الخطة الأميركية التالية: بعد القدس تصفية «حق العودة»

الخطة الأميركية التالية: بعد القدس تصفية «حق العودة»

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٢٧ أغسطس ٢٠١٨

ليس مفاجئاً أن تكون الخطوة التالية للإدارة الأميركية، بعد إعلان القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، ونقل السفارة الأميركية إليها، الانتقال إلى مرحلة تنفيذ مخطط تصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهو ما أكدته تقارير إعلامية إسرائيلية، أنّ من المتوقع أن تعلن واشنطن قريباً وقف الميزانية والدعم الأميركي لوكالة الغوث الدولية لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) في الضفة الغربية المحتلة ومطالبة إسرائيل بالتضييق على الوكالة.
فقد كان واضحاً أن الموقف الأميركي من مدينة القدس ليس إلا خطوة أولى في مسار تصاعدي يشمل كافة عناوين القضية الفلسطينية. وما مهَّد الطريق للانتقال إلى هذه المرحلة، نتيجة التقويم الذي من المؤكد أنهم أجروه في واشنطن وتل أبيب، لردود الفعل العربية، وهو ما شجعهم على الخطوة التالية. خاصة أن أغلب النظام العربي الرسمي امتنع عن أي ردود فعل جدية، حتى على المستويين السياسي أو الاقتصادي بهدف ردع الطرفين الأميركي والإسرائيلي عن مواصلة هذا المسار، فضلاً عن تراجعه عن قرار القدس. ويجسّد هذا الموقف الأميركي الاحتضان الكامل لمواقف تل أبيب التي ترى أن «حق العودة يشكّل العقبة الرئيسية في المفاوضات».
تتضمن الخطة الأميركية بحسب القناة الثانية الإسرائيلية، خطوات عدة، سيكون أُولاها نشر تقرير عن عدد اللاجئين الفلسطينيين، حيث يزعم الأميركيون أن عددهم يبلغ نصف مليون، مقارنة بأكثر من خمسة ملايين وفقاً للاعتراف الدولي ووكالة «الأونروا». أما المرحلة الثانية للخطة، فستكون عبر إعلان إدارة دونالد ترامب سحب الاعتراف بوكالة «الأونروا» ورفض تعريف اللاجئ المتّبع بالوكالة، وهو بنقل مكانة اللاجئ عبر التوارث بين الأجيال، حيث ستكتفي واشنطن بالاعتراف بالوكالة على أنها مفوضية تعنى بشؤون اللاجئين عموماً، وسيعقب ذلك وقف الميزانيات وتمويل فعاليات «الأونروا» وأنشطتها في الضفة الغربية.
يؤكد التوجه الأميركي لإلغاء حق العودة بعد إعلان القدس أن المرحلة الحالية هي بنظر تل أبيب وواشنطن، مواصلة المساعي للتصفية التامة للقضية الفلسطينية، عبر حسم كافة قضاياها لمصلحة الجانب الإسرائيلي. وبالتالي، سيكون لهذه الخطوة أيضاً ما يتبعها في ما يتعلق بالمستوطنات التي مهّد لها حزب «الليكود» قبل أشهر عبر الدعوة إلى تطبيق القانون الإسرائيلي عليها في الضفة الغربية. وتؤكد أيضاً حقيقة جوهر «صفقة القرن» التي رُوِّج لها ومحاولة التمهيد لإعلانها كإطار لتسوية القضية الفلسطينية، بما يتساوق مع السقف الإسرائيلي.
يبدو، في ضوء فشل واشنطن بانتزاع موافقة فلسطينية، بما فيها اتباع خيار التسوية، أن الطرفين الأميركي والإسرائيلي يعملان على محاولة فرض وقائع سياسية وميدانية، في الساحة الفلسطينية، على أمل أن ينتج من ذلك، ولو لاحقاً، بروز قيادات وفصائل تتبنى هذا السقف باعتباره الأكثر واقعية مع موازين القوى والظروف السياسية العربية والدولية. وهو المنطق نفسه الذي استُنِد إليه لتبرير اتفاقية «أوسلو»، استناداً إلى مفهوم أن البديل منها لم يكن سوى تكريس الواقع القائم. من المؤكد أن تنفيذ قرار خفض عدد اللاجئين إلى نحو 10% من عددهم الحقيقي ستترتّب عنه تداعيات قاسية على اللاجئ، على مستويات متعددة، اقتصادية وسياسية، وتحديداً في دول الطوق، ومن ضمنها لبنان، وسيشكّل تحدياً لهذه البلدان لجهة نمط التعامل مع من نُزعَت صفة اللاجئ عنهم.
في المقابل، تكشف المواقف الإسرائيلية والأميركية المتصاعدة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية عن أنّ أي تراجع في الثوابت لن يؤدي إلى تفهّم إسرائيلي وأميركي للحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، بل سيستدرج ــ وهو ما حصل فعلاً ــ مزيداً من الضغوط لتحقيق المزيد من التراجع، على طريق تحقيق كامل الأهداف الإسرائيلية. في هذا الإطار، يُتوقّع بحسب القناة الثانية الإسرائيلية، الكشف عن تفاصيل الخطة الأميركية الجديدة مطلع أيلول المقبل، وعندها ستنشر الإدارة الأميركية سياستها تجاه «الأونروا».
ويأتي الكشف عن تفاصيل الخطة الأميركية بالتزامن مع قرار إدارة ترامب تقليص المساعدات للفلسطينيين بأكثر من 200 مليون دولار، وبهدف قطع الطريق على أي مسار بديل يتوقع أن تطلب واشنطن من تل أبيب إعادة النظر في التفويض الذي تمنحه لوكالة «الأونروا» للعمل والنشاط في الضفة الغربية المحتلة، بهدف ضمان عدم تمكين الدول العربية من تحويل الميزانيات إلى الوكالة بدلاً من الإدارة الأميركية.
في المقابل، قال المفوض العام لـ«الأونروا»، بيير كراهينبول، إن «خفض الولايات المتحدة لميزانية المنظمة في وقت مبكر من هذا العام كان بهدف معاقبة الفلسطينيين بسبب انتقاداتهم للاعتراف الأميركي بالقدس المحتلة كعاصمة إسرائيلية». ولفت إلى أن «الولايات المتحدة تهدف من وراء ذلك إلى القضاء على أحد أهم عوامل القضية الفلسطينية وسحبها من طاولة المفاوضات».
مع ذلك، من الطبيعي أن ينظروا في تل أبيب إلى هذه الخطوة، على أنها خطوة تاريخية أخرى لترامب، وطاقمه الذي يسعى إلى شرعنة الواقع كما هو بهدف تكريسه، وتحديداً بعد شطب قضية القدس عن طاولة المفاوضات، على طريق محاولة تحقيق الآمال الإسرائيلية في الساحة الفلسطينية.