اتفاق غاز «مصري ــ إسرائيلي»: الصفقة الأخطر منذ «كامب دايفيد»

اتفاق غاز «مصري ــ إسرائيلي»: الصفقة الأخطر منذ «كامب دايفيد»

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٢٠ فبراير ٢٠١٨

رغم التوقعات المصرية الأخيرة بتحقيق الاكتفاء الذاتي في الغاز الطبيعي، فإنّ صفقات تصدير «الغاز الإسرائيلي» إلى مصر شقّت طريقها مجدداً، في خطوة سارعت تل أبيب إلى الترحيب بها، واصفة اليوم بأنّه «عيد». وفي وقت حاولت فيه القاهرة تبرير الصفقة تحت عنوان «الشركات الخاصة»، فإنّ ما حصل قد يُعدُّ الأخطر منذ «سلام كامب دايفيد»، خاصة أنّ الصفقة تأتي في الوقت الذي يدور فيه صراع على الحدود البحرية بين مختلف الدول الإقليمية
في ظل الدفء المتجدّد في العلاقات الثنائية بين القاهرة وتل أبيب، ورغم أجواء التوتر الإقليمية، أُعلن رسمياً، أمس، إبرام اتفاقات جديدة بين شركة مصرية خاصة، هي «دولفينوس هولدينغ»، وشركتي «نوبل» الأميركية و«ديلك» الإسرائيلية، لتصدير «الغاز الطبيعي من إسرائيل» إلى مصر. وصحيح أنّ الخطوة تأخرت أكثر من عامين على خلفية الأحكام التي حصل عليها الجانب الإسرائيلي بـ«أحقيّته» في تعويضات مالية من الحكومة المصرية بسبب «إخلالها بالشروط المنصوص عليها في اتفاقية تصدير الغاز» المُوقعة إبان حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، فإنّ هذا الإعلان يخرج في ظلّ تغطية سياسية من العاصمتين المعنيتين.
في السياق، بدت لافتة مسارعة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى الترحيب بما وصفها «الصفقة التاريخية»، مشيراً إلى أنها «ستدخل إلى خزينة الدولة مليارات الدولارات، ما سيسهم في تعزيز الأمن والاقتصاد والعلاقات الإقليمية». ووصف نتنياهو يوم التوقيع على الصفقة بأنه «يوم عيد»، مشدداً على أن الاتفاق «سيعزز العلاقات الاقليمية» ومكانة إسرائيل في المنطقة. وفي هذا الصدد، رأى وزير الطاقة والمياه يوفال شتاينتس، أن توقيع صفقة الغاز يجعل إسرائيل «لاعباً مركزياً في مرافق الطاقة الإقليمية»، مؤكداً أنها أكثر الصفقات التصديرية أهمية مع مصر منذ أن وقع البلدان «معاهدة السلام» في عام 1979.
وفي حديث إلى «فايننشل تايمز» البريطانية، رأى الباحث المتخصص جاك كينيدي، أنّ «من البديهي أنّ ثمة حساسيات سياسية تحوم حول اتفاقات كهذا»، ولكنه أضاف أنّه «في إطار التعاون الأمني المتزايد الذي نشهده في الأعوام الأخيرة بين إسرائيل، مصر، والسعودية، فإنني لا أُفاجأ حيال اتفاقات إضافية كهذا في الأعوام المقبلة». في السياق نفسه، علّقت شبكة «بلومبرغ» الأميركية على الصفقة «الهائلة»، قائلة إنّها تجعل العلاقات بين النظامين السياسيين «أكثر من مجرد تعاون أمني». وجدير بالذكر أنّ الأردن بدوره، وقّع في شهر أيلول/سبتمبر 2016، اتفاقاً لشراء 300 مليون قدم مكعب من «الغاز الإسرائيلي» يومياً على مدى 15 عاماً، في صفقة قُدِّرت قيمتها بعشرة مليارات دولار (وفق ما ذكّر تقرير لشبكة بي بي سي).
وبرغم أنّ الموقف المصري الأولي على الصفقة، جاء على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة البترول المصرية حمدي عبد العزيز، وقد بدا تبريرياً، نقلت وكالة «رويترز» عن مصدر قالت إنّه في الحكومة المصرية، أنّ الصفقة لا تعني أن «مصر نفسها ستستورد أي كميات من الغاز من الخارج»، مضيفاً أنّ «شركات خاصة دولية ستستورد الغاز من الخارج في إطار احتياجاتها، بالإضافة إلى تسييل الغاز وإعادة تصديره مرة أخرى».
إلا أنّ المفارقة هي أنّ هذه الاتفاقات الجديدة التي تصل قيمتها إلى نحو 15 مليار دولار، وتمتد لعشرة أعوام، ويُتوقع أن يُباع من خلالها 64 مليار متر مكعب من «الغاز الطبيعي الإسرائيلي» لمصر، تأتي بعد أسابيع قليلة على إعلان وزارة البترول المصرية التوجه إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي من حقل «ظهر» الذي دخل إنتاجه الخدمة أخيراً، بعد اكتشافه في البحر المتوسط، وهو ما يعني أنّ «الكمية التي ستُستَورَد سيُعاد تصديرها مجدداً».
جدير بالذكر أنّ «الأخبار»، كانت قد أعدّت في شهر أيلول عام 2014 (العدد 2390)، ملفاً خاصاً بعنوان «الغاز في مصر: كيف تهدر ثروة قومية في عشر سنوات»، وفيه إنّ «قصّة الغاز في مصر تختصر أهمّ معالم النّظام الاقتصادي والسياسي الذي أفقر عشرات الملايين من المواطنين لمصلحة طبقة من الأثرياء والمحظيين؛ هي قصة تخصيص الموارد العامة وتسخيرها لفائدة رجال الأعمال والشركات الأجنبية... وإسرائيل».
وبموجب الاتفاقات بين الشركة المصرية والشركتين الأميركية والإسرائيلية، سيُرسَل الغاز المستخرج من حقلي «لوثيان» و«تمار» إلى مصر عبر خطوط الغاز الموجودة حالياً، التي تمرّ بسيناء، قبل إعادة تصديره إلى الخارج، سواء بشكله الخام أو كغاز مسال، وهي عمليات «ستجري بشكل استثماري، بما يحقق عائداً للشركات، ولن يشكل عبئاً على الدولة المصرية التي ليست في حاجة إلى الاستيراد»، كما يقول ساسة مصريون مطّلعون على الملف.
وتمتلك مصر محطتين لتسييل الغاز الطبيعي، تقعان في دمياط وإدكو، وذلك على مقربة من موانئ مهمة ستُستخدَم في إرسال شحنات نفط عملاقة إلى أوروبا. وتم تنفيذ المحطات لتسمح بتسييل كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، في وقت سيصل فيه الغاز إلى دمياط عبر أنابيب النفط الموجودة بالفعل، والتي تمرّ في شمال سيناء، وسط تعهدات بتأمينها ضد عمليات استهداف، كتلك التي تعرض لها خط التصدير خلال السنوات الماضية، وفي ظل الأوضاع المضطربة في الشطر الشمالي من شبه الجزيرة المصرية. وكانت وزارة الأمن الإسرائيلية قد أعلنت أنها أبرمت صفقات مع عدة شركات للصناعات العسكرية في البلاد، جرى بموجبها شراء منظومة صواريخ ومنظومات إلكترونية «للدفاع عن حقول الغاز» في البحر الأبيض المتوسط.
ويبدو أن الصفقات الحالية هي جزء من مجموعة اتفاقات تسعى شركات مصرية خاصة لإبرامها مع شركات إسرائيلية خلال الفترة المقبلة، «ضمن خطة حكومية لتحويل مصر إلى مركز للطاقة في الشرق الاوسط، وذلك بالاعتماد على البنية التحتية المتميزة التي تمتلكها في هذا السياق، والتي يمكن من خلالها تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، إلى جانب عمليات التصدير التي ستبدأ للغاز المصري المستخرج من حقول البحر المتوسط، بالإضافة إلى «الاكتشافات التي ستُعلَن لاحقاً، لحقول نفطية حُدِّد موقعها في البحر الأحمر، ولكن لم يبدأ العمل على الاستفادة منها بعد»، كما يشرح متابعون.