لماذا اختارت واشنطن "جيمس جيفري" مبعوثاً لها في سورية؟ قراءة في الدلالات والتوقيت

لماذا اختارت واشنطن "جيمس جيفري" مبعوثاً لها في سورية؟ قراءة في الدلالات والتوقيت

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٥ سبتمبر ٢٠١٨

أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في 18 آب/اغسطس الماضي تعيين سفيرها الأسبق في العراق جيمس جيفري، مستشارا خاصاً لوزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" لشؤون التسوية في سوريا. وكتبت الخارجية على حسابها في "تويتر" أن المهام التي ستوكل إلى جيفري ستتمحور في بحث جميع جوانب الصراع السوري والعمل على تنسيق عملية الحل السياسي في سوريا.
 
تعيين جيفري في هذا المنصب حمل معه العديد من الدلالات والقراءات حول ما ستكون عليه السياسة الأمريكية القادمة في سوريا، وذلك بالنظر أولا إلى التطورات الحاصلة في المنطقة، وثانيا للشخصية السياسية التي يتمتع بها جيفري والتي عبر عنها خلال عمله الدبلوماسي في سفارات أمريكا في العالم، أو من خلال الأبحاث التي يقوم بنشرها في معهد واشنطن للشرق الأدنى.
 
الخريطة السياسية للمنطقة مع استلام جيفري للملف السوري:
 
أولاً: يحقق الجيش السوري وحلفاؤه انتصارات متلاحقة في الميدان العسكري وفي ملف التسويات، وتوشك معركة إدلب على البدء وبالتالي عودة آخر معاقل الجماعات الإرهابية المسلحة إلى حضن الدولة السورية، فيما بدأت تعترف الدوائر الغربية بانتصار الرئيس الأسد، وهنا تدرك أمريكا أنها لن تستطيع تطبيق سياساتها في سوريا، كونها خاسرة وليست رابحة في الحرب.
 
ثانياً: دخول مسار جنيف للأزمة السورية في حالة احتضار، وأصبح جلياً أن مسار أستانا هو المسار الفاعل في وضع حل للأزمة السورية، ومع انطلاق الاجتماع الثلاثي لإيران وروسيا وتركيا في طهران الجمعة المقبلة لتقرير مصير إدلب آخر معاقل المسلحين، سيكون الدور الرسمي لأمريكا والدول الغربية في المعادلة السياسية في سوريا قد ضعف إلى حد كبير.
 
ثالثاً: انطلاق المساعي الروسية لحث الدول على المشاركة في إعادة إعمار سوريا، والمساعدة على إعادة اللاجئين، وهو المسعى الذي تعمل واشنطن على عرقلته بشتى الوسائل.
 
رابعاً: التوترات الأمريكية التركية، قد دخلت مرحلة حساسة مع العقوبات التي فرضتها واشنطن على أنقرة، وإقبال الأخيرة على شراء صفقة صواريخ إس 400 الروسية، وتعزيز علاقتها بروسيا على حساب أمريكا.
 
خامساً: الأكراد في سوريا لديهم تحفظ وضعف في الثقة تجاه الدعم الأمريكي، الذي يعدهم بالكثير، ويخذلهم في نهاية المطاف لمصلحة التفاهم مع أنقرة، كما حصل في عفرين ومنبج.
 
 لماذا انتخبت واشنطن جيفري لهذه المهمة؟
 
شغل جيفري مناصب سياسية في الدول المحيطة بسوريا كسفير سابق في كل من العراق وتركيا، وهو يعرف المنطقة جيداً لا سيما وأنه يعمل كباحث في معهد واشنطن للشرق الأدنى، وهو المعهد المعني بالاستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية لأمريكا في الشرق الأوسط مع تركيز خاص على تركيا والعراق وإيران.
 
 يعتبر جيفري من السياسيين المحنكين دبلوماسياً ومن الصقور تجاه إيران وروسيا، وقد انتقد كثيراً سياسة ترامب تجاه روسيا، إلا أنه ينحاز إلى تحسين العلاقات مع تركيا، وبالتالي لن يكون صديقاً حميماً للأكراد، وهذا سيفقده هامش المناورة في اللعب على الورقة الكردية شرق الفرات، كما تعوّل واشنطن عليه في إدارة مفاوضات حازمة مع الأطراف الإقليمية المختلفة وكذلك ما تبقّى من فصائل مسلحة في سوريا، بما يضمن لواشنطن حصة من النفوذ في سوريا والمنطقة.
 
كما يعرف عن جيفري معارضته لانسحاب القوات الأمريكية من العراق في العام 2011، إذ اعتبر وقتها أنه "من دون وجود بصمة على الأرض عبر بقاء القوات الأمريكية، فإن تأثير أمريكا ونفوذها سيتحجّم لمصلحة إيران"، ما ينبئ بأن جيفري سيدعم بقاء القوات الأمريكية في سوريا، لكن هذا الأمر مشروط بقدرته على نسج تفاهمات على الأرض لحماية هذه القوات من هجمات قد تتعرض لها سواء من المقاومة العشائرية التي كونتها سوريا، أم الفصائل المقاومة التي تعمل تحت إشراف المستشارين الإيرانيين.
 
ومن المنتظر من جيفري أن يعمل على إعادة تنشيط مسار جنيف، ولعل هذا كان السبب وراء الترحيب الذي حظي به قبل المعارضة السورية، التي تبحث عن فرصة لإعادة تعويمها ومنحها بالسياسة ما عجزت عنه في الميدان العسكري، كما سيعمل على نسج تفاهمات إقليمية، تقايض فرض الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، بانفتاح سياسي واقتصادي للدول الحليفة لأمريكا على دمشق خاصة في موضوع إعادة الإعمار.
 
 المهمة الصعبة 
 
ترافق تعيين "جيفري" في منصبه الجديد مع تجميد تمويل واشنطن لصندوق إحلال الاستقرار في سوريا، حيث ألغت وزارة الخارجية الأمريكية تحويل حوالي 230 مليون دولار إلى صندوق إحلال الاستقرار في سوريا، حيث يبدو من هذه الخطوة أن أمريكا ترى أن المساهمة في الإعمار لاتزال سابقة لأوانها، طالما أنها لم تتوثق بعد من إمكانية ديمومة نفوذها في منطقة شرق الفرات، ومن ناحية أخرى تدرك واشنطن أنها خارجة من الملف السوري لا محالة، إلا أنها تحاول أن تفرض معادلة إما الخروج السلس مقابل امتيازات أمنية (لمصلحة إسرائيل) واقتصادية، مع احتواء نسبي للدور الإيراني في سوريا، أو دفع الأمور إلى الفوضى ما أمكن، ورفع تكلفة إعادة الاستقرار إلى البلاد على الدولة السورية.