الجيش يختبر ورقة بن صالح: الحلّ الدستوري قبل السياسي في الجزائر

الجيش يختبر ورقة بن صالح: الحلّ الدستوري قبل السياسي في الجزائر

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٩ أبريل ٢٠١٩

يُنتظر أن يجتمع البرلمان الجزائري بغرفتَيه اليوم، لتثبيت شغور منصب رئيس الجمهورية، وتعيين رئيس مجلس الأمة رئيساً مؤقتاً للدولة لمدة ثلاثة أشهر. وبذلك، سيكون عبد العزيز بوتفليقة، رسمياً، خارج المنصب الذي قضى فيه 20 سنة، لتبدأ مرحلة جديدة بدأت تثير العديد من المخاوف في ما يتعلق بطريقة تسييرها
 تشهد الجزائر، اليوم، حدثاً مفصلياً، باجتماع البرلمان بغرفتَيه للتصويت على شغور منصب رئيس الجمهورية، ما يعني تثبيت الاستقالة التي تقدم بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للمجلس الدستوري في الثاني من نيسان/ أبريل الماضي. ومن غرائب هذا الحدث، أن أحزاب الموالاة التي كانت تساند بقوة، قبل شهرين من اليوم، الولاية الخامسة لبوتفليقة، هي نفسها التي ستصوّت في البرلمان على رحيله من الحكم، بعد إعلان أحزاب المعارضة مُجتمعة مقاطعتها هذا الاجتماع، لأنها ترفض، كما ذكرت في بياناتها، تزكية رئيس مجلس الأمة رئيساً للدولة، وإعطاءه شرعية بحضورها، بينما هو مرفوض من الحراك الشعبي.
وفي وقت انتظر فيه الحراك، بعد الجمعة الأخيرة، استجابة لمطالبته برحيل «رموز النظام» من الواجهة، تسير الأمور عكس ذلك تماماً، إذ يُنتظر أن يُنصَّب اليوم رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، كرئيس مؤقت للدولة. وطُرحت أسماء في الأيام الأخيرة، على رأسها صالح قوجيل (أحد مجاهدي الثورة الجزائرية زمن الاستعمار الفرنسي)، لتعويض بن صالح في رئاسة مجلس الأمة، تمهيداً لتنصيبه رئيساً للدولة، لكن هذا الأمر لم يتم، وهو ما يمكن تفسيره بأن قيادة الجيش لم تشأ التدخل في هذا المسار. وتشير مصادر «الأخبار» في مجلس الأمة إلى أن بن صالح ليس بالشخصية العنيدة أو المقاومة التي يُمكنها أن تواجه رفض الجيش له، وهو ما يشير إلى وقوع ترتيبات قبل الوصول إلى هذه اللحظة. وتتحدث المصادر عن أن بن صالح كان لا يُحبّذ في الأصل تولّي هذه المهمة بسبب ظروفه الصحية؛ إذ يعاني الرجل منذ فترة من مرض مزمن، قلّل بشكل واضح من نشاطاته، كما أنه لا يريد أن يُصبح في مرمى الحراك الشعبي الذي كان واضحاً في المطالبة برحيله.
وينبئ ترابط الأحداث الأخيرة بأن قيادة الجيش تريد أن تصل إلى حلّ يكون في إطار الدستور الحالي، مع ترك هامش مناورة يسمح لها بالخروج عن الدستور إذا اقتضت الحاجة. فرئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، لم يظهر بشكل رسمي وعلني منذ البيان الأخير للجيش في 2 نيسان/ أبريل، الذي أُعلنت استقالة بوتفليقة عقبه مباشرة، وكان بإمكانه التدخل عقب تظاهرات الجمعة الأخيرة الرافضة بشكل واضح لأن يكون رئيس مجلس الأمة الحالي رئيساً للدولة، لكنه لم يفعل، وأجّل إطلالته الرسمية إلى اليوم، بعد أن يكون بن صالح قد أصبح بفعل الدستور رئيساً مؤقتاً للدولة. وهذا ما يشير، بحسب متابعين، إلى أن رئيس الأركان يريد اختبار ورقة بن صالح، من دون أن يكون في الواجهة كمساند له، ثم في حال تصاعد الحراك الشعبي الرافض لبقائه، قد يتدخل لفرض حل سياسي، بعد أن يكون الحل الدستوري قد استُنفذ تماماً.
لكن هذه الطريقة في معالجة الأزمة تجد لها انتقادات واسعة، على الرغم من تصاعد شعبية رئيس أركان الجيش بعد قراراته الأخيرة، إذ إن الدفع بعبد القادر بن صالح كرئيس للدولة قد تكون له تبعات وخيمة على الوضع الحالي، بسبب الرفض القاطع للحراك الشعبي له. وسيدفع ذلك إلى تصعيد غير مسبوق من المتظاهرين، سيُعقّد من الأزمة السياسية. وقد تتحول قيادة الجيش، بفعل ذلك، إلى أحد أطراف الأزمة بدل أن تدفع إلى الحل. ولا يبدو أن المراهنة على عامل الوقت لإضعاف الحراك مُجدية، في وقت يستعدّ فيه الكثير من النقابات لإضرابات واسعة إذا ما بقيت الأمور على حالها. وتُحاول أحزاب المعارضة جاهدة الإقناع بضرورة تبني حل سياسي، من خلال الذهاب إلى فترة انتقالية تقودها شخصية وطنية تقوم بتعيين حكومة كفاءات وطنية لتسيير المرحلة، وترتيب ظروف إجراء انتخابات نزيهة يتم على أساسها تسليم السلطة.
ويعود رفض قطاع واسع من الجزائريين تطبيق المادة 102 بحرفيتها، إلى كونها لا تضمن تحقيق مطالب التغيير الجذري للنظام. فهذه المادة تفرض الذهاب إلى انتخابات رئاسية في ظرف ثلاثة أشهر، بإشراف الحكومة الحالية التي تمنع أيضاً تعديلها أو إقالتها. ويثير الوزير الأول الحالي، نور الدين بدوي، المخاوف، انطلاقاً من أنه كان وزيراً للداخلية وأشرف على الانتخابات الرئاسية لسنة 2014، والانتخابات التشريعية لسنة 2017، وانتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة في أواخر 2018، والتي احتجّت كل أحزاب المعارضة على مصداقية نتائجها، واتهمت وزير الداخلية بتزويرها بما يخدم مُحيط الرئيس. ولا يُمكن، على هذا الأساس، استئمان بدوي على انتخابات رئاسية، تأتي بعد حراك شعبي نادى بتمكين الجزائريين لأول مرة في تاريخهم من حرية اختيار رئيسهم المقبل، من دون أن تتدخل أي جهة في النظام لفرض هذا الرئيس.
وما بات يثير المخاوف كذلك، عودة مظاهر الدولة الأمنية في الأسبوع الأخير، بمنع ناشطين نقابيين من التظاهر واعتقالهم، ومنع صحافيين من التجمع، واعتقال ناشطين حقوقيين، على غرار المحامي صالح دبوز قبل يومين. ويشير بعض المعلومات إلى أن السلطات ترفض أيّ تجمعات في أيام الأسبوع، عدا يوم الجمعة، وهو ما بات يتأكد من خلال تفريق كل التظاهرات والمسيرات في اليومين الأخيرين، وآخرها وقفة عمال التلفزيون الجزائري.