موسكو وتابعت تحليق الصاروخ خلال 40 ثانية، والذي سقط شمال تل أبيب بـ300كم. هذا يعني أنّ الصاروخ “التجريبي”الذي يتمتع بخصائص مشابهة لصواريخ “سكود CوB” وصل هدفه ولم يتمكن صاروخ “آرو2″ من إعتراضه. المعنى العملياتي لهذه التصريحات الصهيوأمريكية، أن صواريخ سكود CوB البالستية، والتي تشكل العامود الفقري لمنظومة الصواريخ السورية، أصبحت خردة. لكن إعلان وزارة الدفاع الروسية، أكد فشل التجربة الصهيوأمريكية – وهو ما إعترف به الصهاينة لاحقاً وعلى مضض- وأنهم يمارسون الكذب على إنفسهم وعلى جمهورهم – والكاذب وصف أطلقه بوتين شخصيّاً على كيري- ما يعني أن الصواريخ السورية ما زالت السيف المُسلط على رقاب الصهاينة والأميركيين وأدواتهم.

4- في العام الماضي هددت أميركا وبريطانيا وفرنسا بالإعتداء على سورية، ولكنها تراجعت عندما أدركت حجم الخسائر التي ستتكبدها بسبب قوة الدفاعات الجوية السورية، وهو ما أكده الناطق بإسم البنتاغون اليوم، عندما قال “سوريا تمتلك دفاعات جوية متطورة إلا أننا عندما نخطط ونعد لاحتمال ضربات جوية عبر الحدود (السورية) فمن الواضح أننا نضع جميع العوامل المحتملة في الحسبان قدر الإمكان.” ولم تركن القيادة السورية إلى قوة دفاعها الجوي، فأرسلت مقاتلتين من طرازSU-24 لتهددا القاعدة البريطانية في قبرص، حيث أقلعت طائرات تابعة للسرب الجوي “819″ التابع لسلاح الجو العربي السوري من مطار “طياس” العسكري لتحلق قرب القاعدة الجوية البريطانية في قبرص.
* كلمة أخيرة

تعلم أمريكا، وشركائها في “إستراتيجية” أوباما لمحاربة داعش، أن داعش وإمتداداتها، سيكون لها ردود أفعال عنيفة تجاههم. وردود الأفعال هذه لن تكون محصورة في ميدان المعارك، بل ستضرب في “الحديقة الخلفية” لهذه الدول. قبلها وعندها، سيكونون بحاجة كبرى إلى أية معلومة قد تفيد في تلافي هذه الإرتدادات، وما من جهة تملك مثل هذه المعلومات كمثل دولة حاربتهم لأربع سنوات، وأقصد هنا سورية. عندها سيكون الكثير مما تطلبه سورية اليوم، أثمان يسهل دفعها لضمان “تعاونها” غداً.