هل تدفع الضغوط الامریکیة أوروبا نحو الاستقلال؟!

هل تدفع الضغوط الامریکیة أوروبا نحو الاستقلال؟!

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٣ يونيو ٢٠١٨

عزّزت الخشية الأوروبية من الدبّ الروسي تقارب دفّتي المحيط الأطلسي، ولكن مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض تبدو الصورة معاكسة بعض الشيء، ترامب أثار مخاوف أوروبا من خلال تقاربه مع روسيا، كذلك، أدّت سياسات ترامب الحادة سياسياً كالخروج من الاتفاق النووي، والاقتصادية كمطالبة الدول الأوروبية برفع حصتها من الدعم للناتو، إلى بروز قناعة أوروبية بضرورة الخروج من العباءة الأمريكية شيئاً فشيئاً.
 
لم تتوقف سياسات الرئيس التاجر الهجومية ضد أوروبا والعالم عند هذا الحدّ، بل استمرت لتشمل يوم الجمعة الفائت قراراً جديداً من ترامب لفرض رسوم على الحَديد والصلب ومنتوجات الألمنيوم والسَّيارات تتراوَح بين 15 إلى 25 بالمِئة لشركات ألمانية وشركات فرنسية لديها مشاريع استراتيجية مهمة جداً في مجال الطاقة مع الشركات الروسية، وسواء داخل روسيا أم خارج روسيا وبالتالي هذا محور مهم جداً للجانبين، لأن الطاقة هي حياة أوروبا بمعنى أنّ الغاز الذي تصدره روسيا لأوروبا يساوي حياتها.
 
وجاء الرَّد الأوروبيّ حتى الآن في تَقديم شكوى لمُنظَّمة التِّجارة الدوليّة، وإعداد قائِمة بالسِّلع الأمريكيّة التي يَعتزِم الاتِّحاد الأوروبي فرض ضرائِب عليها في إجراءٍ انتقاميٍّ، ونقلت فرانس برس عن المفوضية الأوروبية للتجارة سيسيليا مالمستروم قولها "إن أمريكا تمارس لعبة خطيرة وترتكب خطأ عندما تستهدف أوروبا الحليف التقليدي لها"، لافتة إلى أنه "في حال لم يحترم الأفرقاء المعنيون في هذا العالم الضوابط فإن النظام التجاري مهدد بالانهيار".
 
هل تخرج أوروبا من تحت العباءة الأمريكية
 
لا تبدو العلاقات الأوروبية - الأمريكية تسير على خطا جيدة في ظل السياسيات الجديدة التي تنتهجها واشنطن حيال صديقتها التقليدية أوروبا في عصر الرئيس الحالي دونالد ترامب الذي يعمل من حيث يدري أو لا يدري لوضع العصا في العجلات فيما يخص العلاقات مع أوروبا، ويريد ترامب أن يركع الدول الأوروبية لكي توافق على جميع تطلعاته السياسية والقرارات التي يتخذها تجاه أي دولة سواء غربية أم شرقية، ومن هنا بدأت الخلافات تتعمق مع أوروبا التي لا تريد أن تكون على الهامش أو معدومة الشخصية كما هو الحال بالنسبة لبعض الدول التي توافق ترامب بكل ما يتخذ من قرارات، قد يكون ذلك جيداً في الوقت الحالي لكن أوروبا مبنية على أسلوب استراتيجي في التفكير، وتعلم جيداً أن تنازلاتها لترامب لن تشبعه فهو كالثور الهائج الذي يريد أن يدمّر كل من يقف في طريقه، وفي حال تنازلت أوروبا لترامب ما الذي يضمن لها اكتفاءه بذلك، فترامب يريد أن يمارس "سياسة هتلرية" مع الجميع وهذا قد يكلف أوروبا أنظمتها، وهي غير مستعدة لهذا الخيار، لذلك نجدها اليوم تعمل على إعادة حساباتها وتكتلاتها لإيقاف الجحيم القادم من خلف الأطلسي.
 
سياسة الرد
 
تدعو فرنسا حالياً إلى إنشاء قوة تدخّل أوروبية تكون قادرة على القيام بعمليات عسكرية خارج إطار الحلف الأطلسي، وبعيداً عن هيمنة الأمريكيين، وقالت وزيرة الدفاع الفرنسي فلورانس بارلي السبت الماضي أن نحو عشر دول بينها ألمانيا وبريطانيا مستعدة للمضي في إنشاء هذه القوة، ومن المقرّر عقد اجتماع الشهر المقبل بهذا الصدد لتوقيع إعلان نوايا.
 
ومن المتوقع أن يكشف زعماء دول الاتحاد الأوروبي الـ28 مساء الأربعاء المقبل في صوفيا عن موقفهم إزاء هذا الملف، عشية قمة مقررة لبحث شؤون منطقة البلقان، ووعد دونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي الذي يمثل دول الاتحاد الأوروبي، في تغريدة بأن يعلن الاتحاد الأوروبي في صوفيا عن "مقاربة أوروبية موحدة".
 
من جانبها صرّحت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديركا موغيريني الجمعة تعليقاً على قرار ترامب بشأن فرض رسوم جمركية جديدة على بعض السلع الأوروبية، أن الاتحاد "لا يخوض حرباً ضد أحد"، وأنه من البديهي أن "يدافع التكتل عن مصالحه" في مواجهة الإجراءات التجارية الأمريكية.
 
أما المستشارةُ الألمانية أنجيلا ميركل فقد دعت الدولَ الأوروبية لتقريرِ مصيرِها بنفسِها، معتبرةً اَنّ أوروبا لم يعد بمقدورِها الاعتمادُ على الحمايةِ الأمريكية، كما قال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر "إن واشنطن لم تعد تريد التعاون مع بقية العالم، ووصلنا إلى مرحلة باتت تفرض علينا البحث عن بديل لأمريكا".
 
من يقصد يونكر بالبديل؟!
 
على ما يبدو إن الغرب سيتجه شرقاً وسيعزّز من علاقاته الاقتصادية والتجارية والأمنية أيضاً مع كل من روسيا والصين كتعويض عن شراكته مع أمريكا التي تمارس سياسية "فوقية" تجاه دول أوروبا وتخالفها في قراراتها وتحارب تعهداتها تجاه بقية الدول ما يحرج أوروبا ويحدّ من مصداقيتها.
 
أضف إلى ذلك أن أوروبا غير مستعدة للمضي في مغامرات ترامب الاقتصادية والسياسية والعسكرية، والتي كان آخرها الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، الذي تحوّل اليوم إلى لعنة تقوّض سياسة ترامب مع الأوروبيين وتأخذها نحو "حرب عالمية تجارية" لن ينجو منها أحد، فلا أحد يستطيع أن ينكر بأن خروج ترامب من الاتفاق النووي زاد من حدة التوتر بينه وبين الغرب وخاصة فرنسا وألمانيا اللتان تملكان مصالح اقتصادية استراتيجية مع إيران، وبالتالي سيكون لذلك تأثير كبير على اقتصادهم فاليوم يأتي موضوع فرض رسوم جمركية وبعد غد لا أحد يعلم ماذا سيحدث في ظل وجود زعيم أمريكي يقود العالم نحو المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار.