بين الوهابي السعودي و الإخواني التركي

بين الوهابي السعودي و الإخواني التركي

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٦ ديسمبر ٢٠١٨

خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن صمته مؤكداً أهمية السعودية كشريك للأميركي! كم هو بسيط هذا الكلام وكم يحمل في طياته عن مصير العديد من القضايا التي تواجهها المنطقة العربية، التي لا تقل أهمية مصير إحدى دولها العربية عن مصير أية دولة عربية أخرى. ولكن بالنسبة للأميركي، فإن أكثر القضايا حساسية هي تلك التي تتعلق بكل من فلسطين واليمن واللتين ترتبطان بشكل مباشر بوجود وأمن واقتصاد الكيان «الاسرائيلي». ويعد ذلك آخر الكلام بالنسبة للأميركي فيما يتعلق بالقضايا التي أثيرت في الإعلام الغربي والتركي، والتي تتعلق بقضية خاشقجي. فأمريكا ستقف إلى جانب السعودية، على الرغم من كل ما أثير وما قيل وما أثارته وتثيره مواقف ترامب من زوابع في أمريكا والعالم. ويبدو أن مجموع القراءات والانتظارات من أجل فهم أسباب قتل خاشقجي بددتها كلمات ترامب، التي أكدت على عمق العلاقة مع ولي العهد محمد بن سلمان، الذي أعطى الأميركيين سراً وجهارة أكثر مما أعطاهم أي عاهل سعودي حتى اليوم. لقد أهدى السعوديون للإسرائيليين والأميركيين حروباً على الدول العربية، وخاصة في اليمن وسوريا، أكثر مما كان يحلم به ترامب وغيره في سبيل حماية وجود وأمن الكيان «الاسرائيلي».أثيرت زوبعة موت خاشقجي، ليس لأن الرجل يعني شيئاً للأميركيين، أو لأعضاء الكونجرس، سواء كانوا من الديمقراطيين أم الجمهوريين المتحفظين على أسلوب إدارة ترامب للسياسات الأميركية والطريقة التي يدير فيها المنابر دون مراعاة لأية معايير دبلوماسية أو أخلاقية، هذا مع العلم أن المعركة الانتخابية هي التي تدير الخطابات والمواقف السياسية في أمريكا. والحقيقة أنه أياً تكن اليد السعودية التي نفذت حكم الإعدام بحق خاشقجي، فإن القرار يحتمل في «القراءة المعمقة» أن قتله له علاقة باستراتيجية أميركية استخدمت تسهيلات تركية، من أجل فرض تغيير مطروح من أجل إعادة الصراع في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط بالذات، وبالطبع لكل منهم حساباته!في هذا الإطار، جاءت قضية مقتل خاشقجي، التي يحاول الأتراك اللعب على نتائجها من استيلاد موقع جديد للدولة العثمانية الجديدة كمركز للمسلمين في العالم يحل محل السعودية، والذي سيمنح تركيا القوة لتكون الدولة الإقليمية الأكثر فعالية في سياسات العالمين العربي والإسلامي، ومن ثم ستتمكن تركيا من الحيازة على الحظوة عند الأمريكيين وبشكل يؤهلها لتصبح الوكيل على شؤون الإقليمية. اذ إن ما ادعت تركيا كشفه من ملابسات حول مقتل الخاشقجي واختفائه داخل السفارة، يجب أن يطرح التساؤلات حول حجم التورط التركي في هذا الاختفاء وبما كان يأمل الأتراك الوصول إليه من تداعيات هذه القضية. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن خسارة تركيا لخاشقجي كسعودي ينتمي للإخوان المسلمين هو أهم بكثير مما يشكله اختفاء الرجل كمعارض للعائلة المالكة في السعودية. وهذا الكلام ليس لتبرئة السعودية من مسؤوليتها عن مقتل خاشقجي، ولكن هي محاولة لقراءة المصالح المتضاربة ما بين التركي والسعودي في سعيهما المتواصل من أجل السيطرة على العالمين العربي والإسلامي.غير أن حضور ولي العهد السعودي في قمة العشرين في الأرجنتين، واللقاء الخاص المقتضب الذي جمعه مع الرئيس الفرنسي على هامش القمة يحتاج الى قراءة موضوعية، قراءة تكشف أنه رغم جميع الهجمات الإعلامية الغربية المطالبة بمحاكمة أو عزل العاهل السعودي في الآونة الأخيرة، فإن ترامب عاد وفرض ابن سلمان على أنه رجل أميركا الأول في المنطقة، وإن كان المطلب الأوروبي هو إجراء تحقيق دولي على غرار ما حدث في لبنان بما يتعلق بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولربما سيطالب الأوروبيون بمحكمة دولية أخرى تُستنزَف من خلالها الأموال السعودية، وقد يكون المطلب يعبر عن تسوية تطرحها أوروبا من أجل تسوية أوضاعها مع السعودية في سبيل العودة إلى العلاقات التجارية معها.هناك توجه أميركي عام داخل ما يسمى بـ «الدولة العميقة»، يتوجه نحو عزل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والإتيان بشخص آخر مكانه، وقد طرح مؤخراً اسم أخ الملك السعودي وهو أحمد بن عبد العزيز، أو محمد بن نايف والذي هو على علاقات جيدة مع الأميركيين، وهذا ما لا يدعمه ترامب. ويبدو أن الجناح الأميركي الصاعد ضد ترامب يفضل محمد بن نايف على محمد بن سلمان.وهذا الجناح المعارض لسياسات ترامب لم يعد يقتصر على الديمقراطيين فقط بل تمدد ليطول الجمهوريين، مستغلاً تراجع شعبية ترامب ما بين الأعراق المختلفة والتي باتت محصورة ضمناً في مجموعة الدبابير «WASPs»، وهي الأحرف الأولى التي تصف العرق «الأبيض الأنغلوساكسوني المعمداني» المسيطر في أمريكا، والذي ينتمي إليه جميع رؤساء أميركا ما عدا باراك أوباما. وليس غريباً على الدولة العميقة في أمريكا، والتي تضع المخططات التي تسير عليها الحكومات الأميركية المتعاقبة، أن تكون قد قررت عزل ولي العهد السعودي، رغم الصفقات المتلاحقة التي أبرمها لصالح سياسة ترامب، التي اعتمدت سياسة حلب المال من السعودية. وهذا ما ستتكشف أبعاده في السنوات القادمة.