مشهد إدلب.. االصدام السوري التركي وارد.. واردوغان يراهن على الوقت

مشهد إدلب.. االصدام السوري التركي وارد.. واردوغان يراهن على الوقت

أخبار عربية ودولية

السبت، ١٥ سبتمبر ٢٠١٨

كمال خلف
الجميع يتحدث اليوم عن حالة الغموض التي تكتنف مصير محافظة إدلب ، التصريحات كثيفه و متسارعة ، ومتناقضة ومكررة  ، التحركات على الأرض من قبل الأطراف تزيد المشهد غموضا وتعقيدا .
 يمكن أن نخلص المشهد الشمالي ونبسطه  ونطرح بعض التسؤولات التي نزعم باننا لا  نملك الاجابة الكاملة عليها .
تركيا خرجت رافعة الصوت من قمة طهران الثلاثية ، رافضة أي عمل عسكري في ادلب ، هددت أوربا بتدفق اللاجئين، كي تشد عزم الأوربيين للوقوف معها ضد الحملة العسكرية .  الولايات المتحدة كذلك وجدت الموقف التركي مواتيا لتحويل المسألة إلى رفض دولي لهذه المعركة وهددت بالتدخل  .
 تجنيب إدلب والمدنيين فيها حربا ضروسا هو العنوان التركي العريض ، لكن علينا أن نتمهل كثيرا ونحن نقرأ العناوين الصحفية بهذا الخصوص  . المشهد ليس كما يبدو علنا ، هناك ما هو أكثر تعقيدا أو تفصيلا يجري بين موسكو و أنقرة . الروس لا يكترثون كثيرا للتصريحات العلنية التركية ، لأنهم ببساطة  يعرفون أن الكلام أمام الشاشات يختلف عن كلام الغرفة المغلقة . هكذا قال لي أحد الخبراء في الشأن الروسي من موسكو وانا أسأله مستغربا التصريحات الإيجابية للسيد لافروف تجاه أنقرة ، لافروف قال في آخر تصريح له أن موسكو تعمل مع انقرة بشكل مكثف  لإيجاد حل للوضع في ادلب  .
 وعلى ذمة أحد اصدقائنا ممن حضروا القمة الثلاثية في طهران ، فإن الرئيس أردوغان لم يكن يعلم في بداية القمة أن الكلمات منقوله على الهواء مباشرة ، وان وزير خارجيته همس في أذنه منبها لهذا الأمر بعدما وصل للأخير   ذلك عبر مساعديه  .  ربما هذا يفسر تشدد الرئيس أردوغان في موقفه  .
القمة الثنائية التي ستعقد الاثنين المقبل بين الرئيس أردوغان والرئيس بوتين في سوتشي ، بعد أيام قليلة جدا على القمة الثلاثية تؤكد أن ثمة جديد في الموقف التركي ، وأن الباب مفتوح على المساومات ولكن ماشكلها  ؟؟  .
قد يبدو غريبا لأي مراقب عدم اكتراث روسيا حتى الآن بكل الإجراءات التركية لفرض أمر واقع في ادلب يجعل العملية العسكرية لتحريرها أمرا صعبا للغاية ، فانقرة لم تتوقف عن إرسال تعزيزات عسكرية إلى الشمال ، ونظمت التظاهرات في ادلب رفضا للعمل العسكري ورعت دخول عشرات الصحفيين ووسائل الإعلام العالمية اليها في مشهد يعيد للأذهان مشهد بنغازي الليبية عام 2012  . كما أنها نقلت آلاف المقاتلين المحليين  التابعين لها من عفرين والباب وجرابلس إلى ادلب . هل فعلا هذه التعزيزات لحماية أدلب من عملية عسكرية مرتقبة  أم أن ثمة أهداف أخرى ؟؟  وهل تجري هذه التحركات تحت سقف التشاور مع روسيا ، أم بشكل منفرد ضدها ؟؟
هناك ما  يشي بأن صفقة تنجز بين الطرفين ، قد تقضي بأعتراف موسكو بمناطق تحت السيطرة التركية المباشرة ، تمتد من ريف حلب الشمالي إلى ريف ادلب الشمالي على طول الحدود  بما يعادل شريط عازل داخل الأراضي السورية بعمق 40 كيلو مترا . مقابل دخول الجيش السوري والروسي إلى المناطق الجنوبية وصولا إلى مدينة إدلب . لنتذكر أن صفقة كهذه جرت أثناء تحرير الغوطة الشرقية ، وكانت دوما مقابل عفرين بشكل متزامن .
قد تكون المزامنة في ادلب عقدة أنقرة اليوم .
ولكن لماذا حشد الجيش السوري وحزب الله بشكل مفاجئ و سريع قوات على جبهات حلب ،  واقاموا  خطوطا دفاعية حول” نبل والزهراء” ،  ومناطق أخرى ؟؟  لماذا نشر الجيش السوري منظومة الدفاع الجوي اس 200 هناك وحفر حزب الله خنادق دفاعية  ؟؟
 أخبرني صديق إعلامي من أبناء ريف حلب  وقريب جدا مما يجري هناك أن التعزيزات التركية ذات طابع هجومي وقد لا تكون للدفاع عن نقاط انتشار الجيش التركي في ادلب فقط .
اذن هل هناك مواجهه مباشرة بينهم وبين الجيش التركي ؟؟ أو من ينوب عنه ؟؟ بلا شك هذا يزيد المشهد غموضا وضبابية.  وكما ذكرت آنفا لا نملك إجابات .
نستطيع برغم ذلك أن نؤكد الأمور التالية : بالفعل تركيا تقول شيء وتفعل شيء آخر تماما وليس لديها مشكلة في هذه السياسية .
المعارضة السورية التي قالت منذ أيام أنها تلقت تعهدا تركيا بوقف العملية العسكرية على إدلب وحمايتها  ستصاب بالخذلان مرة أخرى .
الولايات المتحدة أن أقدمت على عمل عسكري ضد سوريا وجيشها فإن ذلك سوف يسرع حسم الجيش السوري لمعركة إدلب وليس العكس وفق التجارب السابقة  .
 أن تأجيل معركة إدلب ليس في صالح الجيش السوري وروسيا  مطلقا ، لأن تركيا تكسب الوقت و تفرض إجراءاتها على الأرض ، وتزيد فعالية  الحشد الدولي ضد العملية العسكرية ، من ناحية ، ومن ناحية ثانية هناك عامل الطقس ، فمع دخول فصل الشتاء تصبح أي عملية عسكرية كبيرة أمرا صعبا للقوات المهاجمة ، فضلا عن زيادة معاناة اللجوء والوضع الإنساني بسبب البرد والأمطار  . فإذا كان لابد من عمل عسكري وانا أرجح ذلك بقوة فيجب أن يكون خلال الأيام أو الأسابيع القادمة ، وإلا فإن الوضع سيكون صعبا للغاية . المساومات و القتال والمصالحات والمصالح يبدو بأنها مكونات الوصفة المقبلة للوضع في ادلب .
 لاشيء يبقى مجهولا إلى الأبد ، وما هو عبارة عن تساؤلات في مشهد غامض الآن ، سيكون غدا واضحا و مفهوما ، وعلينا أن ننتظر قليلا .
كاتب واعلامي فلسطيني