غداً تكرّم قطر.. أو تُهان

غداً تكرّم قطر.. أو تُهان

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢٩ أغسطس ٢٠١٤

لا حرب خليجية على قطر. وما يظهر كحملة تأديب خليجية بحق الدوحة والأمير تميم بن حمد، يفترض ان تنتهي مهلتها الأخيرة غداً السبت، يخفي خلفه ما هو أكبر من سحابة خلافات سياسية وأمنية عابرة.
التدقيق في المشهد يقول أن المنظومة الخليجية القائمة منذ أكثر من 30 سنة من خلال «مجلس التعاون الخليجي»، لم تعد تحتمل التمديد والتسويف.
ومهما كانت نتائج الاجتماع الوزاري الخليجي غداً في جدة، في ما يتعلق بالخلاف المزمن مع الشقيقة المشاغبة قطر، فإن لا ترجيحات تشير إلى نية سعودية ـ بحرينية ـ اماراتية باتخاذ اجراءات قطيعة حاسمة، قد تفكك ما تبقى من أواصر الارتباط داخل العائلة الخليجية، إن صح التعبير.
ثلاثون عاماً من الهواجس والخوف الاقليمي والهيمنة من قبل الشقيق الأكبر المملكة السعودية، ربما آن أوانها أن تطفو على السطح، أو تنفجر شرذمة، وما الخلاف القطري مع الرياض والمنامة وأبوظبي، سوى أحد تجليات ذلك المشهد.
ليس تطوراً عادياً أن يقوم وفد سعودي بهذا «الوزن»، بمهمة عاجلة. وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل ورئيس الاستخبارات العامة الأمير خالد بن بندر ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، حطوا فجأة في الدوحة أمس الأول، في زيارة لم تستغرق ساعتين، قبل استكمال الجولة إلى البحرين والإمارات.
وكأن «ساعة الحقيقة قد حانت»، كما يقول مصدر خليجي مطلع لـ«السفير». الأمير تميم الذي ما إن تولى الحكم، حتى وضعه «الأشقاء» من الحكام الخليجيين، الأكبر سناً وخبرة، تحت وطأة ضغط لم يعهده الحكم القطري من قبل، مجبر تميم الآن على الإجابة على تساؤلات وشكوك تمتد من بلاد المغرب العربي إلى الخليج العربي.
 السياسة الخارجية لقطر، عمليات التجنيس القطرية للبحرينيين، دعم «الاخوان المسلمين» خارج دول مجلس التعاون وداخلها، نشاط قناة «الجزيرة»، احتضان معارضين خليجيين، استضافة دور نشر وأبحاث تحرض على الحراك المعارض وتغيير الأنظمة الخليجية، العلاقة مع حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، ما يجري في ليبيا، والنار اليمنية المتصاعدة.
لم تنفع لا الوساطة الكويتية في تشرين الثاني الماضي، ولا الدور العماني في الحصول على أجوبة قطرية مقنعة للدول الثلاث (السعودية، الامارات والبحرين) التي سحبت سفراءها من الدوحة في آذار الماضي. والمتداول حتى الآن هو أن اللجنة الفنية لمتابعة آلية تنفيذ قطر لتعهداتها، قدمت قبل أيام، تقريراً لا يشفي غليل السعوديين. ويقول المصدر الخليجي أنه «قد تعلن إجراءات خليجية جماعية» خلال لقاء وزراء خارجية دول مجلس التعاون غداً السبت في جدة.
لكن خلف كل كرات النار الملتهبة هذه في العلاقة مع قطر، تبدو القضية الأساس، ضمور النفوذ السعودي إقليمياً، وهو تراجع تقاومه المملكة بكل ما يتاح لها من قوة، وحاولت قطر خلال سنوات «الأمير الأب» حمد بن خليفة آل ثاني قبل تنحيه في الصيف الماضي، ملء الفراغ المستحدث. حاول تميم استكمال درب والده، لكن لم تمض سوى شهور قليلة على توليه السلطة، حتى كان جيرانه يرفعون الصوت ضد سياساته، في رهان جماعي على إحداث تعديل جذري فيها، فيما يجري التداول أن حمد الأب والوزير «الملك» حمد بن جاسم بن جبر، لم يبتعدا عن كواليس صناعة القرار القطري في خضم هذه الأزمة الملتهبة.
مرتابة الرياض من حدودها الجنوبية مع اليمن، ومن منطقتها الشرقية، ومن الجار الايراني على الضفة الشرقية للخليج، ومن الجار «الشيعي» الذي نشأ عند حدودها الشمالية في العراق، ثم من تمدد «الجهاديين» الآن، بخلاف ما كان مقدراً من القيادات السعودية، على مقربة من حدود المملكة شمالاُ، من سوريا والعراق ولبنان والأردن.
 تمول كل من قطر والسعودية فصائل متناحرة على الأراضي السورية. الاخفاق السعودي في سوريا له حصة كبيرة في تفسير حدة الحنق السعودي على عدم احتكار أوراق اللعب الخليجية والذي جعل للرياض شركاء ولاعبين أصغر منها، يشوشون عن قصد أو عن غير قصد، الأهداف التي ترمي إليها المملكة في سنوات القلق والاضطراب هذه.
وعلى الرغم من أن وسائل الاعلام السعودية تحدثت خلال اليومين الماضيين عن أهمية زيارة الفيصل وخالد بن بندر ومحمد بن نايف باعتبار أنها ديبلوماسية اللحظات الأخيرة ومحاولة لرأب الصدع السياسي، إلا أن ذهاب هؤلاء الثلاثة سوية إلى الدوحة، يحمل رسالة مدوية. وإذا كان ذهاب الفيصل منطقياً باعتباره العراب الديبلوماسي، وذهاب محمد بن نايف طبيعياً نظراً لخصوصية العلاقة بينه وبين نظيره القطري رئيس الحكومة عبدالله بن ناصر آل ثاني، فإن مشاركة خالد بن بندر تطرح تساؤلاً أكبر عن أهمية وجود رجل الاستخبارات في السعودية، في مهمة يفترض أن طابعها العام سياسي وديبلوماسي، وتتوخى السعي إلى إنهاء قضية سحب السفراء كما يبدو عموماً.
ويقود ذلك إلى الترجيح بأن عمق الخلاف كبير ولم تتم تسويته، خصوصاً أن البيان الصادر بعد الزيارة السريعة للوفد السعودي إلى الدوحة، كان مقتضباً، ولا يتضمن سوى عبارات عامة، لا تتحدث عن انفراج يلوح في الأفق، ما يفتح الباب واسعاً أمام مجموعة خطوات عقابية خليجية ضد الدوحة (الحرب بطبيعة الحال ليست بينها)، قد تشمل تجميداً أكثر اتساعاً للعلاقات الديبلوماسية وامتداد القطيعة إلى الدولتين الآخريين، أي الكويت وسلطنة عمان.
لكن مسألتين مشتعلتين قد تدفعان السعوديين، والخليجيين الآخرين، إلى طرق أبواب أخرى باسم التسوية والخروج من المراوحة وإنقاذ القمة الخليجية المقررة في أواخر العام في الدوحة أو ربما نقلها من قطر. الأولى تتمثل بالانتفاضة التي يقودها الحوثيون في العاصمة صنعاء، إلى الجنوب من المملكة التي تعتبر هذا الحراك اليمني مساً بمصالحها ونفوذها.
أما الثانية فتتطلب استجابة فورية سعودية خاصة، و«سنية» عامة كما حددها باراك أوباما اكثر من مرة، تتناغم مع الاندفاعة الأميركية لصياغة تحالف ما لمواجهة «سرطان داعش» التي ذبحت مواطناً أميركاً وتهدد آلاف الأميركيين في إربيل والعراق عموماً.
فهل بإمكان السعودية وقطر الغرق أكثر في خلافاتهما بعدما صدر أمر العمليات من البيت الأبيض؟ ألا تؤمن الدوحة والرياض بأن إعادة اجترار الماضي المتوتر بينهما كما حصل خلال حقبة الأمير الأول لقطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني الذي سعى لكسب الاستقلال لدويلته عن إقليم الإحساء السعودي، لم تعد تخدم الشقيقتين، الكبرى والصغرى؟