بوش 2003 و ترامب 2019: المشهد يتكرّر؟

بوش 2003 و ترامب 2019: المشهد يتكرّر؟

أخبار عربية ودولية

الأحد، ١٠ مارس ٢٠١٩

كثيرة هي الأحداث التي تتكرّر على مرّ التاريخ، ولعلّ حديث ترامب حول الانتصار على تنظيم داعش الإرهابي ونهايته يعيدني إلى خطابات بوش ولاسيّما تلك التي أعلنها من على حاملة الطائرات "أبراهام لنكولن" عندما أعلن الانتصار بعد أشهر من العدوان الأمريكي على العراق.
 
ترامب تحدّث عن الانتصار على داعش، وهناك من ينتظر خطاب النصر الذي سيتباهي فيه الرئيس الأمريكي بالانتصار النهائي، تماماً كما فعل الرئيس السابق جورج بوش الذي خسرت قواته بعد خطاب إعلان النصر أضعاف ما خسرته منذ بدء العدوان حتّى خطاب النصر المزعوم.
 
وبين النصر والتشكيك تفرض علينا الظروف القائمة حالياً إجراء مقارنة سريعة تسهّل على القارئ اختصار المشهد بين ما قدّمه بوش في العام 2003 وما سيقدّمه ترامب في العام 2019.
 
في الشكل، يسعى الرجلان لتحقيق مكاسب سياسيّة في دورتهم الانتخابيّة الأولى بغية كسب المزيد من التأييد الشعبي والوصول إلى الرئاسة في الدورة الثانية.
 
نجح بوش في ذلك، ولكن يبقى ترامب أمام اختبار الزمن الذي سيحدّد مصيره في ظل هذا العداء الذي يعيشه مع مختلف الاتجاهات والشخصيات والمؤسسات في أمريكا.
 
وأما في المضمون فرغم بعض الاختلافات القائمة بين بوش 2003 وترامب 2019، إلا أن هناك جملة من التشابهات التي يجب الإشارة إليها:
 
إن هذا الانتصار الذي تحدّث عنه بوش كان تحت ذريعة أسلحة الدمار الشامل التي اعترف بوش نفسه بعدم العثور عليها وأنها كانت ذريعة لا أكثر.
 
اليوم ترامب يتحدّث عن انتصار جديد على تنظيم داعش الإرهابي، الذي كان بدوره ذريعة للتدخل الأمريكي في سوريا والعراق، فبعد أن خرج الأمريكي من العراق تحت ضربات المقاومة العراقيّة، دخل عبر نافذة داعش، ليس إلى العراق فحسب بل إلى سوريا أيضاً، وتحت مظلّة التحالف الدولي.
 
لقد اعترف جورج بوش في مذكرّاته بعد أكثر من عقد على احتلال العراق أن "ما فعلناه في العراق كان خطأ فادحاً"، فهل سيعترف ترامب بعد عقد من الزمن على أنّ "ما فعلناه في سوريا كان خطأ فادحاً"؟ هو يقول هذا الأمر من قبل ويحمّل أوباما مسؤوليته، ولكن هل سيرمي هذه الكرة في ملعب العسكر للتملّص من التبعات؟
 
لم يلغِ التطرّف الذي كان قائماً في إدارة بوش وجود نوع من الخلافات في هذه الإدارة ولاسيّما أنه أعاد تشكيل الفريق المسؤول عن إدارة ملف العراق، اليوم يتكرّر المشهد مع ترامب الذي يحاول الخروج سريعاً من سوريا وفق وعوده الانتخابيّة، في حين يقول القائد الأعلى للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط جوزيف فوتيل، إن انتهاء المعركة ضد تنظيم داعش الإرهابي لا يزال بعيداً، رغم محاصرتهم في آخر جيب لهم في سوريا، فهل هذه مناورة لتحصيل مزيد من المكاسب في العملية السياسيّة أم لا؟ تدرك واشنطن انكسار مشروعها في سوريا وما تسعى إليه اليوم هو الحدّ من الخسائر لاسيّما أنها ليست في الموقع الذي يسمح لها بفرض الشروط كما كان الوضع في العراق سائداً.
 
كانت أسلحة الدمار الشامل هي السبب الرئيس في احتلال العراق، وقد تبيّن لاحقاً أنها فبركة إدارة بوش، نحن اليوم أمام مشهد متقارب فترامب نفسه قدّ اتهم باراك أوباما وهيلاري كلينتون بالوقوف خلف تنظيم داعش الإرهابي، فكيف له أن ينتصر عليهم إذا ما كانت الإدارة الأمريكية هي التي أوجدتهم؟ هناك العديد من التقارير والوقائع التي تؤكد مساندة القوات الأمريكية لتنظيم داعش على الأرض، لاسيّما في المعارك الحسّاسة ضد الجيشين السوري والعراقي والحلفاء لكلا الجيشين.
 
لطالما كانت أمريكا هي الداعم الرئيس لصدام في حربه ضدّ إيران، كما أنها أبرمت معه صفقة سرية لدخوله إلى الكويت لكن تقاسم الحصص قد أفسد هذه الصفقة لاحقاً.
 
اليوم نقول إن أمريكا هي السبب الرئيس في نمو هذه التيارات التكفيرية بدءاً من القاعدة التي استخدمتها في مواجهة السوفيات في أفغانستان، وليس انتهاءً بتنظيم داعش الذي مثلّ الذريعة الكبرى للدخول إلى سوريا، فضلاً عن استهدافها للنظام في سوريا.
 
الذريعة في العراق كانت الإرهاب، وهذا ما حاول بوش إقناع القرّاء به في كتاب مذكراته "قرارات مصيرية"، وإن احتلاله للعراق جاء طمعاً في آبار البترول.
 
اليوم الذريعة نفسها التي تتحدّث عنها الإدارة الأمريكية وهي الإرهاب، ولكن الحقيقة في مكان آخر، هناك أهداف اقتصادية في الشرق السوري، وهناك أهداف سياسية تتعلّق بدور دمشق في محور المقاومة.
 
لم يخرج الأمريكي إلا وقدّ دمّر العراق، وقد خرج مكرهاً تحت وطأة ضربات المقاومة، اليوم الأمر يبدو كذلك حيث إن الأمريكي لا يريد الخروج إلا بعد تدمير سوريا أكثر مما دمّر فيها عبر الوكلاء التكفيريين، فهل سنشهد مقاومة سوريّة للاحتلال الأمريكي إذا ما أصرّت واشنطن على البقاء.
 
نستبعد أن يحصل مثل هذا الأمر لأن ترامب يبحث عن انتصار إعلامي، وهو غير مستعد لتقديم أي خسائر تفقده فرص النجاح في الدورة الثانيّة.
 
هناك بعض النقاط المشتركة الواضحة بين بوش 2003 وبين ترامب 2019، ورغم وجود بعض الفروقات، إلا أن عدم تحقيق المشروع الأمريكي أهدافه، بل تحقيق نتيجة معاكسة من أبرز النقاط المذكورة.