خطوة ناقصة للمبعوث الأممي الجديد إلى سورية

خطوة ناقصة للمبعوث الأممي الجديد إلى سورية

أخبار عربية ودولية

الأحد، ١٧ فبراير ٢٠١٩

أراد المبعوث الأممي الجديد إلى سوريا غير بدرسون أن ينتهج أسلوباً مختلفاً عن سلفه ستافان دي مستورا بالتعاطي مع الاعلام، أي بعيداً من الكاميرات والمؤتمرات الصحافية، التي كان يعشقها المبعوث السابق، فضّل بدرسون في أول لقاء له مع الاعلام أن يعقد جلسة "فنجان قهوة وكرواسون" مع صحافيي الأمم المتحدة في الطابق الثامن من قصر الأمم في جنيف، وهو أسلوب أقرب إلى الدردشة منه للمؤاتمرات التقليدية، وهذا ما يفضله الصحافيون الذين يحصّلون في مثل هذه اللقاءات الكم الأكبر من المعلومات من دون أن يشعر المتحدث برهبة الكاميرا أو التقيد ببروتوكولاتها.
 
نجح بدرسون بالتميز عن سلفه، فكان اللقاء الأول مريحاً، لكن ماذا عن المضمون، ماذا عن خطط المبعوث الأممي؟ وهل هي بدورها مختلفة عن خطط دي مستورا؟، أو هل لديه مقاربة جديدة قادرة على إخراج حيثيات القرار 2254 من مأزقه والانطلاق إلى مرحلة التطبيق؟.
 
في اللقاء الذي دام أكثر من نصف ساعة بقليل، قدم المبعوث الأممي شرحاً مفصلاً عن الزيارات التي قام بها منذ استلامه مهامه مطلع العام، واللقاءات المختلفة التي عقدها في دمشق أولاً، حيث لاقى "حفاوة واهتماماً ووعوداً بتسهيل مهمته"، وفي الرياض ثانياً، مع الهيئة العليا للمفاوضات، ومن ثم مع الدول والقوى المؤثرة في الأزمة السورية، والجميع أيضاً وعد بتسهيل مهمته "لتطبيق القرار الدولي".
 
شرح جوانب متعددة لزوايا الأزمة السورية ومضمون القرار الدولي 2254 ورؤية الأمم المتحدة لتطبيقه عبر التوصل أولاً إلى دستور جديد يؤدي لاحقاً إلى انتخابات برعاية أممية، ولكن قبل كل شيئ، يجب البدء بإجراءات بناء الثقة "بين الطرفين"، ومن هذه الإجراءات إطلاق سراح المعتقلين، والعمل على كشف مصير المفقودين.
 
عن اللجنة الدستورية، لم يقدم غير بدرسون أي جديد بهذا الشأن، سوى أنها "باب محتمل للعملية السياسية"، والتمني بأن تجتمع قريباً في جنيف، لم يأت على العقدة الأساس التي واجهت تشكيل هذه اللجنة وأخرت اجتماعها والموقف من الأسماء الخلافية التي دفعت بستافان دي مستورا إلى إنهاء ولايته دون تحقيق هذا الانجاز، كما كان يتمنى.
 
وكما المبعوث السابق، أوضح غير بدرسون أنه يراهن على إجراءات بناء الثقة بين الحكومة والمعارضة المتمثلة بالهيئة العليا للمفاوضات (SNC)، ويعتبر ذلك مقدمة للمضي قدماً ليس في مسار انعقاد اجتماعات اللجنة الدستورية فقط، إنما مراهنته الأساسية تبقى على إعادة إطلاق مفاوضات جديدة بين الحكومة وهذه المعارضة، وهي صيغة قديمة، أو الصيغة التي عمل دي مستورا عليها طيلة أربع سنوات، أي في مرحلة كانت فيه مهمة المبعوث الأممي أسهل، عندما كان لهذه المعارضة حضوراً في أوساط المجموعات المسلحة في الميدان السوري، وعندما كانت تحظى بدعم دولي منقطع النظير ومن قبل مجموعة من الدول، بعضها أعاد العلاقات مع دمشق، والبعض الآخر يعمل لادإعادتها قريباً.
 
أكد بدرسون في دردشته مع الصحافيين، أن لا حل في سوريا "سوى الحل التفاوضي"، وأنه من الواضح أنه في الحل التفاوضي "يجب أن يجلس الطرفان معاً وبدء مفاوضات حقيقية"، ولكن السؤال: من هي الجهات التي ستجلس بصيغة دي مستورا للتفاوض؟ أو بالأحرى من هي الجهة التي ستفاوض في مقابل الحكومة السورية؟ وما هو حجم تمثيل الهيئة العليا للمفاوضات على المستوى الشعبي أو على مستوى الاعتراف الدولي؟.
 
صحيح أن القرار 2254 نصّ على مفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة، وقد سمى بالاسم المعارضة المنبثقة عن الهيئة العليا، إلى جانب المجموعات المعارضة الأخرى، ولكن هذا الواقع بات اليوم وبعد التغييرات الميدانية محصوراً فقط بورق القرار الأممي ولا ترجمة فعيلة له في أي مكان آخر، حتى لدى الدول التي دعمت تشكيل هذه الهيئة، والسؤال الأهم: ما الذي يجبر دمشق على الجلوس مع هذه المعارضة اليوم وقد حققت الحكومة السورية انتصارات شبه نهائية في الميدان، والكل يعلم، حتى بدرسون نفسه، أن استعادة الجزء الأخير الخارج عن سيطرة الحكومة السورية أي في إدلب، ينتظر نهاية الانتخابات التركية، والتأخير بهذه الخطوة أتى تلبية روسية لرغبة انتخابية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
 
في الرد على السؤال الأخير، أشار بيدرسون إلى أن لديه أفكاراً جديدة "لا يريد الحديث عنها أمام العامة حالياً"، فهل يعني ذلك أن لديه خططاً مختلفة عن خطط دي مستورا؟.
 
لأن ما عرضه حتى الآن لم يخرج عن السياق العام لسيناريو المبعوث السابق، بل أكثر من ذلك، نلاحظ عودة إلى الوراء أي إلى ما قبل المساعي الأخيرة لدي مستورا بتشكيل اللجنة الدستورية، أهمية هذه اللجنة أنها قائمة على أساس المثالثة، 50 عضواً للحكومة، و50 للمعارضة المنبثقة عن مؤتمر الرياض، والـ50 الثالثة تمثل أطرافاً من خارج الفريقين، أي من المجتمع المدني، وإعادة تصويب النقاش من قبل المبعوث الجديد حول مفاوضات بين طرفين تلغي إمكانية وجود طرف ثالث، مهما كان حجم تمثيل هذا الطرف، ويعيدنا إلى الجولات المكوكية التي جرت منذ العام 2014 على عهد الأخضر الإبراهيمي وانتهت نهاية العام 2017 مع ستافان دي مستورا من دون أن تحقق أي تقدم.
 
في ختام اللقاء مع الصحافيين، أكد المبعوث الخاص أن "سوريا ستخرج من الأزمة".
 
حتى الآن لم يقدم بدرسون أي جديد مختلف عن دي مستورا، فالأوضاع في سوريا تغيرت عما كانت عليه في بداية مهمة دي مستورا، وعلى الأمم المتحدة أن تقارب هذه الأزمة بنظرة جديدة وباستراتيجية لا تعيد تكرار خطط أثبتت فشلها.