ثغرات ورفض يضع اتفاق إدلب في مهب الريح.. من المسؤول؟

ثغرات ورفض يضع اتفاق إدلب في مهب الريح.. من المسؤول؟

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٢٤ سبتمبر ٢٠١٨

"اتفاق إدلب" الذي عُقد في مدينة "سوتشي" الروسية بين الجانبين الروسي والتركي جاء على خلفية سعي جميع الأطراف لتجنيب محافظة "إدلب" معركة شرسة بين الجيش السوري وحلفائه من جهة والجماعات المسلحة التي ترعاها تركيا من جهة أخرى، ولكون الأمر معقد تم الاتفاق على مجموعة من التفاصيل التي ترضي إلى حدّ ما جميع الأطراف، ولكن الاتفاق لم يكن شاملاً لجميع القضايا الحساسة التي تخصّ المدينة ومستقبلها ما فتح الباب أمام مجموعة من الأسئلة حول مستقبل هذه المدينة وإلى أي درجة قادرة تركيا على ضمان الجماعات المسلحة داخل إدلب؟!
كلامنا هذا يأتي من الحدث الأخير الذي شهدته محافظة إدلب والذي تمثل برفض تنظيم "حراس الدين"، الاتفاق الروسي- التركي حول محافظة إدلب، والذي ينصّ على إنشاء منطقة عازلة بين مناطق الحكومة السورية والمعارضة، وفي بيان نشره، السبت 22 من أيلول، قال إن "ساحة الجهاد في بلاد الشام تمرّ بمرحلة حاسمة وخطيرة، واجتمعت قوى الشر على المشروع الجهادي".
وأضاف البيان: "نحن في تنظيم حراس الدين نرفض البيان والمؤتمرات حول إدلب، ونحذّر من هذه المؤامرة الكبرى، ونذكر بما حصل في البوسنة باتفاقية نزع السلاح، وننصح إخواننا بالعودة إلى الله ومحاسبة النفس".
هذا الحدث يشكّل حرجاً كبيرا بالنسبة للجانب التركي الذي يعتبر نفسه ضامناً لجميع الفصائل المسلحة في إدلب ولديه القدرة على ضبطها، ومهما كانت الضمانات التي قدمتها تركيا لروسيا في سوتشي، أصبح من الصعب الاطمئنان لها اليوم، خاصةً أن الاتفاق يتضمن فتح الطرق السريعة لإدلب أمام المرور من وإلى حلب عبر اللاذقية وحماة، وفي هذه الحالة كيف يمكن ضمان عدم التعرض للمدنيين؟!.
الأمر الآخر يتمحور حول قدرة تركيا على نزع السلاح من حلفائها المتمردين في سوريا والقضاء على الجماعات المتشددة منهم، وفي ظل الأصوات المعارضة لاتفاق إدلب سيكون من الصعب ضبط هذه الجماعات المسلحة التي قد تباغت الجميع بتصرف أحمق يجعل تركيا في موضع حرج يصعب حله، وعلى سبيل المثال هناك أصوات ترفض هذا الاتفاق على رأسهم قادة مهاجرون في "هيئة تحرير الشام" بينهم "أبو اليقظان المصري" و"أبو الفتح الفرغلي" مؤكدين على مواصلة القتال في إدلب.
في حال لم تتمكن تركيا من تنفيذ بنود الاتفاق في إقامة منطقة منزوعة السلاح بعرض من 15: 20 كم تحت سيطرة دوريات مشتركة من الجيش التركي والشرطة العسكرية الروسية، على أن يتم إخلاؤها من الأسلحة الثقيلة بحلول 10/10/2018م، وانسحاب جميع الفصائل من المنطقة العازلة بحلول 15/10/2018م، في حال لم يتم هذا الأمر لن يكون أمام الحكومة السورية سوى استعادة السيطرة على المحافظة بالطرق المتاحة عبر تنفيذ هجوم شامل لتخليص المحافظة من هؤلاء المسلحين وطردهم إلى خارج البلاد، وهذا ما تخشاه تركيا وأوروبا من خلفها، لأن هؤلاء المسلحين ولاسيما الجماعات الإرهابية منهم سينتشرون في جميع أرجاء المعمورة ومنهم من سيعود إلى بلاده وهذا ما لا يريده الجميع، ومن أكثر المتضررين من حدوث ذلك تركيا لمجموعة الأسباب التالية:
أولاً: لنفرض أن الجيش السوري شنّ هجوماً على إدلب، سيكون الأمر معقداً بالنسبة للأتراك، لكون هذا الهجوم سيقضي على آخر ورقة يمكن لتركيا أن تفاوض من خلالها، وبالتالي سيكون موقفها ضعيفاً جداً في أي مفاوضات قادمة وهذا ما تحرص أنقرة على ألّا يحدث.
ثانياً: المعركة القادمة في حال حدوثها ستسبب موجة نزوح غير معهودة في شمال غرب سوريا، ولن يكون بإمكان تركيا استقبال كل هؤلاء اللاجئين على أراضيها، وهددت السلطات التركية أنه في حال حصل ذلك قد تفتح حدودها للمهاجرين للفرار إلى أوروبا وهي نقطة الأوروبيين الذين يعانون اليوم من موجة النازحين الذين وصلوا إلى بلادهم منذ ثماني سنوات وحتى اللحظة، وبالتالي يمكن لمعركة إدلب أن ترسل ملايين اللاجئين الجدد إلى الحدود، وهو ما يخشى المسؤولون حدوثه حيث سيثير اضطرابات اجتماعية وسياسية داخل تركيا.
ثالثاً: تخشى تركيا من أن يحدث تعاون بين الحكومة السورية والأكراد الذين قد يشاركون الجيش السوري معركته في إدلب وهذا أمر غير مرحّب به بالنسبة لأردوغان الذي يسعى لقصم ظهر الأكراد في سوريا، ومن خلال هذا التحالف ستنقلب موازين القوى هناك وسيخرج أردوغان من الحرب السورية دون تحقيق أي هدف أو نصر كان يسعى إليه.
موضوع إدلب معقد والثغرات التي تضمنها الاتفاق قد تنهيه في أي لحظة، هذا يعتمد بشكل مباشرة على قدرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ضبط المسلحين الذين يقدم لهم الدعم وقدرته على إقناعهم بتنفيذ بنود الاتفاق دون إحداث أي خلل لأنه سيرتد عليه بشكل مباشر أكثر من أي جهة أخرى، ناهيك عن أن الجيش السوري مستعد لجميع الاحتمالات وليرى بديلاً عن تحرير إدلب وإعادتها إلى مكانها الطبيعي ضمن الخارطة السورية، لذلك ستكون الأيام المقبلة بمثابة امتحان صعب لأردوغان عليه أن يعمل لإنجاحه  قبل أن يفوت الأوان وتخرج الأمور عن السيطرة.