الخلاف الذي أدّى إلى فشل قمة ترامب وكوريا الشمالية

الخلاف الذي أدّى إلى فشل قمة ترامب وكوريا الشمالية

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٣ مارس ٢٠١٩

السؤال المحوري هو هل يعقل أن يملك أي فرد، مهما علا شأنه، ذاك القدر من النفوذ والتأثير على سياسة دولة مؤسسات عظمى بحجم الولايات المتحدة؟ وهل كُلّف جون بولتون، وما يمثله من امتدادات، جر الرئيس ترامب لتلك النهاية المفزعة للسياسة الأميركية. بالطبع بولتون يتصرف بوحي تام من مؤسسة كاملة من الأجهزة السياسية والعسكرية والاستخباراتية وكذلك من مسؤولين لم يبرحوا عقلية "الحرب الباردة" ولا يتوانون عن استعراض العضلات طمعاً في طلب تأييد الجمهور الأميركي وسردية فرادة بلاده و"تزعمها" للعالم.
حمّلت أسبوعية نيوزويك الأميركية 28 شباط/ فبراير مسؤولية فشل لقاء القمة إلى مستشاري الرئيس ترامب قائلة "فشل الاتفاقية نظراً لدور جون بولتون.. وممارسته نفوذه على الرئيس ترامب في اللحظات الأخيرة"، وهو الذي لم يخفِ رغباته في "عدم التوصل لاتفاق من أي نوع مع كوريا الشمالية".
الجانب الكوري الجنوبي، المتابع بكثب لترتيبات وسير المفاوضات، أوضح للمجلة عقبات "اللحظة الأخيرة" التي وضعها بولتون إذ ".. اشترط تضمين كوريا الشمالية نصّاً يلزمها بالكشف ليس عن أسلحتها النووية فحسب، بل مخزونها من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية" أيضاً، وفق رواية وزير الوحدة السابق بين الكوريتين، جونغ سي-هيون، الذي عبر عن تفاؤله "شبه المطلق" توصل الطرفين لإتفاق يعلنان عنه في الجلسة الختامية "متفائل بنسبة 100% تقريباً".
على الطرف المقابل، سرت شكوك قبيل لقاء القمة على مستويات متعددة في الجانب الأميركي تتعلق بصدقية الرئيس كيم جونغ أون في الذهاب لنزع الأسلحة النووية، فنّدته نيوزويك بتقرير ميداني بتاريخ 26 شباط/ فبراير تؤكد فيه على تعويل الرئيس كيم اجراء مفاوضات جادة "باصطحابه فريق كبير من كبار مستشاريه.. على رأسهم نائب رئيس اللجنة المركزية لحزب العمال (الحاكم) كيم يونغ شول، المبعوث الكوري للمفاوضات النووية مع الجانب الأميركي كيم هيوك شول، المدير الأعلى للشؤون الخارجية كيم تشانغ سون، ونائب مدير هيئة الاعلام في الحزب (الحاكم) كيم يو جونغ.. فضلاً عن مدير مكتب الرئيس، وشقيقته الموثوقة (وهي) ربما الشخصية الأشد تأثيراً على توجهات الحزب الحاكم". بل توجه مدير مكتب الرئيس كيم، كيم تشانغ سون، إلى هانوي قبل أسبوعين من انعقاد القمة للإشراف على كافة التفاصيل المتعلقة لإنجاح القمة.
وأضافت المجلة نقلاً عن ضابط وكالة المخابرات المركزية الأسبق والخبير بالشأن الكوري، واين مادسين، أن الرئيس كيم جونغ اون ".. أحدث تغييرات بنيوية في مناصب كبار المسؤولين قبل فترة وجيزة، بصعود عدد من المسؤولين من مرتبات دنيا إلى الأعلى، كمؤشر للقوى الدولية على السير بجدية لإنجاز تسوية ما".
المجموعة الأميركية الداعية لعدم نشر الأسلحة النووية، بلاوشير فَنْد Ploughshare Fund، واكبت الاعدادات وسير المفاوضات بدقة، وأعربت عن موقفها الصريح بأن سردية الجانب الأميركي لا تدعمها الحقائق، بل أنها "أميَل لتصديق" رواية كوريا الشمالية للنتائج المخيبة للآمال "إذ ليس من المستساغ أن يقدم (الرئيس) كيم على السفر مسافة 2،000 ميل لنحو ثلاثة أيام بالقطار دون أن يقدم مطالب عقلانية".
أما المستشار الأميركي، وفق المجموعة، جون "بولتون، على النحو المقابل، فليس له أي رغبة للتوصل إلى اتفاق مع كوريا الشمالية"، حسب توصيف مسؤولة المجموعة كاثرين كيلوغ، منوهة إلى مقالة بولتون المنشورة في يومية وول ستريت جورنال، قبيل انضمامه لطاقم الإدارة رسميا بعنوان "المبرر القانوني لقصف كوريا الشمالية أولاً".
وشاطرها الرأي بمسؤولية بولتون النائب السابق في مجلس النواب جون تيرني، الذي يشغل منصب المدير التنفيذي لمركز الحد من انتشار الأسلحة في واشنطن، قائلاً ".. بولتون أوضح بمعنى الكلمة أنه لا يؤمن بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية".
السؤال المحوري هو هل يعقل أن يملك أي فرد، مهما علا شأنه، ذاك القدر من النفوذ والتأثير على سياسة دولة مؤسسات عظمى بحجم الولايات المتحدة؟ وهل كُلّف بولتون، وما يمثله من امتدادات، جر الرئيس ترامب لتلك النهاية المفزعة للسياسة الأميركية. بالطبع بولتون يتصرف بوحي تام من مؤسسة كاملة من الأجهزة السياسية والعسكرية والاستخباراتية وكذلك من مسؤولين لم يبرحوا عقلية "الحرب الباردة" ولا يتوانون عن استعراض العضلات طمعاً في طلب تأييد الجمهور الأميركي وسردية فرادة بلاده و"تزعمها" للعالم.
تلك المؤسسة وبعض عقلائها ينطلقون من مسلمة استمرار الحرب ".. التي لا يُقصد منها أن تنتصر بل أن تستمر،" كما وصفها بعض الخبراء الاستراتيجيين؛ مما يعزز فرضية ما ذهبنا إليه أعلاه بأنها تطمح لاستمرار الوضع الراهن بما فيه "التعايش مع كوريا الشمالية واسلحتها النووية"، كي توفر الأرضية لاستمرار ابتزازها للدول الإقليمية بشكل رئيس.
هانوي
عند الساعة الثانية بعد الظهر، بتوقيت هانوي، عقد الرئيس ترامب مؤتمراً صحافياً على عجل ليفسر "أسباب انهيار" لقاء القمة محملاً المسؤولية لكوريا الشمالية لاصرارها على "رفع تام لنظام العقوبات". 
وأضاف بمرارة أن الفريق الأميركي المرافق له "أعدّ وثائق للتوقيع من قبل الطرفين". بل أبلغ المكتب الإعلامي للبيت الأبيض الصحافيين الأميركيين موعداً محدداً "لاحتفالية التوقيع"، دون التطرق لطبيعة بنود الاتفاقية التي لم ترى النور.
وفد كوريا الشمالية، ممثلاً بوزير الخارجية ري يونغ هو، سارع بعقد مؤتمر صحفي مباشرة بعد الرئيس ترامب مما يوحي الأهمية البالغة التي "اضطرته" لعقد مؤتمرٍ موازٍ لعرض وجهة نظره على الفور مبيناً أن بلاده "عرضت على الجانب الأميركي عزمها على تقنين مبادرتها بتاريخ 20 نيسان (2018) لوقف التجارب على الصواريخ الباليستية طويلة المدى والمركبات النووية".
يشار إلى أن سلسلة المفاوضات الثنائية السابقة تمحورت حول المنشأة النووية في "يونغ بيون التي تحوي بداخلها مفاعلاً نوويا يعمل بغاز الغرافيت بطاقة 5 ميغاوات، ومعدات الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم". أما مراكز الأبحاث في الموقع المشار إليه ومنشآت أخرى فهي باقية ولم تدرج ضمن العرض الكوري أو إثارتها من الطرف الأميركي.
وزير الخارجية لكوريا الشمالية مضى موضحاً في لقائه الصحفي في هانوي قائلاً إن بلاده "كان لديها مطالب متسلسلة غاية في الوضوح" أبلغتها مراراً للجانب الأميركي أبرزها "رفع نظام العقوبات الخمسة الأخيرة من قبل مجلس الأمن الدولي مقابل (تفكيك) منشآت الانتاج النووية في منطقة يونغ بيون".
مجموعة بلاوشير فَنْد وخبراء أميركيين أخرين أوضحوا لاحقاً أن الجانب الكوري الشمالي مضى قدماً بناء على "وعود" أميركية برفع نظام العقوبات، مرحباً باتفاق ينهي حالة الحرب في شبه الجزيرة الكورية عارضاً  استعداده لافتتاح مكتب أميركي للتنسيق في العاصمة بيونغ يانغ. ولعل هذا الأمر ما دفع اصطفاف مسؤولة المجموعة وآخرين إلى "تصديق رواية كوريا الشمالية".