تل أبيب بعد الجولة الصاروخية: سقوط استراتيجية «المعركة بين الحروب»؟

تل أبيب بعد الجولة الصاروخية: سقوط استراتيجية «المعركة بين الحروب»؟

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٢٣ يناير ٢٠١٩

احتفاء إسرائيلي سياسي وإعلامي بالتصدي لصاروخ أرض ــــ أرض سوري أُطلق بالتزامن مع هجوم شنه العدو على دمشق. لم يكد يوقف هذا الاحتفاء سوى بعض التساؤلات التي وضعها باحثون عن حقيقة الردع... وما تغفله القيادة السياسية عمداً
 
يمكن لإسرائيل أن تتباهى بقدراتها الدفاعية التي نجحت في اعتراض صاروخ أرض ـــ أرض سوري، مع أنه ــــ بالمناسبة ــــ صاروخ واحد وليس صلية صواريخ، لكنها لن تستطيع تجاهل الرسائل والدلالات التي ينطوي عليها قرار إطلاق الصاروخ، وما الذي أراد متخذ القرار أن يقوله لقادة العدو. أيضاً يمكن لإسرائيل أن تتباهى بقدراتها التكنولوجية والعسكرية لكنها لن تستطيع أن تتجاهل أن مساعيها لتعزيز ردعها تصدعت في لحظة إطلاق الصاروخ، وأن مفاعيل الهجوم على دمشق لن تكون مغايرة للهجمات التي سبقت الصاروخ المعترض. 
 
من جهة أخرى، يمكن لإسرائيل أن تحوّل في وسائل إعلامها اعتراض الصاروخ إلى حدث احتفالي تتحدث فيه عن معرفة مسبقة بنيات الرد عليها، لكنها لا تستطيع أن تتجاهل أنها لم تُفاجِئ أحداً بمعرفتها المسبقة، بل إن كل متابع للتطورات في الساحة السورية والإقليمية يدرك أن المسار يتجه نحو ارتفاع احتمالات تحول أي حادثة إلى مواجهة واسعة، وهو تقدير معلن تتبناه المؤسسة الاستخبارية في إسرائيل، ومعاهد الأبحاث.
في كل الأحوال، حرصت إسرائيل على مقاربة الجولة الصاروخية التي شهدتها الساحة السورية، على جبهة الجولان، عبر التركيز الإعلامي والسياسي على الرسائل التي حاولت إيصالها إلى الأطراف ذات الصلة. إذ قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب «لن تسمح لإيران بتعريض أمنها للخطر وبإقامة قواعد أمامية لها في سوريا». في الوقت نفسه، تحدث الجيش عن «الاستعداد التام للتعامل مع أي سيناريو محتمل»، وأنه «سيواصل العمل للحفاظ على أمن سكان إسرائيل».
وعلى صعيد الإعلام، احتلّ الاحتفال باعتراض الصاروخ والرد الإسرائيلي صدارة الأنباء، في محاولة للتغطية على الرسائل التي ينطوي عليها إطلاق صاروخ أرض ــ أرض في وضح النهار ويحمل رأساً انفجارياً بمئات الكيلوغرامات. وتركز الحديث في غالبيته على أن إيران خططت لاستهداف إسرائيل، متجاهلين حقيقة أنه ردٌّ على الاعتداءات الإسرائيلية.
مع ذلك، صدرت دعوات من بعض الخبراء المختصين الذين يحذرون من مواصلة هذا المسار، لما قد يترتب عليه من تداعيات تطاول إسرائيل. في هذا الإطار، رأى الباحث رون طيرا، في «معهد أبحاث الأمن القومي» في تل أبيب، أن استراتيجية المعركة بين الحروب «سقطت ضحية نجاحها»، مبيّناً أنها كانت دقيقة إلى درجة أن تأثيرها الاستراتيجي كان محدوداً، وهو ما يتضح في أنها لم تدفع اللاعبين ذوي العلاقة إلى إعادة النظر في سياستهم تجاه هذا الموضوع!
وبمناسبة إطلاق صاروخ أرض ــ أرض باتجاه الجولان، قال طيرا إن «الاستقرار في سوريا سيقلص الهجمات الإسرائيلية في أراضيها لأنها ستصبح أخطر»، وتابع: «إيران ستبقى حاضرة في سوريا بهذا الشكل أو ذاك، وستكون لديها قدرة للوصول إلى المطارات، ويبدو أنه مع الانسحاب الأميركي من سوريا سيكون المحور البري عن طريق العراق فعالاً أكثر. ولذلك، ستكون لإيران وحزب الله القدرة التقنية لمواصلة نقل أسلحة نوعية إلى سوريا ولبنان». 
كذلك، رأى الباحث أن الاستراتيجية الإسرائيلية يجب أن تستند إلى أمرين: الأول أن يغير اللاعبون ذوو العلاقة سياستهم، أي «أن توقف أو تتخلى إيران عن إقامة منظومة السلاح الدقيق، فيما ينتقل النظام السوري وروسيا إلى مقاومة مجهود إيران وحزب الله المذكور». والأمر الثاني أن تواصل إسرائيل الردع لفترة ضد استئناف مجهود إيران وحزب الله، «فإذا فقدت إسرائيل القدرة على العمل (شن هجمات)، فإنه ستُزال الضغوط على إيران كي توقف مجهودها. ولذلك في الوضع النهائي، يتعين على (معادلة الاحتكاك) أن تجسد قدرة إسرائيل على مواصلة تحقيق غاياتها في سوريا».
وخلص طيرا إلى أنه «منذ 2013 تغير الواقع في الساحة الشمالية بطريقتين؛ الظروف تغيرت بصورة ليست في مصلحة المعركة بين الحروب: الحرب الأهلية تضمحل وسوريا أخذت تستقر، أسلحة الطيران الأجنبية اختفى معظمها من سماء سوريا، جيش (الرئيس السوري بشار) الأسد يعاد بناؤه من جديد، سوريا أصبحت حازمة في معارضتها الهجمات على أراضيها، إيران ردت على الهجمات على الأقل مرة واحدة، والوجود الروسي (السياسي والعملاني) آخذ في الازدياد».
إلى ذلك، قالت تقارير إعلامية إسرائيلية إن الإيرانيين أخلوا مواقعهم قبيل الهجوم الإسرائيلي، وإن إسرائيل أبلغت روسيا بالهجوم الجوي قبيل تنفيذه عبر القناة المشتركة بين الطرفين.