بعد فوزه في الانتخابات.. إلى أين يسير أردوغان بتركيا؟

بعد فوزه في الانتخابات.. إلى أين يسير أردوغان بتركيا؟

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٢٨ يونيو ٢٠١٨

عقودٌ من "الصلاحيات المحدودة" التي فرضها الدستور على رئيس الجمهورية التركي، ألغاها أردوغان في الاستفتاء الذي أجراه منذ قرابة العامين لكنه ربطها حينها بالانتخابات الرئاسية المقبلة، وبالأمس القريب أعلن أردوغان إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكّرة كان يعلم أنّه سيكون الفائز بها، وعلى هذا الأساس تمكّن أردوغان أول أمس من الفوز بالانتخابات الرئاسية وإعلان بدء عهد جديد من السياسة في تركيا يتخطى عهد البرلمانية ويتحول إلى عهد الصلاحيات المطلقة للرئيس.
 
إذاً؛ فاز أردوغان وأصبح أهم شخصيّة سياسة عرفها الأتراك منذ العام 2002، وأنهى العقبات القانونية والقيود الكبيرة التي لازمته طوال فترة رئاسته والتي أقرّها مؤسس الجمهورية التركية "مصطفى كمان أتاتورك"، وعلى هذا الأساس أصبح أردوغان ليس فقط رئيساً للجمهورية التركية بل مؤسس النظام الجديد في البلاد.
 
الآن، وبعد انتخابات كان متوسط المشاركة بها يقارب الـ 87٪ من الأتراك، والتي أفرزت فوز حزب العدالة والتنمية، من غير المعروف بعد كيف ستؤثر هذه النتائج على صنع السياسة داخل تركيا، أو على المستقبل السياسي للبلاد على المستوى الوطني، وهنا يمكن الحديث عن عدّة مكونات أساسية يمكن مشاهدتها فيما بات يُعرف بعرض "الأردوغانية".
 
النصر الكبير لأردوغان
 
وفقاً للنتائج التي أُعلنت في الانتخابات الرئاسية، فاز أردوغان بـ 52.55٪ من الأصوات، في حين حصل منافسه محرم اينجه على 30.67٪ من الأصوات، أما صلاح الدين دميرتاش (ممثل الأكراد" فحصل على 8٪، أما ميرال أكشنر على 7٪ فقط، وعلى هذا المنوال فاز حزبه العدالة والتنمية أيضاً بأغلبية برلمانية أيضاً.
 
النتائج التي أفرزتها الانتخابات التركية حملت العديد من الرسائل أهمها أنّ أردوغان وحزبه باتوا قوةً غير متنازع عليها في تركيا، وابتداءً من هذا الفوز لن يواجه أردوغان ولا حزبه أيّة مشكلات من أجل تشكيل حكومته الجديدة والانتقال بالنظام السياسي من البرلماني إلى الرئاسي، ومن ناحية أخرى حملت هذه الانتخابات رسالة لحزب الشعب الجمهوري وهو المنافس لحزب العدالة والتنمية المنافسة، مفادها أنّ العدالة والتنمية فاز بأغلبية الأصوات وكانت الخسارة على حساب حزب الشعب الجمهوري، أما أهم تلك الرسائل فكانت تمكّن حزب الشعوب الديموقراطية "الكردي" من الدخول إلى البرلمان التركي وهو الحدث الذي يُعتبر واحداً من أهم الأحداث في الانتخابات التركية.
 
نهاية الموروث الأتاتوركي              
 
يمكن القول إن أول وأهم نتائج الانتخابات التي أجريت في 24 يونيو 2018 من قبل الأتراك، هو وداع نظام كمال أتاتورك البالغ من العمر 94 عاماً، وهو مؤسس الجمهورية التركية الجديدة التي أقيمت على أنقاض الإمبراطورية العثمانية، حيث استطاع أتاتورك تأسيس دولة علمانية قائمة على القيم الغربية مع نظام سياسي برلماني، وهو النظام الذي سيطر على تركيا طوال عقود، وفي الوقت ذاته، فإن أهم القيم التي يمكن اعتبارها النقطة المركزية في إرث أتاتورك أنها تستند إلى المبدأين الأساسيين "النظام السياسي البرلماني" و"العلمانية القريبة من العلمانية"، بتعبير أدق  فإنّ أتاتورك جعل المجتمع السياسي التركي بيد البرلمان، أما الدين فكان تابعاً للسياسة وأجزاء من المجتمع.
 
هذان المبدآن وخلال العقود التي أعقبت عام 1924، اُعتبرا غير قابلين للتغيير، وبقدر ما كانت هذه القيم مهددة، ووفقاً لما أراده كمال أتاتورك فقد كان الجيش موجوداً لحماية القيم "الكمالية" حتى أنّهم يستطيعون القيام بالانقلابات "لفترة محددة"، الأمر الذي أنتج ومنذ تأسيس تركيا الجديدة حتى عام 2002 (تاريخ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة) أربعة انقلابات جرت في مايو 1960، ومارس 1971، سبتمبر 1980 وفبراير 1997.
 
ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، تم اتخاذ عدّة خطوات لتعديل مبادئ "الكمالية" في تركيا، وفي الفترة الأخيرة نجح أردوغان ولو بشكلٍ قليل في تغيير القانون الخاص بالتعليم في تركيا، بالإضافة لقضايا أخرى مثل قضية "كشف الحجاب الإلزامي في الإدارات والجامعات"، واستمر أردوغان في الظهور على مسرح القوة التركي بعد الانتهاء من الحكم بفترتي رئاسة لمجلس الوزراء، وهنا بدأ بالتدريج تغيير النظام السياسي البرلماني إلى رئاسي، مع صلاحيات أكبر للرئيس، الأمر الذي دفع الجيش مرة أخرى إلى الاعتماد على الانقلاب ليقوم في 15 يوليو 2016 بانقلاب فاشل ضد أردوغان.
 
وأخيراً يمكن رؤية علامة واضحة على الحقبة الجديدة للتاريخ السياسي التركي من خلال تصريحات أردوغان بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، حيث قال في كلمته: "قاتلنا المخربين والخونة، وكلنا وقفنا بوجه أولئك الذين كانوا ينتظرون سقوط تركيا"، كما تبنى أردوغان حملة كبيرة ضد الجماعات الإرهابية وصولًاً إلى حزب العمال الكردستاني، وجميع هذه النشاطات التي يقوم بها أردوغان تُشير وبوضوح إلى أنّ برنامج أردوغان السياسي مستمر في التخلص من معارضيه في الميدان، ويبدو أيضاً أنه سيبدأ بسرعة في تنفيذ خططه هذه.