الفلسطينيون يواصلون المقاومة: إسرائيل لا تنعم بالهدوء

الفلسطينيون يواصلون المقاومة: إسرائيل لا تنعم بالهدوء

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٢٥ أكتوبر ٢٠١٨

لم تنجح المحاولات الإسرائيلية لعزل الضفة عن واقع المواجهة المستمرة، تماماً كما لم تنجح في عزل غزة أو المقدسيين. صحيح أن الكلّ يواجه بما أمكن، لكن المعادلة الثابتة أن الفلسطينيين لم تتوقف مقاومتهم، وأن العدوّ لا ينعم بالهدوء... ولعل مشاهد تشييع الشهيد محمد بشارات أمس، والاحتضان للمطارد أشرف نعالوة، ومشاهد البطولة المتوالية في غزة، خير دليل على ذلك
يمكن الحديث بإحباط كبير عن الواقع الفلسطيني حالياً: سلطتا أمر واقع تتنازعان، واحدة لا تملك قرارها، والأخرى محاصرة. مقدسيون يخسرون بلدتهم القديمة بسبب غياب رادع لمسربي العقارات. غزة تئنّ تحت حصار شديد لم يُخفَّف منه شيء رغم كل الوعود. والضفة ساحة مفتوحة لجيش ينظّم ألوية للبحث عن مطلوب مختفٍ في كيلومترات محدودة منذ ثلاثة أسابيع. رغم ما سبق وأكثر، ثمة من يقرر أن يحمل سكينه ويطعن جندياً مدججاً بالسلاح، وآخر يصبر سبعة أشهر وهو يعمل تحت إدارة المستوطنين في أحد المصانع ليخطط لعمليته بنجاح، ويختفي بعدها.

بعبارة أخرى: إنها معركة الإرادة التي قرر الفلسطينيون أن يخوضوها، والمستمرة يومياً بدلالة العمليات الفدائية الفردية التي لم يستطع أي أمني أو عسكري أو سياسي إسرائيلي تحمّل شجاعة القرار والقول إنها انتهت. أكثر من ذلك، لا يزال هناك من يعرف أنه رغم الضريبة العالية التي يمكن أن يدفعها، هو وذووه، يصرّ على المقاومة. حتى حينما تتخلى السلطة والفصائل عن دورها، يتصدى الشبان للجنود والقوات الخاصة المتسللين في جنح الليل، بل يحاصرونهم ويضطرونهم إلى طلب التعزيزات والنجدة.
في الجهة المقابلة، يتواصل النزف البشري في غزة، حيث قرر المحاصَرون أن ينقلوا معركة الاستنزاف إلى الجهة الثانية من الحدود، بعدما ابتكروا وسائل لم تكن لتخطر ببال عدو، أو حتى مقاوم. وبينما تنبئ الساعات المقبلة بأن اتفاقاً ما يُصاغ ويُعدّل منذ أكثر من سنتين، فإن المقاومة لا تزال تستشعر رائحة غدر إسرائيلي، مقررة مواصلة الاستنفار والاستعداد لأي مواجهة، في وقت لم تخفض فيه الجماهير مشاركتها على الحدود، ضاربة نماذج تعجز الكاميرات عن ملاحقتها.

شهيد في استنفار شبابي
بالعودة إلى الضفة، شهدت الساعات الأربع والعشرون الأخيرة استشهاد شاب برصاص العدو خلال مواجهات في طوباس (شمال) بحثاً عن أحد المطلوبين، علماً أنه على بُعد نحو 45 كيلومتراً، كانت قوات العدو تواصل في الوقت نفسه البحث عن مطلوب آخر منذ ثلاثة أسابيع، وتحديداً داخل المنطقة الشرقية في طولكرم. وخلال هذه الاقتحامات، يُصّر الفلسطينيون على مواجهتها بأدوات المقاومة التقليدية، كما أعلن العدو ليلة أمس أن مركبة مسرعة تجاوزت حاجزاً قرب مدينة حلحول (شمال الخليل) وأطلقت النار على مجموعة من الجنود.

وارتقى الشهيد محمد محمود بشارات (21 عاماً) متأثراً بإصابته خلال المواجهات التي اندلعت في الشارع الدائري داخل بلدة طمّون شرق طوباس، وأصيب ثلاثة شبّان آخرين بالرصاص الحي، أحدهم دخل مرحلة الخطر، ومثلهم أصيبوا بالرصاص المعدني المغلف بالمطّاط، إضافة إلى عشرات حالات الاختناق بقنابل الغاز. يقول الناشط أكرم بني عودة، من سكان المنطقة، لـ«الأخبار» إن قوة من جيش العدو اقتحمت بلدة طمّون في ساعاتٍ متأخرة، وشنّت حملة دهم في منازل لعائلة سمار بحجة البحث عن أحد المطلوبين، لكن لم تُسجّل أي اعتقالات. وبالتزامن مع تفتيش المنازل، احتشد عشرات الشبّان وأشعلوا الإطارات، وأغلقوا بعض الطرقات بالمتاريس والسواتر استعداداً للمواجهة التي استمرت المواجهات ثلاث ساعاتٍ تخللها استهداف جنود العدو بالمفرقعات النارية. ويوضح بني عودة أن إحدى آليات العدو تعطّلت بفعل المواجهات، ثم بدأ الجنود يُطلقون الرصاص وقنابل الغاز والصوت بجنون، ما أدّى إلى استشهاد بشارات بعد أقل من ساعةٍ على إصابته بالرصاص في الصدر.

حاضنة شعبية للمقاومة
ما حدث أمس يؤكد تبلور مفهوم «الحاضنة الشعبية للمقاومة» في العقل الجمعي للشباب الفلسطينيين عبر التجارب على مدار السنين الماضية السابقة. كذلك، لمعت بلدة طمّون كحاضنةٍ شعبية للمطلوبين. فمثلاً، في بداية 2013 شهدت تسلل قوة من المستعربين تنكّروا بهيئة بائعي خُضر لتنفيذ عملية اعتقال، لكن سرعان ما اكتشفها الشبّان وتجمهروا بالعشرات، لتؤدي المواجهات إلى إصابة ثلاثة جنود من جيش العدو، كذلك أصيب نحو 30 فلسطينياً بالرصاص المطّاطي ونحو 100 آخرين بالاختناق. هذه الحاضنة يسعى العدو إلى ضربها في طولكرم، خاصة مع إخفاقه في اعتقال منفذ عملية «بركان» المقاوم أشرف وليد نعالوة للأسبوع الثالث على التوالي، رغم الحملة العسكرية الواسعة التي يشنها، والتي شملت أيضاً اعتقال عدد من الشبان بتهمة تقديم الدعم اللوجستي (مأوى، طعام) للمطارد. بيت ليد، بلعا، مخيم نور شمس، وقرى قلقيلية المحيطة بطولكرم وغيرها، كانت مسرح عملياتٍ لجنود العدو في إطار البحث عن «الشاب الذي لدغ كالثعبان واختفى كالدخان». أما مسقط رأس نعالوة في ضاحية شويكة، فيشهد اقتحامات يومية تتضمن دهم منزل عائلته في الحي الذي يحمل اسم عائلته، كذلك فإن قوات العدو لم تتورع عن احتجاز كافة أفراد أسرته، وبعضهم لا يزال رهن الاعتقال مثل: والدته وفاء مهداوي وشقيقه أمجد وشقيقته المحاضرة الجامعية فيروز.
في غضون ذلك، أفاد «نادي الأسير الفلسطيني» بأن جيش العدو اعتقل 70 فلسطينياً من طولكرم وحدها منذ السابع من الشهر الجاري. والاعتقال ليس الأسلوب الوحيد للعدو، إذ قرّر هدم منزل عائلة نعالوة، فيما تقول عائلته إن أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية طلب من والده أن يُحضر مكبرات صوت محمولة على مركبة ليطوف في بلدات طولكرم ويدعو نجله لتسليم نفسه! كذلك أجرت قوات العدو أعمال تمشيطٍ لمعظم الوديان والجبال في أطراف طولكرم، مثل جبل الباطن شمال ضاحية شويكة، و«وادي الزومر» قرب حارة المنشية في مخيم نور شمس، وبعض الأراضي الزراعية والبيوت البلاستيكية شرق ضاحية ذنّابة.
وكشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية عن خمس عمليات فاشلة للوصول إلى نعالوة خلال 14 يوماً من ملاحقته، فيما تشير مصادر محلية إلى أن جنود العدو نادوا الأخير عبر مكبرات الصوت مرتيْن ليسلّم نفسه: «أشرف سلّم نفسك.. بنعرف إنك هون»، الأولى في مخيم نور شمس، والثانية بعد يوميْن عند محاصرة مدرسة قيد الإنشاء في شويكة، حيث يواصل الدهم يومياً وسط تغطية طائرات الاستطلاع ونصب عدد من الحواجز المفاجئة.