دم خاشقجي يقسم على ثلاثة.. من سيكون "كبش الفداء"؟

دم خاشقجي يقسم على ثلاثة.. من سيكون "كبش الفداء"؟

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١٨ أكتوبر ٢٠١٨

بعد أسبوعين على اختفائه، لاتزال قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي تحتل المانشيتات العريضة لأبرز الصحف العالمية والشغل الشاغل لأبرز وسائل الإعلام، رغم أن ما بات مؤكداً في هذه الجريمة أن خاشقجي دخل قنصلية بلاده في اسطنبول ولم يخرج منها على قدميه، وما يدور الحديث عنه اليوم هو كيفية الخروج من هذه القضية بشكل يحفظ "ماء وجه" النظام السعودي الجاهز للدفع نقداً أو بأي وسيلة أخرى.
 
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي لا يفهم إلا بلغة العمولات والصفقات التجارية، استغل قضية خاشقجي لمسك ضرع البقرة الحلوب مجدداً وحلب ما يمكن حلبه من آل سعود، وحصته واضحة وهي مضاعفة كمية الحليب، وسارع على عجل لإيفاد وزير خارجيته مايك بومبيو إلى الرياض حاملاً معه شيكاً على بياض، في وقت أعرب فيه الملك سلمان بن عبد العزيز عن استعداده للتوقيع عليه مقابل إغلاق ملف القضية، كما يحمل بومبيو سيناريوهات عديدة سيجري مناقشتها أمام النظام السعودي بحيث يتم الخروج من القصة بأقل الأضرار، ولكن الذي مازال مبهماً حتى الآن هي حصة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يقوم الآن ببيع دم خاشقجي بحصة ما من الحليب وبالتنسيق المكثف مع ترامب، باعتبار أن ترامب ليس بأحق منهم بالحليب، كون مسرح الجريمة كان اسطنبول، فقبل قضية خاشقجي كانت العلاقات بين تركيا والسعودية تمرّ بفتور كبير، كما وصف ولي العهد السعودي في أبريل الماضي أنقرة بأنها "ضلع من مثلث الشر" في الشرق الأوسط، ورغم جريمة خاشقجي والفتور السابق فإن الأمور لن تصل إلى حد القطيعة بين البلدين لحرص تركيا على العلاقات مع السعودية خصوصاً في ظل الأزمة المالية الحالية.
 
وبينما يدور الحديث عن إعداد السعودية بالتنسيق مع تركيا وأمريكا تقريراً تعترف فيه بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي نتيجة تحقيق جرى بشكل خاطئ، وأن هذا التقرير الذي مازال قيد الإعداد وقد يتغيّر سيخلص إلى أن هذه العملية جرت دون إذن وأن من تورّطوا فيها سيحاسبون، أعلنت وسائل إعلام سعودية عن أمر ملكي بفتح تحقيق داخلي في قضية خاشقجي كمقدمة للاعتراف بالجريمة وتبرئة ذمة محمد بن سلمان أمام الرأي العام العالمي، ويطرح حالياً اسم المستشار المقرّب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سعود القحطاني أو القنصل السعودي في اسطنبول محمد العتيبي، الذي يلزم منزله  منذ عدة أيام كأبرز المرشحين لدور "كبش الفداء" في هذه القضية لإنقاذ ولي العهد السعودي الطائش وإخراج سيناريو للقضية بتوافق بين الرياض وواشنطن وأنقرة.
 
ورغم أن الرئيس الأمريكي يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعة حلفائه السعوديين إلا أن عدداً كبيراً من رجال الأعمال الأمريكيين وبعض من كبريات الشركات العالمية قرروا عدم حضور مؤتمر استثماري ضخم مقرر عقده في السعودية هذا الشهر، وفي هذا السياق أعلن كل من جيمي دايمون الرئيس التنفيذي لشركة"جي. بي مورغان تشيس"، ولاري فينك الرئيس التنفيذي لشركة "بلاك روك"، وستيفن شوارزمان الرئيس التنفيذي لشركة "بلاك ستون"، عدم حضورهم لمؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار"، كمان أعلن بيل فورد رئيس شركة فورد موتور بدوره إلغاء جولته في الشرق الأوسط والتي كان مؤتمر الاستثمار الذي سمّي "دافوس في الصحراء" إحدى محطاتها رغم عدم إعلان الشركة عن أسباب قراره وإذا ما كان مرتبطاً باختفاء الصحافي جمال خاشقجي فإنّ التقديرات تفيد بأنّ فورد انضمت إلى وكالة بلومبرغ وصحيفتي فايننشال تايمز ونيويورك تايمز في رفع الدعم عن هذا المؤتمر.
 
وبذلك تنضمّ هذه الشخصيات الكبيرة في مجال المال والأعمال إلى لائحة متزايدة تضم رجال أعمال ومؤسسات قرروا مقاطعة مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" للعام 2018 المزمع عقده من 23 ولغاية 25 الحالّي في الرياض والذي أطلق عليه اسم "دافوس في الصحراء" تيمّناً بالمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.
 
وحسب شبكة "سي أن بي سي" الأمريكية، فإن هذه الانسحابات أتت على خلفية اختفاء الصحافي السعودي البارز جمال خاشقجي عقب دخوله قنصلية بلاده في 2 تشرين الأول/ أكتوبر، ونقلت الشبكة عن مصادر، توقعات بإعلان شركات أخرى انسحابها من المؤتمر.
 
وكانت وكالة "بلومبيرغ" وصحف "فاينانشيال تايمز" و"إيكونومست" و"نيويورك تايمز" وشركة "فورد"، قد أعلنوا انسحابهم من المؤتمر الاستثماري، بعد اختفاء خاشقجي، كما يرجح عدم مشاركة الرئيس التنفيذي لشركة "أوبر" لخدمات النقل دارا خوسروشاهي في المؤتمر، في حين أعلن رجل الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون، مؤسّس مجموعة فيرجين، أنّه علّق اتصالات ترتبط بمشاريع سياحية في منطقة البحر الأحمر بالسعودية بسبب اختفاء خاشقجي، في المقابل أعلنت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد أنها ستشارك في مؤتمر الرياض.
 
دم خاشجي الذي أصبح موزعاً بين "أشرار غير منضبطين" على رأي ترامب، كان كفيلاً مرة أخرى بالتأكيد على أن أمريكا التي تتشدق بحقوق الإنسان تتقدم لديها الصفقات بشكل واضح لا لبس فيه على مبادئ حقوق الإنسان، خاصة في زمن ترامب الصريح الذي لا يخفي ابتزازه للسعودية ودول مجلس التعاون وكرر 4 مرات في أقل من أسبوعين أنها لن تبق على ما هي عليه دون الحماية الأمريكية لها وعليها أن تدفع، وقضية خاشقجي سيتم معالجتها بصفقة وهذا أمر غير مفاجئ لأحد، ولكن يحق لنا أن نسأل عن دماء آلاف الأبرياء في اليمن والعراق وفلسطين وليبيا وسوريا هل سيكون لديها صفقات أم لا؟.