سعد الحريري عاد... سكسوكة وخطاب تحريضي

سعد الحريري عاد... سكسوكة وخطاب تحريضي

أخبار عربية ودولية

السبت، ١٩ يوليو ٢٠١٤

 على وقع موسيقى قرقعة الصحون صعد الرئيس سعد الحريري إلى المنبر، ثبّت عيونه نحو شاشة "الأوتو كيو"، تسمّر أمامها جامدًا محرّكًا فمه فقط، مخاطبًا اللّبنانيين.
عاد اليوم الحريري إلى سابق عهده، إلى سعد الذي عرفناه بعد مقتل والده، الطرف السياسي الذي لا يهادن، ولا يساوم، ولا ينفتح، ولا يقبل الآخر. كما عاد الرجل إلى "اللّوك" القديم تماشيًا مع عودته السياسية، فنزع لحيته لتعود وتحلّ مكانها "السكسوكة" الشهيرة، تلك التي قرّر قبل ثلاثة أيّام التقاط صورة معها، فكانت "السيلفي" مادة دسمة لروّاد مواقع التواصل الاجتماعي.
من المؤكّد، وبغض النظر عن أهميّة مضمونه، فإنّ خطاب "الشيخ" سعد اليوم، رسم معالم المرحلة المقبلة سياسيًّا، أقلّه لجهة تصرّف فريقه السياسي ومن خلفه السعودية في ما خصّ لبنان وأموره الداخلية.
نسف الحريري بشكل كامل كل التقارب الذي شهدته الفترة السابقة بينه وبين رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون. هذا النسف تجسّد عبر رفض الحريري شكلًا ومضمونًا لطرح العماد عون القاضي بانتخاب رئيس من قبل الشعب، اذ اعتبر الحريري أنّ "أية محاولة للققز فوق صيغة الوفاق الوطني واتفاق الطائف خطوةٌ في المجهول تزيد من تعقيد الواقع السياسي القائم، وبكل الحوارات موقفنا هو أن ليس لدينا فيتو على أحد، إذ نحن نشارك في كل جلسات مجلس النواب ونؤمّن النصاب مهما كانت النتيجة وإذ نحن عامل مساعد لانتخاب الرئيس وليس العامل المقرر، والعامل المقرر من وجهة نظرنا هو توافق المسيحيين على مرشح ونحن نوافق عليه سلفًا دون الذهاب نحو هكذا خطوة طائفية".
هجوم الحريري على ما زعم أنّها طائفيّة لم يطل حتى ناقضه هو بنفسه، فوجّه التحية لبيروت وصيدا وعرسال ومجدل عنجر وشبعا فقط!!
نعم، فالظاهر هنا أنّ كاتب الخطاب ليس شخص واحد، إذ عمد كل مستشار من مستشاريه إلى صياغه فقرة قام من بعدها الحريري بجمعها لتصبح خطابًا، فكان كلّما قفز من واحدة لأخرى، وقع دون أن يدري بالتناقض، ليحاول من بعدها إيقاظ الناس الغارقين بالطعام، عبر استئذانهم لشرب الماء، تلك النكتة التي اعتاد على ترديدها في حفلات الإفطارات، لتذكير الحاضرين أنّه كان صائمًا، وقطع تناوله لوجبات الكافيار والقريدس، لكي يتكرّم عليهم ببضع كلمات تعيد شحن نفوسهم وتعبئتهم لعونهم على إكمال نضالهم اليومي، في مواجهة ما يعتقدون أنّها "المؤامرة على أهل السنّة".
قدّم الحريري بعد ذلك الطبق الرئيسي في الإفطار، الطبق نفسه الذي اعتاد هو وفريقه السياسي على تضمينه في كل الكلمات، الهجوم على حزب الله.
صعّد الحريري من لهجته تجاه الحزب، قاطعًا كل الآمال التي كانت قد ألمحت إليها مصادره في قرب جلوسه مع شخصيات من حزب الله، اذ اعتبر مشاركة الحزب في سوريا هي الإرهاب، ذاكرًا كلمة "حزب الله" عشرين مرة في الخطاب، مقابل مرة واحدة خجولة لكلمتي "داعش" و"النصرة" التي أتت في معرض مقارنة التنظيمين الإرهابين بحزب الله، الحزب اللبناني المشارك في الحكومة جنبًا إلى جنب وزراء تياره.
هاجم الحريري أيضًا الأجهزة الأمنية بشكلٍ خجول، فاعتبر أنّ بعض تصرفات الأجهزة مجحفة بحق بعض اللبنانيين.
لم يدرك الحريري أثناء قراءته لما كتبه له الآخرون، أنّ هذا الخطاب هو خطاب تحريضي مذهبي، قد يشعل شارعه بوجه الشارع الآخر، شارعه الذي لم يعايشه الحريري منذ ثلاث سنوات، فمن المؤكد أنه لا يعلم بكمّ الحقد الموجود تجاه الطوائف الأخرى والأجهزة الأمنية من جهة، وتجاه الشارع السني الرافض للتطرّف من جهة أخرى، فالحريري يعتقد أنّ روح رفيق الحريري ما زالت حيّة في نفوس من أحبّوه، دون أن يفطن أنّه هو بنهجه السياسي التحريضي قتل والده مرّات عديدة بعد الاستشهاد.
خطاب "الشيخ" سعد هذا هو استكمال لمسلسل جرّ تيار والده ومعه المؤيدين نحو خندق التقوقع والانعزال، خندق المذهبية المقيتة التي جاهد رفيق الحريري في حياته لإبعادها عن البلاد، فأتى من ورثه ليدمّر ميراثه.
الأيّام القادمة لن تأتي بالجديد، سوى أنّ فريق الرابع عشر من آذار قد يذهب نحو بدعة سياسية جديدة في ما خصّ انتخاب رئيس للجمهورية، ما سيحتّم على البلاد مواجهة أقلها سياسية إعلامية، لإيقاف أية مهزلة دستورية قد يقدم عليها البعض.
أثبت الحريري اليوم لكلّ من سمعه، أنّه عاد إلى قواعده بسلام، بعد محاولات سحبه إلى مصاف والده عبر إجلاسه على كرسي التوافق والحوار، هو الذي فضّل التحالف مع سمير جعجع على مدّ اليد للمقاومة وحلفائها.
سعد الحريري الذي ما زال مصرًا على مخاطبة اللبنانيين من الخارج، يبدو أنّ عودته من مطار دمشق باتت مستحيلة بالشكل الذي أراده هو، أمّا طريق مطار دمشق قصر الشعب - بيروت، فهي مفتوحة متى أراد هو التخلّي عن العجلات السعودية (تلك التي في السيلفي) والسير بمشروع والده الذي ما لجأ لدمشق، وعاد خائبًا.