أطباء عائدون من غزة: ما يجري تطهير عرقي!

أطباء عائدون من غزة: ما يجري تطهير عرقي!

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٣١ يوليو ٢٠١٤

غصّ الطبيب الفلسطيني محمد أبو عرب بدموعه. كان يقول إنه يفخر لكونه يحمل جنسية بلد آخر هو النروج، لأنه أخرج مواطنا مثل زميله مادس جيلبرت. الطبيبان عادا يوم الاثنين الماضي من قطاع غزة، بعد أسبوعين من العمل في «مستشفى الشفاء»، وهو الأكبر في القطاع.
كان الطبيبان من بين مجموعة أطباء عقدوا يوم أمس مؤتمرا صحافيا في بروكسل لشرح حال القطاع الصحي تحت الحرب. نقلوا أن النقص حاد للغاية، والاحتشاد في المستشفيات كبير، ما يجعلهم يعملون ضمن منطق طب الحروب: الأولوية لمن يمكن إنقاذه.
يعمل جيلبرت مع مستشفيات غزة منذ أكثر من 30 عاما. خلال المؤتمر الصحافي، قرأ ممثل دولة فلسطين رسالة وجهها الرئيس محمود عباس شاكرا جهده الدؤوب، معلنا أنه يتشرف بمنحه الجنسية الفلسطينية. يقول الجراح النروجي في حديث إلى «السفير» إنه يقوم بكل ذلك ممتلئا «بدافع بسيط للغاية هو إظهار تضامن عملي»، قبل أن يضيف «في نهاية اليوم، عندما نذهب للنوم، علينا أن نطرح على أنفسنا سؤالا واحدا: هل قمت بأي شيء، أو أني اكتفيت بالنوم؟».
ينقل العائدون من غزة أن آلة الحرب الإسرائيلية لم توفر شيئا، بما في ذلك المستشفيات. 13 مستشفى نالها القصف. تم استهداف تسع سيارات إسعاف، فيما قتل سبعة من الكوادر الطبية. العدوان أدى إلى إغلاق 27 مركزا طبيا، كان يمكنها تقديم المساعدة الأولية. بالنتيجة، خرجت نسبة 20 في المئة من المقدرات الصحية من الخدمة بفعل القصف، في وقت يوجد نقص سابق في المعدات والأدوية جراء سبع سنوات من الحصار الإسرائيلي المستمر. يضاف لهذا الواقع، الضغط الشديد على المستشفيات التي تستقبل فوق طاقتها.
نتيجة لكل ذلك يواجه الأطباء خيارات قاسية. يقول الطبيب محمد أبو عرب لـ«السفير» إنه اضطر للتخلي عن علاج طفل كان بين يديه. يوضح قصده بصوت مرتبك «كان لديه إصابات فظيعة جدا، كنت أعلم أن هذا الطفل لو عاش سيكون معاقا طوال حياته. لا أعرف أهله، لكن لا أتوقع أنه يمكنهم تحمل علاجه، كما لا يوجد نظام صحي يستطيع أن يؤمن العلاج له». يتوقف لبرهة، ثم يستدرك قائلاً «كانت إمكانية أن أنقذه ضئيلة جدا جدا، فقررت..». يصمت، ثم يواصل بصعوبة «قررت أن أتعامل معه كطبيب، وقلت لن يمكنني مساعدته».
للحروب منطقها الطبي الخاص، لكنه يصير أكثر ضيقا في حال غزة. يشرح أبو عرب أنه «في حالات الحروب لدينا مبدأ التصنيف، وفي ظروف الاحتشاد الحالية كنا نتعامل على أساس نوعية الإصابة وحجمها وخطورتها. كنا نقيّم مدى احتمال إنقاذ حياة المصاب. إنها قضية طبية بحتة، فأنت لا تتعامل مع مصاب لساعات من أجل إنعاشه إذا كانت إمكانية أن يحيا ضئيلة». يؤكد الطبيب أن المسألة تركز على الخروج بنتيجة: «تضطر للتعامل مع حالات فيها أمل أكبر. هكذا يفكر طبيب الحروب، كلما زاد الأمل في علاج شخص 5 في المئة كلما زاد تعاملي معه 5 في المئة».
ينفي العائدون من غزة بشدة مزاعم حكومة الاحتلال الإسرائيلي بأنها لا تستهدف المدنيين. يقولون إنّ الأرقام تشرح الواقع على حقيقته: أكثر من 80 في المئة من الضحايا هم مدنيون، حوالي ربع الشهداء الفلسطينيين أطفال، وربع آخر من النساء.
يحرص الطبيب جيلبرت على عرض صور التقطها بنفسه لحالات إصابات شديدة جراء العدوان، ولضحايا فقدوا حياتهم في المستشفى. وهو يعرض صور الأطفال، ومن بينهم من لم يتجاوز عمره بضع سنوات، يتوجه للصحافيين بالقول «أريد أن أسأل (الرئيس الأميركي باراك) أوباما ورؤساء الدول الغربية، كيف سيكون ردهم لو قتل الفلسطينيون 287 طفلا إسرائيليا وجرحوا أكثر من ألفين غيرهم خلال ثلاثة أسابيع». يطلب من الجميع محاولة إيجاد وصف موضوعي لما يعنيه قصف أماكن لجوء النازحين، المدارس ومراكز الأمم المتحدة، وفي نفس الوقت قصفهم وهم يتلقون العلاج في المستشفيات، قبل أن يجيب بنفسه «لا أجد وصفا آخر سوى أنه تطهير عرقي نراه أمام أعيننا».
إلى جانب المتحدثين، كان أستاذ الطب والجراح الفرنسي كريستوف أبرلين يلوّح بملف يقول إنه صار في عهدة محكمة الجنايات الدولية. الطبيب الذي كان منذ أسابيع في غزة يشرح أنه حصل على تفويض من السلطات الفلسطينية لتحريك القضية، مع دعم أكثر من 130 أستاذ قانون من حول العالم ومنظمات حقوقية دولية.
يؤكد أبرلين في حديثه إلى «السفير» أنّ الحرب الحالية على غزة هي الأقسى من بين الحروب الأخرى التي تطوع للعمل الطبي خلالها أيضا. يشرح أسباب استنتاجه: «في العام 2009 كان لدينا دائما أسرة فارغة لاستقبال المصابين الجدد، وكنا نرسل كل يوم جرحى إلى مستشفى العريش المصري. الآن معبر رفح مغلق، والمستشفيات تعيش ازدحاما شديدا، والعديد منها تعرض للقصف. إضافة إلى كل ذلك هناك سنوات الحصار التي ولدت نقصا شديدا في الأدوية والمعدات».
ينتقد الأطباء الأوروبيون موقف حكوماتهم بشدة. يقول أبرلين إن بيانات الحكومات يجب أن تجعل «كل المواطنين الأوروبيين يشعرون بالعار».
زميله جيلبرت رأى سابقاً كيف يستخدم الاتحاد الأوروبي العقوبات في التعامل مع أزمات شتى، ومنها ما لا يمكن قياسه بالعدوان الإسرائيلي. أداة كهذه كانت لتنفع لأن الأوروبيين يعتبرون الشريك التجاري الأول لإسرائيل، إضافة إلى مجالات التعاون الكثيرة. بعد مطالبته باستخدام العقوبات، يلتقط الطبيب النروجي أنفاسه، ويقول إنه لا يمكن انتظار أن تستفيق الحكومات الأوروبية: «أعتقد أنه، في هذا العالم، كل واحد منا يحتاج لأن يقف، ويقرر ما هو الصح وما هو الخطأ، ما الذي سيقبله وما الذي لن يقبله، ثم علينا فعل شيء. كل واحد يمكنه فعل شيء».