بغداد تطوي صفحة العبادي: إنقلاب أميركا إلى الفشل

بغداد تطوي صفحة العبادي: إنقلاب أميركا إلى الفشل

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ١٠ سبتمبر ٢٠١٨

خفت المشهد الاحتفائي للإعلام الخليجي بـ«خراب البصرة». بلع المؤجّجون ألسنتهم لحظة إدراك أن ما كان مرسوماً اصطدم بجدار سميك، شكّلته عوامل ثلاثة: وعي شعبي ترجم نأياً بالنفس من قبل شبان البصرة الغاضبين الذين غادروا الساحات رفضاً لاستغلال مطالبهم. ثانياً، المواقف الواضحة والعالية السقف من قِبَل قادة فصائل المقاومة العراقية و«الحشد الشعبي» والتي وصلت حدّ التلويح بالتدخل في اللحظة الأخيرة، مُثبِتة أن «الحشد» رقم صعب في المعادلة العراقية الجديدة لا يمكن حذفه بقرار من هنا أو تعيينات من هناك. وثالثاً، اكتشاف حيدر العبادي أن لا أحد من الفاعلين مستعد لتغطية الانقلاب الذي يقوده مبعوث الرئيس الأميركي، بريت ماكغورك، والذي بات مفضوح المعالم. وفي العامل الأخير، برز موقف المرجعية الدينية التي أنهت أحلام العبادي في الولاية الثانية، سواء بدعوتها إلى «معايير» جديدة في تشكيل الحكومة المقبلة، أو الرسائل التي بعثت بها خلف الستار. أما الضربة القاصمة لمغامرة العبادي فأتت من قبل قائمة «سائرون»، ومن ورائها مقتدى الصدر، والتي تجاوزت القبول بولاية ثانية للرجل إلى دعوته إلى تقديم استقالته والشروع في حوار مع «الفتح». تطورات تشي حتى اللحظة بأن «الحشد» وحلفاءه نجحوا في فرملة الانقلاب الأميركي، على الأقل بوضع حدّ لمحاولة واشنطن وحلفائها قلب الطاولة والاستفراد بعرش بغداد.
أَسدلت جلسة البرلمان العراقي المُخصَّصة لأزمة البصرة الستار على صراع الكتلة الأكبر، لتفتح مرحلة جديدة من الاتصالات مُرشّحة لأن تنجم عنها تحالفات جديدة. التطورات، وعلى رأسها دعوة كتلة «سائرون» (التيار الصدري) رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى الاستقالة على خلفية أحداث البصرة، أظهرت أن إعلان الكتلتَين المتنافستَين عشية أولى جلسات البرلمان الإثنين الماضي «الكتلة الأكثر عدداً» ولد ميتاً، ولم يصمد أمام التوازنات السياسية القائمة. من البداية، تأخّر تحالف «الفتح» (بقيادة هادي العامري) في إعلان تحالفه (البناء)، حتى استعجال تحالف «النصر» (العبادي) ــــ «سائرون» كتلته الأكبر (الإصلاح). وبقي «الفتح» مصرِّاً في إعلانه الكتلة الأكبر المنافسة على الاستعداد لتوسيع التحالفات، خصوصاً مع «سائرون». وهو التوجّه الرئيس الذي كان يرغب فيه «الفتح»، ولم ينجح في تحقيقه في المفاوضات التي سبقت الجلسة الأولى للبرلمان.
من جهة أخرى، كان واضحاً فشل تحالف «الإصلاح» (النصر وسائرون) في استقطاب عدد كبير من النواب، وسط توسّع الانشقاقات وبقاء كتل على الحياد، لصالح تحالف «البناء» المقابل. التطورات على الأرض، والضغوط الأميركية السافرة التي استفزّت البعض، إضافة إلى استغلال واضح للانفلات الأمني في البصرة، كلها أمور ساعدت على تحريك الجمود الذي سيطر على الاتصالات السياسية، إذ فضّلت كتلة «سائرون» تأكيد عدم رضاها بولاية ثانية للعبادي، ولو ضمنياً، على رغم عدم إعلان رسمي لانفراط عقد «الإصلاح».
في المشهد الجديد، عودة إلى ما قبل إلقاء الجميع أوراقهم عشية جلسة الإثنين وخلالها، واستئناف للاتصالات المفتوحة على رؤية تدعو إلى تشكيل أوسع تحالف لا يقوم على «الغلبة»، وإن كان المؤكد الوحيد خسارة العبادي، شخصياً، لأحلامه بولاية ثانية بعد استفاقته على موقف كتلة «سائرون» المفاجئ، وهو أمر حسمه تلميحاً خطاب المرجعية الدينية الجمعة الماضي، باشتراط عدم بناء الحكومة المقبلة وفق «المعايير» القديمة. وفي حال نجاح المفاوضات في إحداث تقارب بين «الفتح» و«سائرون»، سواء عبر انضمام «الفتح» إلى تحالف «الإصلاح» كما تتحدث أوساط «سائرون»، أو بصيغة كتلة أكبر ثالثة، فإن الأسئلة تتوجه إلى مصير كل من قائمة «الحكمة» (عمار الحكيم) و«دولة القانون» (نوري المالكي)، إذ يتردّد رفض «الفتح» وجود «الحكمة» في التحالف الجديد، مقابل رفض «سائرون» التحالف مع «دولة القانون»، لينتقل السؤال بعد حلّ العقدتين إلى عقدة تسمية رئيس وزراء تتوافق عليه القائمتان الأكبر (سائرون والفتح)، ويحظى بقبول ممثلي الأكراد و«السنّة» ويتطابق مع «معايير المرجعية».
وفي هذا الملف، ساد التضارب أمس معلومات تحدثت عنها الأطراف المختلفة حول موقف رسمي للمرجعية من الأسماء المطروحة لرئاسة الوزراء، أبلغته المعنيين. وتقاطعت أغلب المعلومات بشأن موقف المرجعية عند رفض الأسماء القديمة (العبادي والمالكي)، أي عملياً تأكيد استبعاد العبادي، وهو المرشح الوحيد بين الذين تولوا المنصب سابقاً.
أما كردياً، فلا يزال التحالف الكردي مُتمسِّكاً بالترقب وعدم إبداء انحياز لأي طرف، ولو أن أي نتيجة إيجابية للاتصالات بين «سائرون» و«الفتح» ستفضي إلى إضعاف الموقف الكردي وسحب البساط من تحت تحالف «الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني»، والذي راهن على انتهاز الانقسام في بغداد لتثبيت مكاسبه وفرض شروطه على المحورَين اللذين تنافسا على استمالة الأكراد في الأيام القليلة الماضية. وأمس، عاد الوفد الكردي من بغداد إلى أربيل، وقال المتحدث باسم «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، محمود محمد، إن وفد الحزبين الكرديين عرض مشروعه على الكتل في بغداد وهو «بانتظار رد مكتوب». وأضاف محمد: «نحن على مسافة واحدة من جميع الأطراف في بغداد، وسنتقارب مع الطرف الذي يقر بمطالبنا»، مشيراً إلى أن مطالب التحالف الكردي تنصبّ على «حل الخلافات وخاصة حول المناطق المتنازع عليها، وفي مقدمتها كركوك».
وشهدت محافظة البصرة، أمس، هدوءاً حذراً بعد جولات الاحتجاجات الأخيرة. وقامت قوات الأمن العراقية بإعادة انتشار في مختلف مناطق البصرة، بعد انسحاب جزئي كانت قامت به إثر تصاعد العنف في المدينة. وكان رئيس الوزراء العراقي أصدر قراراً باستبدال قائد عمليات الجيش العراقي في البصرة الفريق الركن جميل الشمري، الذي عيّن مكانه الفريق الركن رشيد فلح، وكذلك استبدل مدير عام شرطة المحافظة جاسم السعدي، وعيّن مكانه اللواء الركن جعفر صدام.