هل ستتسلم تركيا مفاتيح أمن الخليج؟

هل ستتسلم تركيا مفاتيح أمن الخليج؟

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١٨ أكتوبر ٢٠١٨

إيهاب شوقي
دوماً ما تكسر التطورات العاصفة الحلقات الهشة في التحالفات، وبتعبير آخر، دوماً ما تجبر الحقائق الأكاذيب الطارئة على التنحي والاندثار.
في عالم السياسة والاستراتيجية، هناك قوى راسخة بصرف النظر عن تقييمها وتصنيفها الخاضع للاخلاقيات وقيمها المتمثلة في الخير والشر، وتستند هذه القوى الراسخة اما الى حضارة عريقة او امبراطورية كبرى شكلت تراكما للقوى البشرية والحضارية وكونت مخزونا للعب دور اقليمي ودولي.

وهناك قوى طارئة تشكلت بفعل تطورات ايضا طارئة، واذا ما ارادت تجاوز دورها وحجمها، فإن مخزونها لا يسمح لها بذلك.

من هنا كانت المناداة بالوحدة العربية والاسلامية، لان الحهات التي ارادت بث الفرقة وصنع حدود استعمارية وهمية، فطنت الى ان التجمع يفقد الامة مخزونها الجمعي ويفجر تناقضاتها ويحيل تنوعاتها الى صراعات.

هناك حضارة مصرية وعراقية وشامية ويمنية وحجازية وفارسية، تسمح بقوى كبرى تلعب ادوارا مؤثرة، وهناك امبراطوريات تشكلت وبحكم سيطرتها واحتكاكها بالحضارات، فإن هذه التفاعلات تسمح ايضا بلعب هذه الادوار، ومن هنا نجد على المستوى العربي، ان مصر وسوريا قلب الشام والعراق قد شكلتا قوتين كبيرتين، واليمن لم يعط فرصته في العصر الحديث بحكم محاولات التقسيم الدؤوبة، والحجاز الذي خرج من احتلال امبراطوري تحول الى احتلال عصابات.

وفي الجوار العربي، تلعب ايران دورا كبيرا وكذلك تركيا، ايا كانت الانظمة التي تقود الدور باتجاه سلبي او ايجابي، فايران تستند الى حضارة عريقة مكنت للشاه من لعب دور سلبي، ومكنت الثورة الاسلامية والتي اعتبرتها جزءا من حضارة اسلامية كبرى من لعب دور مقاوم، وتركيا استندت الى ميراث امبراطوري عثماني وبقايا قوة ناعمة مكنتها ولا تزال من لعب دور قوي ومؤثر.

وقد جاءت محاولات الوحدة والتحرر الوطني للعب دور جماعي في الاتجاه الايجابي، ولكنها حوربت ممن ارادوا القوة الطارئة والطمع في القيادة الزائفة.

والان تسعى المقاومة ومحورها لتوحيد الجهود لمواجهة امبراطوريات الاستعمار وورثتها واصحاب القوى الزائفة الطارئة ممن يخدمون هذه القوى الاستعمارية، ولكنها تحارب ايضا من ذات القوى.

ومع هذا فاننا نجد ان اي قوة ولو كانت راسخة فإنها تقع ضحية الانحراف وخدمة الاستعمار.

ولان القوى الاستعمارية تبحث دوما عن شرطي، فقد ظهر مصطلح شرطي الخليج بعد انسحاب بريطانيا من شبه الجزيرة العربية عام 1971 لحماية الدول العربية النفطية الصغيرة من التهديدات الخارجية لضمان بقائها تحت الهيمنة الغربية وتأديب من تسول له نفسه الخروج عن خط التبعية، وقد قام شاه ايران بهذا الدور، الى ان انتصرت عليه القوى الثورية المقاومة للهيمنة، وتخلت عنه امريكا كما رأينا.

وقامت عملية لاغراء صدام حسين بلعب نفس الدور ووقع في فخ امريكي ابتلع قوة العراق واستنزف اقتصاده وفرق شعبه.

ومن الواضح ان السعودية طمحت في هذا الدور غير الملائم لأسرة اغتصبت الحكم وقامت شرعيتها على القوة ثم على “اتفاق كوينسي” القاضي بحماية امريكية مقابل النفط، فوقعت في فخ مزدوج، وهو تجاوز امكانياتها من جهة، وخدمة الاستعمار على حساب شعبها من جهة اخرى، ويا لها من معضلة كبرى!

وما يدبر اليوم للمنطقة يبدو انه استدعاء لشرطي جديد، ولربما ووفقا للشواهد يكون هو الشرطي التركي هذه المرة، ومن هذه الشواهد يمكن رصد ما يلي:

1ـ الاتفاقيات العسكرية التركية مع قطر بمرأى ومسمع من امريكا، ومنها توقيع القوات الخاصة المشتركة (التابعة للقوات المسلحة) في قطر، اتفاقية مع شركة تركية مختصة لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية شمالي البلاد.

وهذه القاعدة المعروفة باسم قاعدة “بروج” تشمل مركزاً للتدريب والتجهيز، وستكون على أفضل مستوى عملياتي وستوجد فيها كتيبة بحرية بصورة دائمة؛ للقيام بالدوريات والعمليات البحرية التدريبية.

2ـ الاتفاقية الاخيرة التركية مع الكويت، ومضافا اليها دعوة البرلماني الكويتي السابق والمستشار السابق لوزير الدفاع ناصر الدويلة، إلى “إدخال الجيش التركي إلى الكويت بأقصى سرعة”، معلنا أن الجيش التركي هو بمثابة “المعادل الاستراتيجي الأضمن والآمن”.

3ـ التحركات التركية في السودان والصومال ومدخل البحر الاحمر، والتي تجسدت بإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الخرطوم أن السودان سلم جزيرة سواكن الواقعة في البحر الأحمر شرقي السودان لتركيا كي تتولى إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة زمنية لم يحددها.

وسبق للدولة العثمانية استخدام جزيرة سواكن مركزا لبحريتها في البحر الأحمر، وضم الميناء مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامي 1821 و1885.

وقال أردوغان وهو يتحدث في ختام ملتقى اقتصادي بين رجال أعمال سودانيين وأتراك في اليوم الثاني لزيارته للسودان وقتها “طلبنا تخصيص جزيرة سواكن لوقت معين لنعيد إنشاءها وإعادتها إلى أصلها القديم والرئيس البشير قال نعم”، وأضاف أن “هناك ملحقا لن أتحدث عنه الآن”!

هل كانت المناوشات الدبلوماسية التركية الامريكية الاخيرة لها دلالات ما على خلافات اجرائية وبعض تفاصيل تسلم المهمة، ام هل كانت خلافات حقيقية لاعطاء ولي العهد السعودي مزيدا من الوقت ليثبت جدارته؟ هل حان الوقت لليقين بان ابن سلمان انتهت مهمته وفشل في اختبارات التقدم لكلية الشرطة الامريكية، واقتنعت امريكا بأحقية اردوغان وذابت الخلافات المزعومة وعلى راسها قضية القس برونسون والذي سلمته تركيا لامريكا منهية النزاع؟

هل ستتسلم تركيا مفاتيح الخليج لتصبح شرطي الخليج الجديد والمعادل الموضوعي امريكيا لايران وتغيير قواعد اللعبة بدلا من القوة للعبة اخرى؟

تساؤلات نراها جديرة بالمناقشة، حتى لو كانت في اطار التكهن والاحتمالات.
العهد