بوتين في حوار مباشر: لا ثقة مع واشنطن ونختلف مع الرياض في سورية

بوتين في حوار مباشر: لا ثقة مع واشنطن ونختلف مع الرياض في سورية

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٨ أبريل ٢٠١٤

أمهل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، أوكرانيا شهراً لتسوية خلافها مع موسكو حول الغاز مهدداً باعتماد نظام تسديد إمدادات الغاز سلفاً، وتمنى ألا يضطر الى اعتماد "حق استخدام القوات المسلحة في أوكرانيا"، وفي الوقت نفسه أكد أن روسيا والسعودية تحافظان على علاقات جيدة بالرغم من المواقف المختلفة مما يحدث في سوريا.
وأجرى الرئيس الروسي أمس حواراً مباشراً مع المواطنين الروس عبر التلفزيون، تحدث فيه عن العديد من القضايا ورد على أسئلة الجمهور، معتبراً أن ما حدث في أوكرانيا بعد قرار الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، تأجيل توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي هو "انقلاب مسلح منافٍ للدستور".
نختلف حول سوريا فقط
وقال الرئيس الروسي: "لدينا مواقف مختلفة من الأزمة السورية لكن مواقفنا من تطور الأحداث في مصر تتفق بشكل كامل تقريباً. كما يوجد كثير من المواقف المتوافقة الأخرى". وأكد "احترامه الكبير" للملك السعودي، واصفاً إياه بالشخص الذكي والمتزن للغاية.
وفي تعليقه على احتمال محاولة السعودية إلحاق ضرر بروسيا في السوق النفطية، عبّر بوتين عن اعتقاده أن الرياض لن تقوم بأية تغييرات سريعة تلحق ضرراً بنفسها وبالاقتصاد الروسي.
واعتبر كل الأحاديث عن "يد موسكو" في شرق أوكرانيا "هي مجرد هراء"، رافضاً بشكل مطلق وجود أية قوات روسية أو أجهزة خاصة أو خبراء في شرق أوكرانيا. وقال الرئيس الروسي إن هناك مواطنين محليين لا يستطيعون ترك أراضيهم ويجب إجراء الحوار معهم.
وأعلن بوتين ضرورة ترشيح زعماء جدد يتمتعون بالشعبية في شرق أوكرانيا لتولي مناصب قيادية هناك لإطلاق حوار بناء من أجل تسوية الأزمة.
وعبر الرئيس بوتين عن أمله بألا يضطر لاستخدام حقه في إرسال القوات الروسية إلى أوكرانيا. وقال: "منح مجلس الاتحاد الروسي الرئيس حق استخدام القوات المسلحة في أوكرانيا. آمل بألاّ أُضطر لاستخدام هذا الحق وننجح في حل كل القضايا الحادة، أو بالأحرى، القضايا الأكثر حدة في أوكرانيا اليوم بطرق سياسية وديبلوماسية".
وفي حديثه حول إمكانية دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا دعا الرئيس إلى الاعتماد على الواقع، مشيراً إلى أن التشكيلة القومية للقرم تختلف عن تشكيلة جنوب شرق أوكرانيا. وذكّر بأن هذه المناطق كانت قد ضمّت إلى أوكرانيا في عشرينيات القرن الماضي، بينما جرى ضمّ القرم وسيفاستوبل إليها بعد ذلك بسنوات طويلة.
وأضاف: "نعرف بدقة أن علينا أن نعمل ما بوسعنا لمساعدة هؤلاء الناس (في شرق أوكرانيا) في الدفاع عن حقوقهم وتقرير مصيرهم بشكل مستقل. هذا ما سنكافح من أجله".
وأشار إلى ضرورة الإفراج عن الزعماء السياسيين لشرق أوكرانيا من السجون ودعم المواطنين في التنظيم وترشيح قادة جدد وإطلاق الحوار. وأضاف أن "كييف بدلاً من إطلاق الحوار مع قادة شعبيين في شرق أوكرانيا زجت بهم في السجون وعيّنت أوليغارشيين محليين في مناصب المحافظين"، مشيراً إلى أن المواطنين في شرق أوكرانيا لا يثقون بهؤلاء الأوليغارشيين الذين يعتقد أنهم استغلوا الشعب ونهبوه.
ولفت النظر الى أن مواطني شرق أوكرانيا يتحدثون حول إقامة نظام فيدرالي وسلطات كييف تتحدث عن اللامركزية، مؤكداً أنه يجب توضيح مضمون هذه المصطلحات والجلوس وراء طاولة المفاوضات وإيجاد حل، مضيفاً أن كييف بدلاً من الحوار بدأت تهدد باستخدام القوة وأرسلت دبابات وطائرات ضد المواطنين.
جريمة خطرة
ووصف بوتين هذه السياسة بأنها "جريمة خطرة" للسلطات في كييف، داعياً السلطات الأوكرانية إلى إبعاد القوات المسلحة عن السكان المدنيين في الشرق.
وأضاف: "نسمع الآن دعوات موجهة إلى السكان في جنوب شرق أوكرانيا إلى نزع السلاح. أقول لشركائي: إنها دعوة صحيحة وجميلة. لكن أبعدوا الجيش عن السكان المدنيين. هل أنتم مجانين؟ يزجون بالدبابات والمدرعات والمدافع. ضد مَن ستُستخدم؟".
وشدد بوتين على إمكانية إيجاد حل للأزمة واستعادة النظام والأمن في أوكرانيا فقط عن طريق الحوار والإجراءات الديموقراطية من دون استخدام القوة.
وأكد أهمية بدء المفاوضات في جنيف، داعياً إلى إقامة حوار حقيقي على الفور والبحث عن حلول وسط. كما أعرب عن أمله في أن مفاوضات جنيف ستسمح بتوضيح جرّ سلطات كييف البلاد إلى الهاوية.
وحول قرار ضمّ شبه جزيرة القرم الى روسيا، قال بوتين إن "روسيا لم تخطط لضمّ القرم لكن التهديدات التي تعرّض لها السكان الناطقون باللغة الروسية كانت واضحة".
وقال "على العكس كنا ننطلق من أننا سنبني علاقاتنا مع أوكرانيا اعتماداً على الواقعية الجيوسياسية. كما كنا نفكر دائماً، وكنا نأمل بأن يعيش أناسنا، الروس، المواطنون الناطقون باللغة الروسية في ظروف سياسية مريحة من دون التعرض للاضطهاد ومن دون مواجهة تهديدات".
وأضاف: "عندما ظهر هذا الوضع وبدأ شعب القرم يتحدّث عن تقرير مصيره شرعت روسيا من جانبها بالتفكير في ما يمكن عمله"، مضيفاً أنه "آنذاك بالذات وليس منذ 5 أعوام أو 10 أعوام أو 20 عاماً. اتخذ قرار بدعم سكان القرم".
وقال: "في مكالماتي مع زملائي الأجانب لم أخف أن هدفنا كان ينحصر في ضمان الظروف الملائمة لإدلاء سكان القرم بأصواتهم بشكل حر. لذلك كان علينا أن نتخذ الإجراءات الضرورية لمنع تطور الأحداث، كما يحدث اليوم في جنوب شرق أوكرانيا، لمنع وجود الدبابات والوحدات القتالية المكونة من المتطرفين والقوميين المسلحين بالأسلحة الأوتوماتيكية".
وتابع: "لذلك وراء قوات الدفاع الذاتي في القرم وقف عسكريونا وعملوا بحذر وحزم ومهارة"، معبّراً عن اعتقاده أنه لم يكن بالمستطاع إجراء الاستفتاء بشكل آخر، بحرية وشفافية ومساعدة الناس في التعبير عن إرادتهم.
وأضاف: "يجب الأخذ بعين الاعتبار أن أكثر من 20 ألفاً من العسكريين الأوكرانيين المسلحين بشكل جيد كانوا موجودين في القرم. كما كانت هناك 38 وحدة من منظومات "إس-300" ومستودعات للأسلحة والذخائر. وكان من الضروري حماية الناس من احتمال استخدام هذه الأسلحة ضد المدنيين".
وأشار بوتين إلى أن قراره حول القرم نال تأييد جميع أعضاء مجلس الأمن الروسي، مؤكداً أنه "لم يعارض أحد من أعضاء مجلس الأمن الذين ناقشت معهم هذه القضية، كلهم أيدوا موقفي".
وأوضح أنه اتخذ القرار حول انضمام القرم إلى روسيا في اللحظة الأخيرة بعد نشر نتائج استفتاء القرم. وقال: "قبل اللحظة الأخيرة والأكثر من ذلك قبل اليوم الأخير لم أكتب في نص خطابي في الكرملين أنني أحيل إلى مجلس الاتحاد القانون الفدرالي حول انضمام القرم، لأنني كنت أنتظر نتائج الاستفتاء".
وأضاف أن رؤية إرادة سكان القرم كانت مهمة جداً بالنسبة له، لافتاً النظر الى أنه "وعندما اتضح أن نسبة المشاركة في الاستفتاء بلغت 83% وأيد أكثر من 96% منهم الانضمام إلى روسيا اتضح أنها الغالبية الساحقة... في هذه الظروف لم يكن باستطاعتنا التصرف بشكل آخر".
ومن جهة ثانية، عبر الرئيس بوتين عن ثقته بأن تنجح روسيا في التفاهم مع أوكرانيا، قائلاً "ولو في إطار العلاقات بين البلدين أثق بإمكانية التفاهم مع أوكرانيا. ولن نتجنب بعضنا".
خيار القرم
وأشار بوتين إلى أن الروس والأوكرانيين إذا أحبّوا بعضهم فيجب أن "يجدوا طريقاً لفهم بعضهم بعضاً"، مضيفاً أن تحقيق ذلك في إطار عائلة واحدة أمر أسهل من الدولة.
كما عبّر الرئيس عن أمله بأن تفهم أوكرانيا أنه لم يكن باستطاعة روسيا التصرف بشكل آخر في القرم، قائلاً "إذا احترمنا بعضنا البعض فيجب أن نعترف بحق بعضنا البعض في الخيار المستقل. الناس الذين يعيشون في أوكرانيا يجب أن يحترموا خيار سكان القرم".
وفي ما يتعلق بإجراء الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا، اعتبر ان ذلك "أمر مستحيل من دون إصلاح الدستور"، مضيفاً، "وبصراحة ووفق الدستور الأوكراني، إذا لم يتغيّر، فإن إجراء الانتخابات الرئاسية الجديدة في ظروف وجود الرئيس الشرعي أمر مستحيل".
وتابع الرئيس الروسي: "وفق الدستور القائم لا يجوز انتخاب رئيس جديد إذا كان هناك رئيس شرعي على قيد الحياة"، مشيراً إلى أن "أوكرانيا إذا أرادت أن تكون الانتخابات شرعية فعليها أن تغيّر الدستور وتتحدث عن الفدرلة واللامركزية".
وأكد أيضاً أن روسيا لن تعترف بشرعية السلطات الأوكرانية الجديدة، مضيفاً في الوقت نفسه أنها لا تتخلى عن الاتصالات مع كييف.
وقال: "نعتبر اليوم السلطات الأوكرانية غير شرعية، وليس بإمكانها أن تكون شرعية إذا لم تحصل على تفويض وطني شامل لإدارة البلاد. ومع ذلك لا نتخلى عن الاتصالات معها. الاتصالات مفتوحة على مستوى الوزراء".
انهيار تيموتشينكو العصبي
وأكد "إننا على اتصال مع الجميع. يتصدر السيد (بيترو) بوروشينكو الحملة الانتخابية اليوم. ويوجد جزء كبير من أعماله في روسيا، حيث يقوم بإنتاج الحلويات لدينا. أعرف السيدة (رئيسة الوزراء السابقة يوليا) تيموتشينكو شخصياً بشكل جيد. إنها تدعو إلى قتل الروس باستخدام الأسلحة النووية، لكنني أعتقد أنها قامت بذلك نتيجة انهيار عصبي".
وذكّر بوتين بأن تيموتشينكو هي التي وقّعت اتفاقات الغاز المعروفة "التي يرفض زملاؤها في الحزب والمشاركون في توقيعها تنفيذها اليوم".
وقال الرئيس إنه لا يعرف شخصياً ممثلي شرق البلاد أوليغ تساريوف وميخائيل دوبكين، مؤكداً في الوقت نفسه أنه سيعمل مع الجميع.
مشاكل عاطفية
وشدد الرئيس بوتين على أن روسيا كانت دائماً وستبقى إلى جانب أوكرانيا، مشيراً إلى أن مساعدات روسيا لهذا البلد الجار بلغت مليارات الدولارات. وأضاف أن مصالح مشتركة كثيرة تربط البلدين، مؤكداً "علينا طبعاً التعاون والوحدة إذا أردنا أن ننجح". وقال إنه لا بد من إدراك ذلك على الرغم من وجود "مشاكل عاطفية" اليوم.
وكشف الرئيس بوتين عن أن الجزء الأكبر من سفن أسطول البحر الأسود الروسي سينقل من مدينة نوفوروسيسك إلى مدينة سيفاستوبل، مضيفاً أنه "كانت لدينا اتفاقات محددة مع أوكرانيا بشأن تحديث الأسطول لكن هذه الاتفاقات لسوء الحظ كانت تنفذ بشكل ضعيف أو لم تنفذ بشكل كامل وكنا نواجه مشكلات في التحديث. لكن اليوم لن نواجه مثل هذه القضايا. والجزء الأكبر من السفن الحديثة وسفن التموين سينقل إلى سيفاستوبل من نوفوروسيسك".

كما أشار بوتين إلى قدرة القرم الكبيرة في مجال بناء السفن وإصلاحها، لذلك ستتركز الطلبيات الأساسية في هذا المجال في مصانع بناء السفن في القرم، مضيفاً أن وزارة الدفاع الروسية تقدمت لأحد هذه المصانع بطلب يقدّر بـ 5 مليارات روبل.

كذلك أعلن الرئيس بوتين أن روسيا تسعى إلى علاقات طيبة مع الغرب، لكنها لن تسمح لأي أحد بالمزايدة على سعيها في هذا المجال. وقال: "إننا جزء من الحضارة المسيحية المشتركة.. نسعى إلى علاقات جيدة، لكن لا يمكننا أن نسمح بأن يقوم أحد بالمزايدة في هذا الأمر، أي أن تُبنى هذه العلاقات الجيدة على حساب تراجعنا باستمرار عن مصالحنا".
وأشار إلى أن هذا النوع من السياسة قد أوصل روسيا إلى حد لم يعد التراجع عنه ممكناً، "ولذلك قلنا إن لدينا مصالحنا أيضاً".
وتابع الرئيس الروسي قائلاً: "لكننا نريد بناء علاقات جيدة مع جميع شركائنا في الغرب كما في الشرق، وأثناء عملية بلورة المواقف نحتاج إلى أكبر قدر من التنوع في وجهات النظر".
يجيب سنودن
ونفى بوتين أن قيام الاستخبارات الروسية بالتنصت على مواطني البلاد على نطاق واسع، مشيراً إلى أن روسيا لا تملك الوسائل الفنية والأموال التي تملكها الولايات المتحدة للقيام بمثل هذا التنصت.
جاء ذلك في إطار رد الرئيس الروسي على سؤال طرحه الموظف السابق في الاستخبارات الأميركية إدوارد سنودن، حول إمكانية قيام الاستخبارات الروسية بجمع المعلومات بشكل واسع على غرار ما فعلته الاستخبارات الأميركية وتسبب في اندلاع فضيحة تسريبات وثائق سرية قام بها سنودن.
وأكد بوتين في "الحوار المباشر"، أن الأجهزة الخاصة في روسيا تعمل تحت رقابة صارمة من جانب الدولة والمجتمع، مشيراً إلى أن القانون يحدد نشاط هذه الأجهزة.
من جهة أخرى، أشار الرئيس الروسي إلى أن الاستخبارات الروسية قادرة على استخدام كافة الوسائل الفنية المتوفرة لديها، بل ويجب أن تستخدمها، من أجل مواجهة الجرائم بما فيها الإرهاب. كما أشار بوتين إلى وجود مشاكل في الحوار مع الأوروبيين لأن بعضهم "يتكلمون همساً" حتى في البيت، خوفاً من التنصت من قبل الأميركيين.
وقال الرئيس الروسي بهذا الصدد إن العديد من الدول الأوروبية تخلّت طوعاً عن جزء كبير من سيادتها، بما في ذلك بسبب سياسة الأحلاف. وأضاف أنه من الصعب أحياناً التوصل إلى اتفاق بشأن قضايا جيوسياسية مع الأوروبيين، لأنهم يتحدثون "بصوت خافت حتى في البيت".
راسموسن يسجل حديثي
وقال بوتين إن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أندرس فوغ راسموسن، كان قد قام سابقاً بتسجيل محادثات شخصية بينهما ثم نشر هذه المحادثات في وسائل الإعلام من دون إذن الرئيس الروسي، موضحاً أن ذلك حدث عندما كان يشغل راسموسن منصب رئيس وزراء الدنمارك. وأكد بوتين أن مثل هذه الحوادث تؤثر سلباً في مستوى الثقة بين روسيا والغرب.
وعن العلاقات الروسية الأميركية أكد بوتين أن "إعادة تشغيل" العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة انتهت بعد الأحداث في ليبيا لا بسبب الوضع في القرم، مضيفاً، "لم تنته الآن بسبب القرم. أعتقد أنها انتهت قبل ذلك، فوراً بعد أحداث ليبيا".
وذكّر بوتين بأن الرئيس الروسي آنذاك ديميتري مدفيديف (رئيس الحكومة الحالي) أيد في ذلك الوقت الشركاء الغربيين في القرار حول ليبيا.
وأضاف: "لكن عما تحدث هذا القرار؟ تحدث عن وقف تحليق الطائرات العسكرية التابعة للحكومة الليبية. وإلامَ أدى ذلك؟ إلى إنزال ضربات بالأراضي والإطاحة بـ(الزعيم الليبي معمر) القذافي نفسه وقتله ثم قتل السفير الأميركي وانهيار البلاد".
وأشار إلى أن هذه الأحداث بالذات تسببت في انعدام الثقة وانتهاء "إعادة التشغيل"، مؤكداً في الوقت نفسه اهتمام روسيا بتطوير العلاقات مع الولايات المتحدة.
وأضاف بوتين أن موسكو ليست مسؤولة عن فقدان الثقة المتبادلة بين روسيا والولايات المتحدة، قائلاً "أوافق على أن الثقة فقدت بشكل كبير. لكن لماذا يحدث ذلك؟ نعتقد أنه لا ذنب على روسيا في ذلك". وأعلن أن استئناف الثقة يتطلب التخلي عن المواقف القائمة على المعايير المزدوجة، مشيراً إلى ضرورة "الأخذ بعين الاعتبار مصالح الجانبين واستخدام لغة مشتركة وتطهير السياسة الدولية من المقاييس المزدوجة والكذب، وتعزيز أهمية القانون الدولي لا سياسة القوة. آمل بأن يكون هذا ممكناً. وروسيا بلا شك ستسعى لذلك".
واستغرب بوتين من تخلي الولايات المتحدة عن توقيع اتفاقية ملزمة قانونياً بشأن منظومة الدرع الصاروخية، رغم أنهم يقولون إن تلك المنظومة لا تستهدف روسيا. وقال:" نقترح توقيع ورقة (اتفاقية) تشير إلى أن الدرع الصاروخية لا تستهدفنا. لكن الأميركيين يرفضون ولا يريدون قبول ذلك".
وأضاف قائلاً: "سنتحلى بالصبر وسنجري مفاوضات. وعلى كل حال فإن روسيا ستبذل كل ما في وسعها لضمان أمن مواطنيها"، مشيراً الى أنه "عندما يستمرّ نشر مكونات الدرع الصاروخية في أوروبا نجد أنفسنا مضطرين إلى اتخاذ خطوات جوابية".
ورأى أن "ذلك سباق تسلح"، متسائلاً "ولماذا نفعل ذلك؟ ألا يُستحسن حل تلك المشكلة عن طريق التعاون في تحديد اتجاهات إطلاق الصواريخ وطرق قيادة منظومات الإدارة إذا كانت هناك أية أخطار صاروخية".
وعبّر عن عدم خشيته من توسع "الناتو"، قائلاً، "علينا أن ننطلق من الحقائق". وقال "يجب أن يقيم الوضع تقييماً موضوعياً.
أعاد بوتين إلى الأذهان أن قيادة "الناتو" كانت تعلن سابقاً عن غياب خطط توسّع نحو الشرق، ثم بدأت في توسيع الحلف على حساب البلدان السابقة لمعاهدة وارسو وبلدان البلطيق والجمهوريات السابقة للاتحاد السوفياتي. وقال، "سبق لي أن سألت: لماذا تفعلون ذلك وما مغزى خطواتكم؟ هل هو ضمان أمن تلك البلدان؟ هل تظنون أن أحداً يهاجمها؟ فيكفي أن توقعوا معها اتفاقية صداقة ومساعدة متبادلة، بما فيها في المجال العسكري. وسيكون أمنها مضموناً. وسمعت كل مرة رداً مفاده: "الأمر لا يهمكم لأن الشعوب والبلدان لديها الحق باختيار طريقة ضمان أمنها".
وأكد "أنها حقيقة. لكن هناك حقيقة أخرى تكمن في أن البنية التحتية للحلف تقترب من حدودنا، ما يثير بعض المخاوف والأسئلة. وعلينا أن نتخذ بعض الخطوات الجوابية. وهذه حقيقة أيضاً. ولا يمكن أن يمنعنا أحد من ذلك".
وردّ بوتين مازحاً على ملاحظة مفادها أن خطوات "الناتو" تخلق أجواء خانقة بالقول، "نحن سنخنق الجميع. فلا خوف عليكم".
من جهة أخرى اعتبر بوتين بأن العلاقات الروسية الصينية ستكون العنصر الأهم في السياسة الدولية. وقال إن هذه العلاقات "تتطور بنجاح ووصلت إلى مستوى عالٍ لا سابقة له من الثقة والتعاون"، موضحاً أن ذلك يتعلق بالمجال السياسي وكذلك الرؤى المشتركة للساحة الدولية وضمان الأمن في العالم".
وبشأن التعاون العسكري مع الصين أكد بوتين أنه وثيق إلى حد كبير، قائلاً "بدأنا إجراء تدريبات مشتركة في البحر وفي البر، في روسيا وفي الصين، يسمح ذلك لنا بالقول إن العلاقات الروسية الصينية ستكون العنصر الأهم في السياسة الدولية وستؤثر على هيكل العلاقات الدولية بشكل كبير".
وأشار الرئيس الروسي إلى أن موسكو لا تطرح مسألة إقامة حلف سياسي عسكري مع الصين لأن "نظام الأحلاف فات أوانه". وذكّر بوتين بأن حلف "الناتو" أقيم لمواجهة الاتحاد السوفياتي وسياسته في شرق أوروبا وكذلك لمواجهة حلف وارسو، إلا أنه ما زال موجوداً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي".
وأضاف: "يقال لنا إنه (الأطلسي) يتحول ويصبح منظمة سياسية أكثر"، وتابع متسائلاً "ضد مَن يعمل الناتو؟ إلى أين يتوسّع؟ إلى حدودنا؟ ولماذا؟".
جمهورية ترانسنيستريا
ومن جهة أخرى، أكد الرئيس الروسي أن على أوكرانيا ومولدوفا رفع الحصار عن جمهورية ترانسنيستريا، مشيراً إلى أن سكان هذه الجمهورية يعانون من انعكاسات هذا الحصار. وأضاف بوتين أن تشكيلات أوكرانية متطرفة توجهت إلى الحدود مع ترانسنيستريا. ودعا إلى إنهاء هذا الوضع على الفور، مؤكداً ضرورة السماح للمواطنين هناك بأن يقرروا مصيرهم. وتعهّد بالعمل من أجل تحقيق هذا الهدف بالتعاون مع شركاء موسكو وبالاعتماد على سكان ترانسنيستريا نفسها.
ووصف الرئيس الروسي النزاع في ترانسنيستريا بأنه من النزاعات الأكثر تعقيداً التي بقيت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، مشيراً إلى أن مواطني ترانسنيستريا يؤيدون روسيا وأن كثيرين منهم يحملون الجنسية الروسية، ومؤكداً أن لديهم تصورهم الخاص حول مستقبلهم.
وأصبح "الحوار المباشر مع فلاديمير بوتين" هو الحوار الـ12 بالنسبة للرئيس، وتزداد مدة حواره التلفزيوني التقليدي هذا كل عام، وقد استمر العام الماضي 4 ساعات و48 دقيقة.