بين شاطئ غزّة 2014 وحافلة صعدة 2018.. المشهد يتكرّر

بين شاطئ غزّة 2014 وحافلة صعدة 2018.. المشهد يتكرّر

أخبار عربية ودولية

الأحد، ١٢ أغسطس ٢٠١٨

5 أطفال يقتلون يومياً في العالم العربي، إحصائية كشفت عنها اليونيسف تبرز مدى الجرم الذي يتعرض له أطفالنا في منطقتنا. فالطفل العربي يعيش في مجتمعات تمر بظروف سياسية واقتصادية غير مستقرة؛ الأمر الذي ينعكس على حياته ويجعله يمر بظروف أسوأ من تلك التي يعيش في ظلها نظراؤه في باقي دول العالم ما فيها دول العالم الثالث، ذلك أن هناك أكثر من 15 مليون طفل عربي يعيشون في ظروف إنسانية صعبة، ويواجهون أخطارًا عدة بسبب الحروب والكوارث. وسعت المنظمات الحقوقية في العالم الى تكريس مبدأ الحفاظ على حياة المدينيين وخاصة الاطفال في مناطق الحروب والنزاع، وقد سنت في سبيل ذلك الكثير من القوانين وعقدت المؤتمرات من أجل تحقيق التوعية اللازمة في هذا المجال، الا أن كل جهودها الدولية في هذا الصدد لم تحقق الهدف المنشود منها. وكثيراً ما كان المدنيون الأبرياء أبرز ضحايا تلك الحروب في صورة قتلى وجرحى ومشوّهين ومشرّدين بالملايين، وخاصة الأطفال منهم الذين تحوّل قتلهم إلى عار مقيم على صدور البشرية جمعاء.
 
هذا المشهد رأيناه يوم الخميس الماضي، حينما قامت طائرات التحالف السعودي الأمريكي باستهداف حافلة أطفال كانوا متجهين لمعسكر لتعلم القران الكريم، استهدفتهم الصواريخ دون رحمة، أحرقت أجسادهم الطاهرة وتبعثرت أعضاؤهم على الأرض، انهت رحلة الصغار في يوم دامٍ كان مسك ختامه أكثر من خمسين شهيداً و77 جريح. هذه الصور أيقظت العالم من جديد، الذي صدم من هول الفاجعة، حيث دعا مجلس الامن الدولي نهار الجمعة الى تحقيق شفاف ذو مصداقية في غارة "التحالف العربي" بقيادة السعودية على محافظة صعدة اليمنية، الا أن مصير هذه التحقيقات سيكون مثل سابقاتها ستنسى ولن تذكر بعد فترة لن تكون بطويلة.
 
مجزرة الأسبوع الماضي في محافظة صعدة، اعادت الى الاذهان مجزرة شاطئ غزة في عام 2014، حينما قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بقتل أربعة أطفال فلسطينيين وإصابة ستة آخرين، كانوا يلعبون على شاطئ غزة بعد استهدافهم بصواريخ من طائرات مسيرة تزامنا مع العدوان الإسرائيلي على القطاع. وبين المجزتين نقاط تشابه كثيرة نذكر منها:
 
1- ان الطرفان لا يتوانيان عن استهداف الأطفال دون أي رادع، حيث سجل لهم التاريخ مجازر كثيرة، فالسعودية اليوم مسؤولة بحسب تقارير للأمم المتحدة عن قتل أكثر من 1200 طفل في حربها على اليمن خلال الأربع سنوات الماضية، أما الإسرائيلي يمكن اعتباره الخبير الأكبر في قتل الأطفال، فمن منا ينسى مجازر صبرا وشاتيلا ومجازر قانا 1 و 2 وفي فلسطين من ينسى صورة الطفلة ذي 14 شهراً وأمها الحامل التي قتلتهم طائرات الاحتلال الإسرائيلي، او مجزرة شاطئ غزة أو أو...كثيرة هي المجازر التي ارتكبها الطرفان في ظل صمت دولي يكتفي بالتنديد والجشب.
 
2- في صعدة قال التحالف على لسان الناطق باسمه، المالكي، أن استهداف الحافلة كان هدفاً مشروعاً، وأن الأطفال كانوا متجهين الى جبهات القتال للقتال الى جانب حركة أنصار الله، وهي الحجة نفسها كانت بالنسبة للإسرائيلي، حيث قال الضباط الذي شاركوا في عملية الاغتيال، أنهم ظنوا للوهلة الأولى أن الأطفال، الذين كانوا من عائلة واحدة وأعمارهم بين 10 أعوام و11، هم عناصر من حركة "حماس"، رغم أنه جرى استهدافهم في وضح النهار.
 
3- كما أن الاعتداءين حصلا بأسلحة أمريكية، فالسعودية نفذت مجزرتها بصاروخ بـ "سيفين ونخلة" يحمل الجنسية الأمريكية رصد الحافلة وهي تشق عباب النهار، وانتظر وصولها إلى وسط سوق شعبي مكتظ بزحام المدنيين ليفرغ حمولة الموت البشعة بكل صلف، وينهي الفصل الأخير من رحلة الصغار في يوم دامٍ، كما أن السعودية تحتل المرتبة الأولى لأكثر الدول استيراداً للسلاح من أمريكا، أما بالنسبة للإسرائيلي فكل ما لديه من عتاد وسلاح ومال هو من أمريكا.
 
4- بعد حصول الجرائم يسارع المجتمع الدولي للمطالبة بتحقيق دولي شفاف الا أن التغطية السياسية الأمريكية لجرائم الطرفين في فلسطين واليمن تمنع حدوث ذلك وينته بالتحقيق في ادراج الأمم المتحدة.
 
5- في الشاطئ كان الأطفال يلعبون كرة القدم، وفي اليمن كانوا ذاهبين الى دورة تدريبية ثقافية لتعليم قرآن.
 
6- كما أن أهداف الطرفين من هذه المجازر هي واحدة هي بث الخوف في نفوس المقاتلين، الا أن هذه المجازر كانت حافزاً لآلاف اليمنيين والفلسطينيين الذين لم تقبَلْ كرامتُهم البقاءَ في المنازل وانتظار الصواريخ، فذهبوا إليها بأنفسهم، حملوا أسلحتَهم وتوافدوا الى جبهات قتال، ففي اليمن ومنذُ 4 سنوات وإلى اليوم ينتزعون أرواحَ آلاف الجنود السعوديّين والاماراتيين والمرتزقة، وما تزالُ تلك الجبهات تنتظرُ أن يحج إليها من ستوقظه ذكرى مجازر السعودية بحق الشعب اليمني، وفي فلسطين يقاوم الفلسطينيون كل يوم، يقاومون المقلاع بالمخرز، يتوافدون كل نهار جمعة الى مخيمات العودة، من اجل التأكيد على حق العودة.
 
كثيرة هي أوجه التشابه بين هاتين المجزرتين، ويقول محللون في الشأن الحقوقي من معهد إنتربرايز الأمريكي، أن المجازر التي ترتكبها السعودية في اليمن شبيهة بالمجازر التي ترتكبها اسرائيل بحق الشعبين اللبناني والفلسطيني، وهي تصب في الهدف نفسه، ويمكن القول أن المنفذ واحد بالرغم من تعدد أشكاله.
 
ختاماً، يمكن القول إن الكيان الإسرائيلي أحد أبرز المستفيدين فيما حصل بالمشهدين، ففي المشهد الأوّل روّع الفلسطينيين، وأما المشهد الثاني الذي يتكرّر من 26 أذار مارس 2015 جعل وسائل الإعلام العالمية والعربية تسلط الضوء على الإجرام السعودي بعد أن كان الإجرام الإسرائيلي عنواناً لها لسنوات. في الحقيقة قدّم السعودية من خلال جرائمها خدمة كبيرة للكيان الصهيوني من خلال طريقين رئيسيين: الأول في قتل الألاف من أشدّ المعادين للكيان الإسرائيلي، وثانياً في تربع الرياض على عرش الإجرام، وحلول اسرائيل في الوصافة بعد أن كانت تحتل الصدارة لعقود من الزمن وهذه النقطة لا نبالغ إذا قلنا إنها أحد أهم ركائز صفقة القرن.