بين رسائل الرياض وحسابات أوتاوا: الأزمة تحت السقف الدبلوماسي

بين رسائل الرياض وحسابات أوتاوا: الأزمة تحت السقف الدبلوماسي

أخبار عربية ودولية

السبت، ١٨ أغسطس ٢٠١٨

فضلاً عن الحساسية المفرطة تجاه الانتقادات الحقوقية، والتي تزداد فورتها كلما أغرقت السعودية في اعتقال النشطاء، وكذلك ارتفاع سقف الانتقاد الأخير عن المعتاد (كون التغريدة التي ترجمتها سفارة كندا في الرياض، عن وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند، وُجِّهت إلى الداخل)، بدا التوقيت موجِعاً لولي العهد محمد بن سلمان، حيث يسعى الأخير جاهداً في إظهار نفسه كـ«رجل الإصلاحات» على طريقه نحو العرش، على رغم أنه لا يخشى ممارسة سياسة «النعامة» في مواجهة انتقادات أميركية مماثلة. لكن الأزمة المستجدة مع كندا فتحت مجدّداً باب الجدل في شأن حقيقة تلك «الإصلاحات»، التي سبق للمنابر الإعلامية الغربية أن روّجت لها وعملت على تضخيمها، كما أن هذا الخلاف أعاد تسليط الضوء على ملف حقوق الإنسان في المملكة، وكشف هشاشة الأمير الشاب الذي يرى في تغريدة تهديداً لعرشه.
وبعيداً من ميزان الربح والخسارة، والذي يثقل كاهل السعوديين طلاباً مبتعثين ومرضى وعمالاً، يظهر واضحاً أن الرياض هدفت من وراء ما قامت به ضد أوتاوا، وقبلها برلين واستوكهولم وبروكسيل، إلى ابتداع خصوصية لنفسها دولياً في مجال حقوق الإنسان، من خلال ردود الفعل الصبيانية. ردود تحمل جملة رسائل إلى كندا وغيرها، أولها أن العلاقة مع السعودية يجب أن تكون قائمة على قاعدة: «المال مقابل الصمت». وهذا ما تسعى الرياض، منذ سنوات، إلى تكريسه في أروقة الأمم المتحدة، وفي علاقاتها مع الحكومات الغربية، التي تولي «حقوق الإنسان» مساحة في سياساتها الخارجية.
لكن الرياض تستفيد، في الحالة الكندية، من تفاوت المعايير التي تنطلق منها أوتاوا في انتقاداتها الحقوقية؛ إذ يُوجِّه رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، انتقادات علنية لانتهاكات تتعلق بنشطاء تفتح لهم كندا باب اللجوء إليها، لكنه يلتزم الصمت حيال انتهاكات قد تكون بلاده ضالعة فيها جراء صفقات أسلحة، كصفقة بيع مدرعات عسكرية للمملكة، استخدمتها السلطات في هجوم على مدينة العوامية العام الماضي، وراح ضحيته عشرات القتلى والجرحى. تأكّد، حينذاك، لدى الحكومة الكندية استخدام تلك المدرعات في الهجوم «بالصور والمقاطع المصورة»، بحسب ما تفيد به مصادر كندية مطلعة «الأخبار». إلا أن ترودو ذهب إلى الدفاع بشدة عن الصفقة البالغة قيمتها 15 مليار دولار، في رده على مطالبات منظمات دولية حقوقية بإلغائها، زاعماً أنها «تتوافق مع المصالح الوطنية الكندية ولا تنتهك حقوق الإنسان». ولدى سؤال الخارجية الكندية عن ازدواجية المعايير هذه، رفضت الناطقة باسم الوزارة، إيمي ميلز، التعليق في اتصال مع «الأخبار»، قائلة: «نحن لا نعلق على المراسلات الدبلوماسية بين حكومة كندا والحكومات الأخرى».
إلى الآن، تحرص السعودية على حصر نزاعها مع أوتاوا في حدود الدبلوماسية؛ فلا صفقة المدرعات أوقفت، ولا صادرات النفط السعودية تأثّرت بفعل الأزمة. وهي، بذلك، تطالب كندا بالكفّ عن تحصيل مكاسب في مجال حقوق الإنسان أمام المجتمع الدولي على حساب سجل المملكة الأسوأ في العالم، علماً منها بأن ترودو يسعى جاهداً، منذ توليه منصبه، إلى حيازة عضوية غير دائمة في مجلس حقوق الإنسان في دورة 2021 - 2022، وهو التوجه الذي أعلن عنه بعد عام من فوز حزبه في العام 2016، حيث دشّن رسمياً من نيويورك حملة لشغل كندا مقعداً سيجري التصويت عليه في أيلول/ سبتمبر من عام 2020، في منافسة مع كل من إيرلندا والنروج وسان مارينو.
في ضوء ذلك، تتوقع الرياض أن تتزايد انتقادات أوتاوا ضدها مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الكندية، التي ستجرى في الـ21 من تشرين الأول/ أكتوبر 2019. إذ إن العامل الأقوى في تلك المنافسة هو لعب دور أكبر في مجال حقوق الإنسان وحفظ السلام والإنفاق على المساعدات الخارجية. وهو ما بدأ به ترودو بالفعل، من خلال استئناف دعم وكالة «أونروا» بعد توقفه إبان فترة حكم المحافظين برئاسة ستيفان هاربر، فضلاً عن مساهمة حكومته في تعويض النقص الناجم عن تقليص الولايات المتحدة دعمها للوكالة في كانون الثاني/ يناير الماضي (بينما في المقابل يعتبر أن من حق الاحتلال الدفاع عن نفسه ضد ما يصفها بـ«الهجمات المؤسفة من قبل الجماعات الإرهابية كحماس والجهاد الإسلامي»)، إضافة إلى رفع طاقة استقبال اللاجئين بزيادة 40 ألفاً، لا سيما اللاجئين من مخيمات الروهينغا في بنغلاديش، والذين وعدهم بمساعدة إضافية بأكثر من 220 مليون دولار، وأيضاً نشر قوات ومروحيات في مالي في إطار بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام، وهي أول عملية حفظ سلام تشارك فيها كندا منذ عام 1994.
والجدير ذكره، هنا، أن رفض ترودو الاعتذار للسعودية، أثار تعاطفاً كبيراً مع الرجل الذي كانت تراجعت شعبيته وشعبية الحزب الذي يتزعّمه (حزب الأحرار). إذ، وفي أعقاب الأزمة مع الرياض، اجتمعت وسائل الإعلام الكندية على تنصيب ترودو «المدافع الأول عن حقوق الإنسان» إثر «تخلّي» واشنطن وغيرها من العواصم عنه، في ظل توقعات بأن تلعب التطورات الأخيرة دوراً في استعادة المسؤول الشاب ثقة الداخل الكندي به، بعدما تصاعدت الانتقادات المُوجَّهة لسياساته.