نتنياهو يسعى إلى استدراج واشنطن: «شرطي مقاول» لحماية إسرائيل

نتنياهو يسعى إلى استدراج واشنطن: «شرطي مقاول» لحماية إسرائيل

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٥ مارس ٢٠١٨

قد تكون زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، محطة تقليدية في سياق العلاقات الثنائية الخاصة بين واشنطن وتل أبيب. الأمر نفسه ينسحب على مشاركته في مؤتمر «إيباك».
 
لكن ذلك كله، لا يلغي الخصوصية التي تتمتع بها هذه الزيارة، وهو ما يتضح جلياً في ضوء الكشف عن أنه سيبحث خلال الزيارة، التي يفترض أن تستمر خمسة أيام، سبل تقليص «النفوذ والتمركز الإيراني في الشرق الأوسط، وتحديداً في سوريا ولبنان» الذي تفهمه تل أبيب أنه يتم عبر تورط أميركي مباشر، إضافة إلى «الأنشطة النووية الإيرانية» ومناقشة سبل الدفع بمبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تعرف بـ«صفقة القرن». وفي السياق نفسه، يأتي أيضاً بحث قرار ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، في الذكرى السبعين للنكبة وإقامة إسرائيل. ومع كل شيء، ينبغي عدم تجاهل حقيقة أنّ الزيارة تتم في ذروة الاتهامات الموجهة إلى نتنياهو التي تتوالى فضائحه، وتؤكد على أن مستقبله السياسي والشخصي بات، بالقدر المتيقن، رهن جهود الشرطة ومواقف الجهات القضائية المختصة.
في مواجهة إيران وحلفائها، تأتي زيارة نتنياهو في الوقت الذي ارتفعت فيه انتقادات حادة في تل أبيب لسياسة إدارة ترامب في مواجهة إيران في سوريا ولبنان. وبعبارة أوضح، عدم تبنيها سياسات «أكثر فاعلية» (هجومية) لردع أو تغيير المعادلة القائمة في سوريا ولبنان. وعلى هذه الخلفية، أكد العديد من التقارير الإسرائيلية، والمواقف الأميركية أن نتنياهو سيركز في لقائه مع ترامب على ضرورة توسيع مهمة القوات الأميركية في سوريا، لمنع «تمركز إيران في سوريا وتهديد إسرائيل».
يكشف المطلب الإسرائيلي، عن مخاوف تهيمن على صانع القرار في تل أبيب من المسار التصاعدي لمفاعيل انتصار محور المقاومة في سوريا، وأثر ذلك على الأمن القومي الإسرائيلي. وينطوي أيضاً على إدراك عميق، يتجنب قادة تل أبيب الإفصاح عنه بشكل صريح ومباشر، وهو أن مهمة مواجهة كل مفاعيل انتصار الدولة السورية وحلفائها، أكبر من قدرة إسرائيل، وفي أقل الأحوال، تنطوي على أثمان هائلة تتجاوز قدرة إسرائيل على التحمّل. من هنا، تطالب سراً وعلناً بضرورة «توسيع» نطاق عمليات القوات الأميركية لتشمل إيران وحلفاءها، وبعبارة أدق يسعى نتنياهو إلى «توريط» الولايات المتحدة في مواجهة عسكرية مباشرة مع محور المقاومة. ويحضر في هذا السياق معطى إضافي مستجد، تمثل بمخاوف تل أبيب من الرسائل السياسية والردعية، التي انطوت عليها أحداث العاشر من شباط (إسقاط طائرة اف 16، وانفجار عشرات الصواريخ فوق أجواء إسرائيل)، والقلق من إمكانية تكرارها، بل وتحولها لاحقاً إلى نهج، بغض النظر عن الوتيرة والأشكال التي سيتخذها. وهو ما ترى فيه ترجمة وتجسيداً لتغيير موازين القوى في الساحتين السورية والإقليمية.
في السياق نفسه، وقبل وصول نتنياهو إلى واشنطن، كشف مدير مكتب القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي، عن أن ترامب سيطالب نتنياهو، بما يُحكى إسرائيلياً عن قصور أميركي في مواجهة إيران في سوريا. وهو ما ينطوي على انزعاج سائد في البيت الأبيض، كونه يؤثر سلباً على صورته في الداخل الأميركي.
مع ذلك، النقطة الأهم في هذا «السجال» الأميركي الإسرائيلي، هي أن كليهما يجمعان على ضرورة مواجهة إيران على المستوى الإقليمي، وتحديداً في سوريا، وضرورة تحجيم نفوذها وتأثيرها. وكلاهما متفقان أيضاً على خطورة مفاعيل انتصار محور المقاومة في سوريا والمنطقة. لكن تعقيدات الميدان، وظروف وأولويات كل منهما، فرضت هذا التباين. إسرائيل تريد، لكنها تدرك الأثمان الباهظة، فضلاً عن محدودية قدراتها في مواجهة محور المقاومة. في المقابل، الولايات المتحدة لا تزال تعيش هاجس مفاعيل احتلال العراق، ولا تريد أن تستدرج نفسها لتكرار تلك التجربة المريرة. وتكشف الضوابط والقيود التي تلتزم بها إدارة ترامب، حتى الآن، إدراكها وتقديرها أن أي رسائل تهويلية أو عدوانية تستند الى تقديرات خاطئة لن تقتصر نتائجها على عدم ارتداع الطرف المقابل، بل ستؤدي بالضرورة إلى تدحرج نحو مواجهة واسعة.
مع ذلك، تبقى حقيقة ثابتة أنه ليس أمام الإسرائيلي سوى خيار مواصلة مساعيه الهادفة إلى إحداث تعديل ما، في الاستراتيجية الأميركية. لكن الرسالة الأهم في هذه المرحلة هي أن ما جرى ويجري بين واشنطن وتل أبيب، يعكس «انقلاباً» ما في المعادلة الثنائية. فبعدما كانت تل أبيب ولا تزال شرطياً مقاولاً للسياسات الأميركية في المنطقة، تحاول الآن أن تستدرج الولايات المتحدة للقيام بدور «الشرطي» الذي يحمي بدماء جنوده الأمن القومي الإسرائيلي. ويعود ذلك، بشكل رئيسي إلى حضور مفاعيل التبدل الجذري الذي استجد على البيئتين الاستراتيجية والعملانية، لدى صناع القرار السياسي والأمني في تل أبيب، وهو ما كشف قيود القوة الإسرائيلية، ومحدودية خياراتها الذاتية التي تستجدي تورطاً عسكرياً أميركياً مباشراً وواسعاً في سوريا والمنطقة.