غزّة .. معركة المعادلات

غزّة .. معركة المعادلات

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١٥ يوليو ٢٠١٤

من المؤكد أنّ القيادة الصهيونية لم تكن تعلم ماذا ينتظرها في غزّة، والاّ لما أقدمت على عدوانها.
"إسرائيل" تجاوزت احتمال السقوط، إنها تسقط بفعل مفاجآت المقاومة الفلسطينية، لم تعد حتى شريكاً في الفعل، إنها تمارس ردّة الفعل.
الجيش الصهيوني حدّد مجموعة من الأهداف لهذه الحرب، لم يتم تحقيق أي منها حتى اللحظة، وأهم هذه الأهداف هي:
1- إيقاف إطلاق الصواريخ عبر ضرب منصّاتها.
2- تصفية قيادات المقاومة عبر اغتيالها بأكثر من وسيلة.
3- ضرب مشاغل الصواريخ وأماكن تخزينها.
ولليوم الثامن على التوالي، لم يستطع الجيش الصهيوني أن يحقق أيّاً من هذه الأهداف، باستثناء أنّه يمعن قتلاً في المدنيين الفلسطينيين بعد عجزه عن تحقيق أهدافه.

وفي تطورات خطيرة، استخدم العدو الصهيوني لقنابل الـ (dime)، وهي قنابل أميركية الصنع ذات غلاف رقيق محشوة بمادة الـ(nitro amin) مع مواد أخرى، وهي مواد تفتك بالجسم البشري دون أن تحدث دماراً في المنشآت، ويعتبر لجوء العدوّ الى استخدام هذه القنابل إشارةً الى رغبته في تحقيق القتل دون إدراك المجتمع الدولي لحجم القتل، لأنه غالباً ما تتمّ ملاحظة الهمجية من خلال الدمار، وليست هذه هي المرة الأولى التي يستخدم الجيش الصهيوني هذه القنابل في فلسطين، كما نذكر أنّ أميركا استخدمتها أيضاً في العراق وأفغانستان.

وخلافاً للاعتداءات السابقة، تفاجأ العالم ومعهم "إسرائيل" بحجم ردّ المقاومة الذي يتصاعد يوماً بعد يوم. لم تتطابق الحسابات الصهيونية هذه المرّة مع وقائع الميدان فمنذ اليوم الأول للحرب أطلقت المقاومة صواريخها الى مناطق لم تطلها سابقاً.

أولاً: ما هي مفاجآت المقاومة، وما مدى تأثيرها في تغيير المعادلات القائمة؟

1- المفاجأة الأولى كانت استخدام المقاومة لصواريخ وصل مداها الى 140 كلم، حيث ضربت مشارف حيفا، في إشارةٍ الى قدرة المقاومة بتعريض أغلب المدن في فلسطين المحتلة للضربات.
2- قدرة أطقم الصواريخ بما فيها بعيدة المدى على العمل وإطلاق الصواريخ رغم وجود كل أنواع المراقبة الجوية والتكنولوجيّة المتطورة، من طائرات وأقمار صناعية ومناطيد وطائرات استطلاع بدون طيار، وصولاً الى تحديد مواعيد الإطلاق والإعلان عنها عبر وسائل الإعلام.
3- عملية الضفادع البشرية على قاعدة زيكيم البحرية في عسقلان واختراق كل إجراءات الحماية الصهيونية.
4- استهداف أكثر من آلية بينها دبابة ميركافا بصواريح كورنيت، في إشارة الى القدرات المضادّة للدروع التي تمتلكها المقاومة.
5- إفشال إبرار قوة بحرية صهيونية على شاطئ غزة الشمالي، في رسالة تدلّ على استعداد قوات المقاومة وجهوزية تصديها لأية محاولة اختراق صهيونية.
6- استخدام القناصات 12.7 بعيدة المدى لاستهداف جنود العدو.
7- اختيار أهداف نوعية كالقواعد الجوية وقواعد إطلاق صواريخ اريحا.
8- استخدام طائرات بدون طيار من نوع أبابيل وهي من ثلاثة طرازات، استطلاعية مزودة بكاميرات ترسل صورها بشكلٍ مباشر، وهجومية تحمل صواريخ على أجنحتها يمكن إطلاقها عن بعد، وانتحارية يصل وزن المتفجرات التي تحملها حتى 65 كلغ ويتم تفجيرها بأهداف النقطة كمراكز تجمع المشاة والرادارات ومراكز القيادة والعمليات، ويُعتبر استخدام طائرات أبابيل تطوراً نوعياً يضيف الى المعركة بعداً استراتيجياً.
9- استخدام تقنيات الحرب الالكترونية عبر متابعة اتصالات العدو واختراق منظومات اتصاله وحتى أقنيته التلفزيونية، كما حصل مع القناة الثانية الصهيونية.

وباستعرض قدرات المقاومة ومفاجآتها، فمن المهم أن نذكر أنّ ما حققته المقاومة حتى الآن يشابه ما فعله حزب الله في عدوان تموز 2006، باستثناء استخدام صواريخ أرض – بحر c-802  التي دمرت البارجة ساعر وعدم حدوث احتكاكات برية على غرار معارك بنت جبيل ومارون الراس وعيتا الشعب.

إذاً، نحن أمام محاكاة لم تتطور بعد الى ما وصلت اليه المواجهة في لبنان، إلاّ أنّ الواقع يضع المقاومة الفلسطينية في موقعها الطبيعي لممارسة دورها التكاملي في سياق المعركة الشاملة، بفارق أنّ صواريخ فجر-5  بمدى 90 كلم وضعت عاصمة الكيان الاقتصادية تحت النار بحكم قرب المسافة بين منصات إطلاق الصواريخ وتل أبيب.
وبانتظار المعركة البرية التي حددها المجلس الوزاري المصغّر كخيار، والذي يبدو أنه مترددٌ في إعلان ساعة الصفر لها، نؤكد أنها لن تكون لمصلحة جيش العدو، سواء كانت شاملة أو محدودة، لأنها في حال حصولها ستُفقد هذا الجيش تفوقه التكنولوجي وتضع دباباته وجنوده في مواجهة استراتيجية الخنادق والعبوات وصواريخ المضاد للدروع والقناصين والعمليات الإستشهادية، وستجعله دون غطاء جوي ولا قصف مدفعي وتحرمه من قدرات الحركة.
أما ماذا فعلت المقاومة حتى الآن، فنسرد:

1- امتلاك عامل المبادرة في استخدام أسلحة جديدة.
2- وضع أكثر من خمسة ملايين صهيوني تحت النار في أغلب أراضي فلسطين المحتلة، وأهمها تل أبيب وضاحيتها غوش دان.
3- تعطيل الحركة الاقتصادية والسياحية، وتكبيد العدو خسائر مالية كبيرة وصلت الى 2.5 مليار دولار حتى الآن.
4- وضع وزارة الدفاع الصهيونية في دائرة الخطر عبر تحليق طائرة أبابيل فوقها، وإجبار ملايين اليهود على النزول الى الملاجئ بما فيهم قيادتي العدو السياسية والعسكرية التي تعقد اجتماعاتها في ملاجئ حصينة.
5- إحداث حالة من الهلع والرعب في صفوف الصهاينة وإفقادهم الإحساس بالأمان الذي هاجروا الى فلسطين من أجله.
6- تجريد الصهاينة من قدرة الردع والتحكم بالمعركة كما تعودوا حتى ما قبل العام 2000، تاريخ انسحابهم من جنوب لبنان .
والأمر الأهم في كل ما يجري، مهما كانت نتائج هذه المعركة التي لن تكون الاّ لمصلحة المقاومة، أنها ليست منعزلة عن الدعم المباشر وغير المباشر من إيران وسورية وحزب الله رغم كل ما حصل من تناقضات بسبب الأزمة السورية، فهذه مراكز حماس في الضاحية الجنوبية ما زالت موجودة ولم ينقطع الحوار معها أبداً ولا الدعم بكل أشكاله، وهذا إن دلّ على شيئ فإنمّا يدلّ على حكمة وبعد نظر قيادة حزب الله في نظرتها الاستراتيجية للصراع مع الكيان الصهيوني.
وما صواريخ المقاومة في فلسطين وطائرات أبابيل وتقنية استخدامها الا ثمرة تعاونٍ طويل ومستمّر لم ولن ينقطع.
وقد يتساءل البعض لماذا لم ينخرط حزب الله أو سورية في المواجهة الحالية رغم امتلاكهما لقدرات صاروخية وعلمية تتجاوز تلك التي تستخدمها حماس بعشرات بل ومئات المرّات، والجواب هو: لماذا يتدخل حزب الله وسورية في معركة تبدو فيها فصائل المقاومة الفلسطينية مرتاحة على وضعها وتسجّل يوماً بعد يوم مفاجآت تربك العدّو وتحرجه، ومن ثمّ يستعجلان للخروج من مأزقٍ وضعا نفسيهما به دون أن يجريا حسابات دقيقة؟
ولماذا يتدخّل حزب الله ويبدو واضحاً أنّ معركة غزة تسير الى ما يراكم للمقاومة الفلسطينية هيبتها وقوة ردعها.. والاحتمالات في هذه المعركة واحد من اثنين:
1- تورط "إسرائيل" في معركة بريّة لن تكون في مصلحتها وستمزق هيبتها وقوة ردعها.
2- الذهاب الى اتفاق وقف إطلاق نار بشروط المقاومة، ممّا يوفر لها مساحة أكبر في الحركة ويعطيها الوقت اللازم لتتحضر أكثر للمعركة الشاملة التي ربما تسبقها معارك صغيرة كالتي تحصل الآن.
في غزة الآن معركة أكبر من كلّ المعارك التي خاضها الفلسطينيون مع الصهاينة من قبل، إنها معركة صياغة المعادلة الجديدة، معادلة غزة يقابلها كل مدن وقرى الكيان الصهيوني.