الحرب الأمريكية الاقتصادية على تركيا وتبعاتها

الحرب الأمريكية الاقتصادية على تركيا وتبعاتها

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١٨ سبتمبر ٢٠١٨

أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية في 1 أغسطس 2018، عقوبات ضد وزير العدل ووزير الدولة التركية بدعوى المشاركة في اعتقال القس الأمريكي أندرو برانسون. وكان برانسون والمعتقلون معه، قد اتُهموا من قبل الحكومة التركية بالتجسس والقيام بأعمال إرهابية. ومن خلال العقوبات المفروضة، انخفضت قيمة العملة التركية مقابل الدولار الأمريكي. الأمر الذي أدى الى غضب السلطات التركية.
 
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في هذا السياق: "لقد استبدلت أمريكا الشريك الاستراتيجي لحلف شمال الأطلسي بقس". وأضاف ان "السلوك الأمريكي سيجعلنا نبحث عن أصدقاء وحلفاء جدد." ودعا رجب طيب أردوغان الشعب التركي إلى تصريف الدولار واليورو والذهب إلى الليرة لمواجهة آثار المقاطعة حتى تكون يد الحكومة أكثر انبساطا للتعامل مع الأزمة. كما قامت السلطات التركية بالتعامل بالمثل تجاه العقوبات الأمريكية. حيث قالت تركيا إنها ستتعامل بالمثل فيما يخص زيادة تعريفات الصلب والألومنيوم من قبل امريكا.
 
يبدو أن تركيا والولايات المتحدة، الحليفتان في الناتو، على شفا حرب اقتصادية. ولهذا الغرض، اُجريت مقابلة مع السيد سيد علي قائم مقامي، الخبير في الشؤون التركية، لدراسة تبعات الحرب الاقتصادية على البلدين.
 
ما هي أهداف الولايات المتحدة من فرض عقوبات اقتصادية على تركيا؟
 
على الرغم من أن الأزمة التركية الأمريكية نشأت مع اعتقال القس الأمريكي، إلا أن واشنطن لم تسعى فقط إلى إطلاق سراح هذا القس، بل وضعت شروطًا أخرى لرفع عقوباتها على أنقرة. سوف أذكر بعض هذه الشروط:
 
-إطلاق سراح القس برانسون و20 جاسوس (موظفون محليون من السفارة التركية والقنصلية العامة الأمريكية ومواطنون امريكيون) من الذين شاركوا في انقلاب 15 يوليو واعتُقلوا.
 
-على تركيا المشاركة بشكل كامل في العقوبات ضد إيران لكن تركيا رفضت الأمر بدعوى انها تجاور إيران وتحتاج أيضاً إلى طاقة ايران. من ناحية أخرى، قال أردوغان إنه إذا شاركت تركيا في العقوبات، فسيعني ذلك انتهاكا للاستقلال الوطني التركي.
 
-يجب على تركيا مراجعة علاقاتها مع روسيا. ومن الواضح ان تركيا تتمتع بعلاقات تجارية جيدة مع روسيا، ومن ناحية أخرى، لديها تعاون في المجال العسكري معها، على سبيل المثال قرار تركيا شراء أنظمة صواريخ من روسيا. وتريد الولايات المتحدة من تركيا إلغاء شراء أنظمة الصواريخ S-400 من روسيا، كما تعارض امريكا بناء مفاعل للطاقة النووية الروسية في تركيا.
 
-وقف التنقيب عن موارد النفط والغاز في جميع أنحاء جزيرة قبرص. اذ يتعلق نفط وغاز البحر الابيض الشرقي بالبلدان الساحلية، بما في ذلك تركيا وسوريا ولبنان ومصر. لكن الكيان الصهيوني وقع اتفاقية المنطقة الاقتصادية المحاصرة مع جمهورية جنوب قبرص وبدأ بعمليات التنقيب واستخراج النفط والغاز. وهددت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بأنه لن يُسمح لتركيا بمعارضة عمليات استخراج النفط والغاز الإسرائيلية والشركات الأمريكية في شرق البحر الأبيض المتوسط، او ارسال سفن حربية لمنع الاستخراج.
 
-على تركيا منح حق استخراج المعادن التركية للشركات الأمريكية.
 
-إعلان موافقة تركيا على إصدار أحكام ضد المسؤول السابق لرئيس بنك الشعب المُحتجز في الولايات المتحدة.
 
-ان تغض تركيا النظر عن طلب تسليم فتح الله غولن، المتهم بتدبير الانقلاب العسكري في 15 يوليو 2016، المقيم في الولايات المتحدة.
 
ما تأثير هذه العقوبات على الاقتصاد التركي؟
 
بداية أحتاج إلى تقديم سلسلة من الإحصاءات والمعلومات حول الاقتصاد التركي.
 
المسألة الأولى: لدى تركيا ما لا يقل عن 466 مليار دولار من الديون الخارجية للدول الغربية ودول الخليجیة ودول أخرى. ومعظم هذه الديون في قطاع الخدمات، وليس الاستثمار في الصناعات الثقيلة أو التكنولوجيا الفائقة. يقول الاقتصادي التركي البروفيسور "ألتوك"، إن تركيا لديها ديون خارجية بقيمة 500 مليار دولار. وينبغي أن تدفع تركيا 250 مليار دولار (أصل الدَين والفائدة) حتى أواخر عام 2018، والتي يجب دفع 100 مليار دولار منها على وجه السرعة.
 
المسألة الثانية: هي أن تركيا لديها أكثر من 57 مليار دولار عجز في الحساب الجاري. وأعلن البنك المركزي التركي أنه من المتوقع أن يصل العجز إلى 50 مليار دولار بحلول نهاية هذا العام.
 
المسألة الثالثة: يوجد حوالي 13 ٪ إلى 15 ٪ من القوى العاملة، و20 ٪ من هذه النسبة هم من العمال الأتراك الشباب العاطلين عن العمل، معظمهم بين 15 و30 سنة. ووفقا لمركز الإحصاء التركي، كان متوسط البطالة في تركيا في شهر يوليو 15٪.
 
المسألة الرابعة: بلغ التضخم الآن ما يقرب من 15 ٪.
 
مع مثل هذا الوضع الاقتصادي في تركيا، فإن العقوبات الاقتصادية الأمريكية ستجعل اقتصاد البلاد أكثر ضعفاً. على الرغم من عدم وجود عقوبات شاملة في الوقت الحالي، لكن اقتصاد تركيا مازال هشا. ومنذ فرض العقوبات الاقتصادية، انخفضت الليرة التركية مقابل الدولار. حيث كان كل دولار امريكي يساوي 4 ليرات قبل العقوبات، والآن وصل إلى أكثر من 6 ليرات.
 
ان إحدى نتائج انخفاض قيمة الليرة هي زيادة دَين الدولة والشركات الخاصة التركية. أن هذه الشركات سوف تقلل من عدد عامليها لتعويض ديونها، مما يزيد من نسبة البطالة. وفي حال استمرار العقوبات الاقتصادية الأمريكية على تركيا، سينخفض الاستثمار في البلاد. ووفقًا لتقرير صادر عن ألمانيا، غادرت 50٪ من الشركات الألمانية تركيا خلال العام الماضي. ومن المحتمل أن تغادر الشركات الأوروبية والكورية الأمريكية السوق التركية.
 
تعتقد بعض المصادر الغربية أن مقاطعة تركيا الاقتصادية سيكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي. ما هي هذه التبعات؟
 
لقد صرّح كل من مسئولي الاتحاد الأوروبي وأنجيلا ميركل بأن العقوبات الاقتصادية التركية سيكون لها تأثير سلبي على اقتصاد هذا الاتحاد وحتى في العالم. لأن الاتحاد الأوروبي استثمر 165 مليار دولار في تركيا في السنوات الـ 16 الماضية.
 
ان الآلاف من شركات الاتحاد الأوروبي تستثمر وتعمل في تركيا، والآلاف من الشركات التركية تستثمر في أوروبا. بالإضافة إلى ذلك، وقعت تركيا والاتحاد الأوروبي اتفاقية اتحاد جمركي. كما إن المجتمع التركي البالغ تعداده 80 مليونًا ومجتمع الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 540 مليونًا مترابطون مع بعض من الناحية الاقتصادية والسياسية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تركيا ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي، ولكنها كغيرها من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، هي عضو في حلف الناتو.
 
لذلك، ونظراً لأن تركيا عضو في الناتو، فإن هذه القضية يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على القضايا الأمنية. وبعبارة أخرى، فإن اقتصاد وأمن الاتحاد الأوروبي وتركيا سيتعرضان للخطر. بالإضافة إلى ذلك، أكثر من نصف تجارة تركيا مع الاتحاد الأوروبي هي مع ألمانيا بشكل خاص. وتعتبر ألمانيا ثالث أكبر شريك تجاري لتركيا. ولدى تركيا الكثير من العلاقات التجارية مع الدول المجاورة لها.
 
على سبيل المثال، تمتلك تركيا تبادل تجاري مع روسيا بأكثر من 30 مليار دولار، وأكثر من 12 مليار دولار مع العراق، وأكثر من 10 مليارات دولار مع إيران، ولديها علاقة تجارية كبيرة مع القوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط والدول الخليجية، لذلك سيكون لتقويض الاقتصاد التركي، تأثير سلبي على اقتصادات هذه الدول والعالم.
 
ما مدى مرونة تركيا في الحرب الاقتصادية؟
 
حاليا، الهدف الرئيسي لواشنطن من فرض عقوبات ضد تركيا هو إنذار البلاد والسيطرة عليها. ومن ثم، فإن هذه العقوبات سياسية بطبيعتها أكثر منها اقتصادية. حيث يتراوح حجم التجارة التركية مع الولايات المتحدة بين 15 و19 مليار دولار لصالح الولايات المتحدة. وكان من المفترض نقل التكنولوجيا الأمريكية إلى تركيا، والتي لم يتم تنفيذها حتى الآن. لذلك تعتمد مرونة تركيا على الأسس الاقتصادية للبلاد. وبسبب عدم تقديم تنازلات من قبل الجانبين، يمكن التوقع أن التوترات سوف تزداد سوءا في علاقات أنقرة مع واشنطن، الأمر الذي سيزيد من الأضرار التي تلحق بتركيا.
 
ووفقاً لما ذُكر أعلاه، فإن المناخ الاقتصادي التركي هش ويؤدي تشديد العقوبات إلى وضع تركيا في أزمة خطيرة. وبلغ عجز البلاد في العام الماضي 57 مليار دولار، وينبغي سداده أيضًا بمبلغ 70 مليار دولار. كما انخفضت احتياطيات النقد الأجنبي إلى 103 مليار دولار. ويرجع ذلك إلى حقيقة أن تركيز الحكومة التركية في السنوات الأخيرة كان قائمًا على محوري بناء الطرق وتشييد الأبنية السكنية، مما يدل على أن 41٪ من الاقتصاد التركي يقوم على هذين المحورين. إضافة الى إن قطاع الصناعات التحويلية في تركيا محدود للغاية، وأهم محور انتاج في البلاد هو الملابس ومنتجات الألبان والزراعة، وأخيرا أصبحت السياحة تلعب دور العون في اقتصاد البلد. ويبدو أن قطاعي البناء والتشييد كانا ممكنين من خلال جذب رؤوس الأموال الأجنبية، والتي مع فرض عقوبات على البلاد، ستشهد تركيا هروب رؤوس الأموال منها.