خيارات العدو: تسوية سريعة أو هجوم برّي

خيارات العدو: تسوية سريعة أو هجوم برّي

أخبار عربية ودولية

السبت، ١٢ يوليو ٢٠١٤

ملأت إسرائيل قطاع غزة، خلال الأيام الخمسة الماضية بأنهر من الدماء والخراب، وها هي تجد نفسها اليوم على مفترق طرق، بعدما فشلت في إخضاع المقاومة. هي عاجزة عن القبول بحال المراوحة الحالي، مع ما يعنيه من تكلفة وضغوط على قيادتها، في ظل وجود مئات الآلاف في الملاجئ والدولة مشلولة ومعها الاقتصاد. خياراتها تبدو محدودة، وتنحصر في ثلاثة: إما أن تدفع بجنونها إلى حدّه الأقصى عبر تكثيف المجازر بما يستدعي تدخلاً دولياً يخلط الأوراق. أو تسرّع بطلب وساطة، أعرب باراك أوباما لبنيامين نتنياهو عن استعداده للقيام بها، في ظل حياد مصري سلبي وعدم مقبولية للوسيط التركي واستعداد قطري لم تنضج ظروفه بعد. ويبقى الخيار الثالث، الأكثر ترجيحاً، خوض غمار مغامرة برّية محدودة النطاق والأهداف، بات واضحاً أنها تحظى بدعم، بل بتحريض من واشنطن. كل ذلك في ظل صمود شعبي فلسطيني صلب رغم ضخامة التضحيات، وأداء مقاوم يُشهد له، حرم إسرائيل نشوة صيد ولو مستودعاً واحداً من الصواريخ التي تنهمر على مدن الاحتلال
في اليوم الخامس من العدوان على غزة، أمس، لم تجد طائرات الاحتلال أهدافاً تقصفها غير بيوت الآمنين، في تعبير بالغ الوضوح عن المأزق الذي تجد نفسها فيه، عسكرياً، رغم تجاوز عدد الشهداء المئة والجرحى الـ700؛ فمن كان محظوظاً نالته صواريخ تحذيرية من طائرات الاستطلاع قبل تحويل بيته إلى ركام، وغير أولئك صاروا شهداء وسط صمت عربي مدوّ، يلامس حدّ التواطؤ، وغياب مصري لافت عن الصورة، باستثناء الحركة المحدودة عند معبر رفح للجرحى فقط.
تدرك إسرائيل عجزها عن البقاء في دائرة المراوحة المستمرة منذ يومين. حركتها العسكرية والامنية في غزة تبدو مختلفة عن المواجهات السابقة. لا قدرة حقيقية على رصد حركة عناصر المقاومة. والقصف لم ينل من المخازن العسكرية، وهو ما يعقّد مهمة العدو في تحقيق إنجاز أمني أو سياسي. في مقابل حالة من عدم الاستقرار تشمل غالبية مدن الكيان وقراه وسكانه. حالة من الشلل المكلف، مالياً ومعنوياً، وحالة الهلع التي ألقت بمئات آلاف الإسرائيليين في الملاجئ.
لم يعد بيد العدو من خيارات كثيرة. إما انطلاق وساطة تقود الى تهدئة سريعة، وإما الذهاب نحو خيار الاقتحام البري. وهو خيار يقول العدو إن خططه قد تمت المصادقة عليها في قيادة الجيش وتنتظر القرار السياسي من الحكومة، وسط معلومات عن تأييد أميركي صريح، على قاعدة أن الخطوة مطلوبة لأجل إفساح المجال أمام وساطة أميركية بات معروفاً أن واشنطن لن تقوم بها إذا لم تأت لمصلحة إسرائيل.
في المقابل، تؤكد فصائل المقاومة أنها مستعدة لصدّ هذا الهجوم، بل رأت فيه فرصة للاشتباك المباشر وإمكان أسر جنود بغرض إجراء عمليات تبادل لاحقاً. وكما هو مقدر، فإن محاور المواجهة متوقعة، وإن كان يصعب التكهن بالمناطق التي قد يجتاحها جيش الاحتلال، نظراً إلى عوامل منها طبيعة غزة الجغرافية، والاكتظاظ السكاني الكبير، وليس أخيراً استعدادات المقاومة التي يدرك الاحتلال أنها باتت تعرف خططه، وبالتالي لا بد أنه عمل على تغيير قواعد الدخول.
ويجري التخوف من ابتعاد الجيش الإسرائيلي عن الاقتحام عبر مناطق مفتوحة تصبح فيها دباباته ومدرعاته هدفاً واضحاً للصواريخ المضادة للدروع، كما جرى أمس حين أصيب جنديان إسرائيليان بعد استهداف آليتهما (من نوع سوفاه) بصاروخ موجّه قرب موقع ناحال عوز شرقي غزة، أعلنت كتائب القسام، التابعة لحركة «حماس»، مسؤوليتها عنه.
على المنوال نفسه، حدث في وقت متأخر أمس تطور نوعي قد يجعل إسرائيل تعيد التفكير في خيار البر؛ فالمقاومة عاودت استعمال سياسة السبق والمفاجأة مقابل جس النبض الإسرائيلي، وذلك بعد أن أعلنت سرايا القدس، الذراع العسكرية للجهاد الإسلامي، أن «وحدة المغاوير» التابعة لها خاضت اشتباكات عنيفة مع قوات إسرائيلية خاصة شرق مدينة غزة. وقالت السرايا عبر موقعها إن قوة خاصة وقعت في كمين محكم، مشددة على أن قائد مجموعة «المغاوير» أكد وقوع إصابات في صفوف القوة المستهدفة بعد تفجير عبوات ناسفة وإطلاق نار، «كما تدخلت وحدات الإسناد بإطلاق صواريخ 107 وقذائف هاون تجاه مكان العملية، إضافة إلى موقع ناحل عوز العسكري حتى لا يرسل العدو تعزيزات إلى منطقة الحدث». وقال المتحدث باسم سرايا القدس، أبو أحمد، إن قوة إسرائيلية تسللت إلى منطقة شرق غزة وحاولت زرع أجهزة رصد، «فتصدت السرايا لها بقوة وأحبطتها»، مستدركاً: «فقدنا الاتصال بمجاهد واحد أثناء الاشتباكات المتقدمة لكنه عاد لاحقا بسلام».
في ظل هذا التطور، فإن السيناريو البديل أن تعمد إسرائيل إلى اقتحام الأحياء السكنية وهدم سلسلة من البيوت لتصنع لنفسها ممرات جديدة لن تكون المقاومة قد جهزت فيها كمائن، إلى جانب اعتمادها الأساسي على التكنولوجيا والعملاء في الرصد. رغم ذلك، يتوقع مراقبون أن تعيد إسرائيل اجتياح المناطق نفسها التي اجتاحتها في الحرب الأولى خلال عام 2008ــ2009 التي استمرت 22 يوماً. يومها شرعت إسرائيل في هجوم بري شمل أولاً شمال قطاع غزة وفيه المناطق الحدودية المحاذية للسياج الفاصل، وتركز الهجوم على بلدة بيت لاهيا (شمال)، ومنطقة الساحل غرباً. كذلك جرى في مدينة غزة، ثانياً، اقتحام المنطقة الممتدة بين شاطئ البحر غرباً حتى السياج الحدودي شرقاً، وحاول العدو السيطرة على هذه المنطقة عبر دخول بعض الأحياء، كحي الزيتون (شرق)، وتل الهوى (غرب). أما في وسط القطاع، فجرى فصل جنوب القطاع عن وسطه عبر سلسلة من الدبابات وصلت حتى شاطئ البحر. أما لجهة الجنوب، فتبقى مدينتا رفح وخان يونس عرضة للاجتياحات الكبيرة في عدة أحياء، ولا سيما أن خان يونس من أوسع المحافظات في القطاع.
في غضون ذلك، تعيش غزة على الوتيرة نفسها من تصاعد القصف ونقص الأغذية والأدوية في مقابل انقطاع واسع للكهرباء بفعل كثافة الصواريخ وقوتها. كذلك دُمّرت وتضررت مئات المنازل وهُجّر سكانها.
أما داخل الكيان، فذكرت وسائل إعلام العدو أن أربعة إسرائيليين قتلوا جراء الهجمات الصاروخية على أهداف في وسط الأراضي المحتلة وجنوبها، كذلك قالت نجمة داوود (الإسعاف) إن نحو 123 إسرائيلياً أصيبوا منذ بدء الحرب على القطاع.
في هذا الإطار، بقيت المقاومة تركز ضرباتها على المدن الرئيسية في الأراضي المحتلة، فضلاً عن المواقع العسكرية المحاذية لغزة، وهي أطلقت في سبيل ذلك عشرة صواريخ على تل أبيب بالتزامن مع مؤتمر لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، كذلك قصفت بحوالى 120 صاروخاً كلّاً من المجدل وإسدود وبئر السبع ونتيفوت، إضافة إلى مدن أخرى.