«قارة المستقبل».. إلى أين وصل صراع الشرق الأوسط على أفريقيا؟

«قارة المستقبل».. إلى أين وصل صراع الشرق الأوسط على أفريقيا؟

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٠ يناير ٢٠١٨

لا يختلف أحد على أن قارة أفريقيا أرض الفرص الاستثمارية، فهي قارة المستقبل استثماريًا وتجاريًا والمنجم الكبير للمواد الأولية، وهو ما يبرر التسابق العالمي على اغتنام هذه الفرص، والفوز بالنصيب الأكبر منها، ففي ظل السباق العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند وروسيا، بالإضافة إلى الدول الأوروبية كبريطانيا وفرنسا، يوجد صراع شرق أوسطي ساخن يسعى المشاركون فيه لجني غنائم اقتصادية، وبسط أكبر قدر من النفوذ السياسي في القارة السمراء.

ومع مساعيها للوصول لتنويع مصادرها الاقتصادية، تتسابق دول الخليج من أجل الاستفادة من الإمكانيات والفرص الموجودة في أفريقيا؛ يتزعّم هذا السباق كلّ من: السعودية وقطر والإمارات. وفي ظل تنافس هذه الدول فيما بينها على تقاسم «الكعكة الأفريقية»، فإنهم يصطدمون بمنافسة وصراع شرسيْن من دول لديها هي الأخرى آمال ومخططات واسعة تعقدها على القارة السمراء. فوسط صحوة تركية، وتواجد تاريخي مصري، وحضور إسرائيلي مكثّف في الآونة الأخيرة، وتغلغل إيراني متزايد؛ باتت أفريقيا مركزًا للتنافس على النفوذ من طرف كل هذه الدول، فهل ستنتقل حروب الشرق الأوسط التي لا تنتهي إلى أدغال أفريقيا؟

لماذا يتجه الجميع إلى أفريقيا؟

تمتلك أفريقيا موارد طبيعية وبشرية ضخمة، وهي أقدم قارات المعمورة، وثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة وعدد السكان بعد قارة آسيا، إلا أنها تتصف بأن سكانها هم الأصغر سنًّا، إذ إن نصف سكان أفريقيا يبلغون من العمر 19 عامًا أو أقل. وبعيدًا عن الثروات الطبيعية الكبيرة الموجودة بالقارة، تعد أفريقيا مطمعًا للدول الكبرى: فهي عمق استراتيجي مهم بالنسبة لها، بسبب الموقع الجغرافي المميز للقارة الذي يؤثر بشكل مباشر على السياسة والاقتصاد الدوليين والإقليميين.

وتطل القارة على معظم الممرات الملاحية العالمية، وهي تمتلك اقتصادات ضمن الأسرع نموًا في العالم، وخاصة منطقة غرب أفريقيا، لذلك أصبحت هي ومنطقة شرق أفريقيا جاذبة بقوة للاستثمار الأجنبي، إذ حققت معدل نمو وصل 5%، كما أن ستّة من أصل أسرع 10 اقتصادات نموًا بالعالم موجودة في أفريقيا، ومن المحتمل أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي للقارة إلى 29 تريليون دولار في 2050.

وبحسب تقرير مشترك صادر عن منظمة التجارة والتعاون الاقتصادي والبنك الأفريقي للتنمية، فإن التدفقات المالية إلى أفريقيا وصلت إلى نحو 180 مليار دولار بنهاية 2017، بينما كانت في عام 2012 نحو 200 مليار دولار، وذلك خلال فترة انتعاش أسعار الطاقة والمواد الأولية،ويشير التقرير إلى أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة بلغت 57.5 مليار دولار، بواقع 11% من قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة حول العالم، وهو الرقم الأعلى في تاريخ القارة.

استقبلت أفريقيا كذلك من خلال تحويلات مواطنيها بالخارج نحو 66 مليار دولار، منها 20 مليار دولار لمصلحة نيجيريا فقط، فيما أكد التقرير أن أفريقيا ستكون «قارة المستقبل»، لأنها تحوي مخزونًا ضخمًا من الموارد البشرية التي تتجاوز ملياري نسمة، وطبقة متوسطة عريضة بحجم 1.4 مليار شخص، ومواد طبيعية كبيرة، وبفضل النمو الاقتصادي المرتفع؛ سيزيد الدخل الفردي في أفريقيا ستّ مرات ويتراجع الفقر 10 مرات.

هذه المعطيات تكشف مدى الأهمية الاستثمارية والفرص المستقبلية المتوفرة في أفريقيا دون غيرها، وهو ما يبرر الصراع على من وضع يده على القارة أوّلًا، والاتجاه للاستثمار فيها.

الشرق الأوسط ينقل الصراع إلى القارة السمراء

منذ زمن طويل والقارة الأفريقية هي محلّ أطماع الدول الباحثة عن التوسع الاقتصادي والسياسي، إذ كانت أبرز أسباب الهجمة الاستعمارية الغربية عليها في القرون الماضية هو نهب ثرواتها الاقتصادية والتوسع الخارجي والحصول على عمالة رخيصة متمثّلة في الرقيق، ومع انتهاء عصر الاستعمار، بات الطريق إلى أفريقيا يمرّ من خلال الاستثمارات وبسط النفوذ السياسي لحماية المصالح الاقتصادية للدول، ودخلت دول جديدة غير تلك التي تورّطت في الحملات الاستعمارية في السباق على أفريقيا. في الأسطر القادمة، سنعرّج على أبرز اللاعبين الدوليين المتواجدين في هذا الصراع.

تركيا.. الأكثر حضورًا

تكاد أفريقيا لا تغيب عن أجندة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كل جولة خارجية يجريها، إذ بات أردوغان أكثر زعماء العالم زيارة للقارة بزيارته لـ28 دولة منذ كان رئيسًا للوزراء وحتى الآن. وكان لهذه الجولات عائد اقتصادي كبير، فما بين عامي 2012 و2016؛ تخطت صادرات تركيا للقارة الأفريقية 65 مليار دولار، وصعد حجم التبادل التجاري إلى 93.5 مليار دولار. وعند مقارنة حجم التجارة السنوي بين تركيا والدول الأفريقية نجد أنه قفز بنحو 200%، إذ كان في حدود 5.6 مليار دولار خلال 2004، وارتفع إلى 16.7 مليار دولار في 2016.

وتحاول أنقرة لعب دور محوري في القارة، ولذلك نجد أنها توسّع من خطوط السفر والتنقّل باستمرار؛ إذ تصل الخطوط الجوية التركية إلى 51 مدينة في 32 دولة أفريقية، كما أنها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 نظمت أول منتدى أعمال تركي أفريقي بحضور رجال الأعمال الأتراك وكذلك رجال أعمال من مختلف أنحاء القارة، ومن المنتظر أن تعقد دورة أخرى للمنتدى خلال عام 2018. وكانت هذه الخطوة محورية في تفعيل الحضور التركي داخل أفريقيا، إذ تم الاتفاق على دعم الشركات التركية لإنشاء مناطق اقتصادية خاصة، ومراكز لوجستية في القارة الأفريقية.

اقرأ أيضًا: وجه آخر للصراع الإماراتي التركي: الصومال باب جديد لحرب النفوذ

كانت جزيرة «سواكن» السودانية آخر ملامح المسار الناجح لتركيا في أفريقيا، إذ تم الاتفاق على تجديد ميناء «سواكن»، بعد أن حصلت أنقرة بصفة مؤقتة على حق استغلال الميناء، وقد كان ضمن عدة صفقات تمّ الاتفاق عليها مع السودان بأن تتولى تركيا تطوير الجزيرة واستغلالها، بقيمة إجمالية بلغت 650 مليون دولار. كما تسعى تركيا للوصول بحجم التجارة إلى مليار دولار في الأجل القصير، ثم 10 مليارات دولار في الأجل الطويل.

لا يمكن في هذا السياق إهمال الحديث عن القاعدة التركية في الصومال عندما نتحدث عن التواجد التركي في أفريقيا، فهي تعدّ القاعدة التركية الأكبر خارج البلاد، إذ تقام على مساحة أربعة كيلومترات مربعة، وقدرت تكلفتها بنحو 50 مليون دولار، وذلك في إطار سعيها لزيادة نفوذها في المنطقة.

وعلى الجانب الآخر، أصبح إنشاء «المنطقة الاقتصادية التركية في جيبوتي» في مراحله الأخيرة، إذ ستكون مستعدة لاستقبال الاستثمارات التركية في أفريقيا خلال عام ونصف العام، وتهدف تركيا من خلال هذه المنطقة لتعزيز وتطوير العلاقات بين تركيا وأفريقيا. وتعدّ جيبوتي أحد أهم مراكز القارة، فهي دولة آمنة نسبيًّا للمستثمرين. وبحسب رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية ومجلس الأعمال التركي الجيبوتي، فاتح فولكان قاز أوا: فإن النجاح في فتح هذه البوابة (المنطقة الاقتصادية) يعني «النجاح في فتح المزيد من البوابات». بالنظر إلى هذه المعطيات، يمكن القول إن تركيا لم تعد لديها بوابة واحدة نحو أفريقيا، بل أصبح لديها بوابة ثالثة (السودان والصومال وجيبوتي) وربما أكثر.

اقرأ أيضًا: آخرها في الصومال.. القواعد العسكرية التركية تتمدد في الدول العربية

السعودية.. الطريق إلى كسر هيمنة الأعداء

السعودية من جهتها تسعى لبسط نفوذ أكبر على أفريقيا، لكن الأسباب هذه المرّة قد تختلف عن باقي الدول؛ إذ ينظر في كثير من الأحيان إلى توسع الرياض في أفريقيا على أن هدفه الأول كسر هيمنة أعداء المملكة، إذ إن الهدف الرئيس من التواجد السعودي في القارة السمراء هو حماية وتأمين الطريق الذي توصل به نفطها إلى العالم، وهو مضيق باب المندب. لذلك نجد نشاطًا ملحوظًا للمملكة في الدول القريبة من المضيق أكبر من غيرها، بالإضافة إلى العلاقات الكبيرة بالدول الأعضاء في أوبك: نيجيريا والجابون وأنجولا.

وبحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد»، فإن حجم التبادل التجاري بين السعودية ودول أفريقيا في 2014 سجل نحو 18.2 مليار دولار، منها 14.9 مليار دولار صادرات سعودية، و3.3 مليار دولار واردات المملكة، وتواصل هذه الأرقام ارتفاعها خاصة مع زيادة استثمارات المملكة في دول أفريقيا. فعلى سبيل المثال: تجاوز عدد المشروعات الاستثمارية السعودية في إثيوبيا، 294 مشروعًا بنحو 3 مليارات دولار، حوالي 50% منها في القطاع الزراعي والإنتاج الحيواني، وتحتل بها المرتبة الثالثة من حيث الاستثمار في إثيوبيا.

كما تحتل السعودية كذلك المرتبة الأولى في الاستثمارات العربية في السودان، إذ تشير التقديرات إلى أن حجم استثمارات المملكة هناك وصل إلى 30 مليار دولار، وذلك في نحو 500 مشروع زراعي وصناعي وخدمي، كما تأمل البلاد تنفيذ أكبر مشروع زراعي وإنتاج حيواني في الخرطوم يقع على مساحة 200 ألف فدان، ويمتد على طول 169 كيلومترًا.

وعلى الجانب الآخر، وفي نفس سياق التوسع السعودي في أفريقيا، وافقت جيبوتي على إقامة قاعدة عسكرية سعودية على أراضيها، وإذا تمّ هذا الأمر فسيكون نقطة تفوّق ملحوظة للملكة، خاصة أن جيبوتي تطل على الجانب الغربي من مضيق باب المندب، وهو ما يعني أن المملكة ستستطيع توفير الحماية للمضيق الذي يوصل معظم نفطها إلى العالم.

إيران.. نفوذ لا يخلو من شحن الصراعات

يقول عوض عثمان، خبير الشؤون العربية والدولية، في كتابه «النفوذ الإيراني الناعم في أفريقيا»: إن اهتمام طهران بالقارة السمراء يعود إلى عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حين شرعت إيران، أثناء فترة حكم الشاه وعقب استقلال الدول الأفريقية، في إقامة علاقات دبلوماسية مع دول القارة، إذ كانت تلعب في كثير من الأحيان دور الوكيل لأمريكا في المنطقة، إلا أن هذا الدور انتهى مع قيام الثورة الإيرانية في 1979.

ويشير الكاتب إلى أن الاهتمام الإيراني بالقارة الأفريقية عاد مرة أخرى مع بداية التسعينيات، إذ أُنشِئت في تلك الفترة منظمة لتطوير التجارة مع أفريقيا. وفي 2009 عُقدت ندوة للتعاون بين إيران وأفريقيا، اعتمدت من خلالها على خطة تشتمل 48 مشروعًا لتوسيع العلاقات مع الدول الأفريقية، وجاء ذلك بعد جولة الرئيس الإيراني محمد خاتمي لسبع دول أفريقية في مطلع 2005، وكانت بمثابة النواة الحقيقية للانفتاح على العالم، كما وضع الرئيس محمود أحمدي نجاد القارةَ السمراء على رأس قائمة أولوياته.

وقد وصل التبادل التجاري بين إيران وجنوب أفريقيا على سبيل المثال نحو ملياري دولار، في الوقت الذي تم فيه بناء مصافي جنوب أفريقيا على يد إيران، إذ يتم استيراد 70% من احتياجاتها النفطية من إيران. كما تضاعف حجم الصادرات الإيرانية لأفريقيا بين 2003 و2008 نحو خمس مرات مقارنة بالسنوات الخمس التي سبقتها.


لم يكن الاقتصاد فقط هو الذراع الوحيدة للتوغل الإيراني في أفريقيا، إذ استخدمت البلاد الأداة الدينية المتمثلة في عرض المذهب الشيعي، وتشير البيانات إلى وجود ملايين الأفارقة الذين يعتنقون المذهب الشيعي؛ النسبة الأكبر منهم موجودة في نيجيريا، كما اعتمدت البلاد عرض المذهب الشيعي من خلال مؤسسات تعليمية ودعوية ومطبوعات صحافية، في كل من السنغال، ومالي، وكينيا، وكذلك السودان.

من ناحية أخرى، رصد تقرير صادر عن «مركز بحوث تسليح الصراعات» في الفترة ما بين 2006 إلى 2012، وجود نحو 14 حالة عثر فيها على أسلحة إيرانية في مناطق نزاعات داخل القارة السمراء، أغلبها مع جماعات مسلحة غير نظامية. فيما يعد التواجد الإيراني الأكبر في ميناء عصب؛ أهم مواني إريتريا والذي يبعد كيلومترات قليلة عن مضيق باب المندب وخليج عدن. ويقول المحللون إن طهران نجحت في تحويل ميناء عصب إلى قاعدة إيرانية، ونقلت معدات عسكرية وأسلحة إلى الميناء.


بلورت الدوحة اهتمامها المتزايد هي الأخرى بأفريقيا من خلال زيارتين من أميرها للقارة خلال العام الماضي، وكانت الزيارة الأولى في أبريل (نيسان) 2017، إذ شملت كلًا من: إثيوبيا وكينيا وجنوب أفريقيا، بينما كانت الزيارة الأخيرة في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وشملت السنغال ومالي وغانا وبوركينا فاسو وغينيا وساحل العاج.

أصبح التوجه القطري نحو أفريقيا ملحًا مؤخرًا أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد الحصار الذي فرضه عليها جيرانها الخليجيون، إذ تعد أفريقيا بوابة للتنويع الاقتصادي بالنسبة لقطر. ويبرز النشاط القطري المتزايد في الميدان السياسي من خلال دورها البارز في مباحثات السلام على مستوى نزاعات إريتريا وجيبوتي، أو من خلال تدخلها في «اتفاقية دارفور للسلام» لإنهاء الحرب الأهلية في السودان، كما تعمل الدولة الخليجية على استغلال القطاع الزراعي الأفريقي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطعام، إذ إن الأراضي الزراعية الغنية في أفريقيا حل مناسب للتغلب على ضعف هذا القطاع في البلاد، والذي كان يُعوّضُ بالاستعانة بالسعودية والدول الخليجية، لكن هذا تغيّر بعد الأزمة الأخيرة.

وترى المتحدثة باسم وزارة الخارجية القطرية لؤلؤة الخاطر، أن اتجاه بلادها نحو أفريقيا يأتي ضمن توجه قطر لفتح أسواق جديدة وتنويع الاقتصاد، وذلك في ظل ما تحظى به بلدان القارة من الفرص الاقتصادية الواعدة. وتعتبر جنوب أفريقيا أكثر الدول التي تستثمر بها قطر، إذ يبلغ حجم الاستثمارات المشتركة بين البلدين نحو 13.5 مليار دولار، فيما تشير تقارير إلى أن جهاز قطر للاستثمار شارك بما يقرب من 30 مليار دولار منذ 2012 وحتى الآن، في مشروعات أفريقية، بالإضافة إلى المساعدات المالية الإغاثية.

وفي أبريل 2017، وقعت قطر 11 اتفاقية تعاون مع إثيوبيا في عدة قطاعات اقتصادية تنوعت بين السياحة، والاستثمار، والبنية التحتية، إذ تتصف البلاد بوفرة الفرص الاستثمارية، إذ إنها من أكثر البلدان نموًا في العالم، ويتجاوز معدل النمو فيها 10% ويناهز عدد سكانها نحو 65 مليون نسمة.

الإمارات.. الثانية عالميًا في الاستثمار في أفريقيا

في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قال جمعة محمد الكيت، الوكيل المساعد لشؤون التجارة الخارجية بوزارة الاقتصاد الإماراتية، إن حجم التبادل التجاري بين بلاده وقارة أفريقيا وصل إلى 38 مليار دولار في 2016، وبلغت حصة المواد الزراعية نحو 2.2 مليار دولار. ويأتي هذا ضمن مساعي ضمان أمن الطعام، إذ تستثمر الإمارات في أراض زراعية لدول أفريقية من ناميبيا وجنوب أفريقيا والسودان.

تعتمد الإمارات بشكل عميق على الواردات التي تأتي من أفريقيا، خاصة أن البلاد تستورد نحو 85% من موادها الغذائية سنويًا، أي ما قيمته 100 مليار دولار، ومن المحتمل تضاعف هذه القيمة أربع مرات خلال ثماني سنوات، وفي ظل مساعي التنوع الاقتصادي للانتقال إلى عصر ما بعد النفط، تبرز مكانة أفريقيا كوجهة استثمارية في المجال الزراعي بفضل ما تتمتع به من مساحات واسعة صالحة لذلك.

وكشف تقرير للمنتدى العالمي الأفريقي للأعمال 2017، أن الإمارات احتلت المرتبة الثانية عالميًا في حجم الاستثمارات في قارة أفريقيا، وذلك بواقع 11 مليار دولار خلال عام 2016، وهو الأمر الذي يظهر مدى الاهتمام الكبير من الجانب الإماراتي بالقارة السمراء.

إلا أن الإمارات كغيرها من سابقاتها لم تكتفِ بالتواجد الاقتصادي، وحرصت على الحضور العسكري أيضًا؛ إذ تمتلك قاعدتين عسكريتين في أفريقيا، الأولى هي قاعدة «عصب» الساحلية الإريترية، والثانية هي «قاعدة بربرة» والتي تقع في مدينة بربرة على ساحل خليج عدن، والتي تعد أكبر وأهم مدن إقليم «أرض الصومال – صوماليلاند»، بعد أن حصلت هيئة مواني دبي العالمية على حق إدارة ميناء بربرة لمدة 30 عامًا في مايو (أيار) 2016، وبذلك أصبح للإمارات منفذان حصريان على مضيق باب المندب، وخليج عدن.


وتمكنت الإمارات من إنشاء تمركز لها في القرن الأفريقي، بداية من المساعدات الإغاثية، ومرورًا باستثمارها في البنوك، والمواني، والمشاريع الإنسانية من قبل المؤسسات الاستثمارية الإماراتية الكبرى، وصولًا إلى الاستثمار في مجالات الغاز الطبيعي، والأمن الغذائي، ليأتي في مرحلة لاحقة لهذا النهج الانخراط في علاقات تعاون أمني مع مجموعة من الدول الأفريقية، كما توجهت السياسة الخارجية الإماراتية نحو كينيا والصومال وأوغندا، مستخدمة الاستثمارات والدعم الأمني.

مصر.. الحاضر لا يشبه الماضي

قبل نحو نصف قرن من الآن، كانت الساحة الأفريقية ملعبًا مفتوحًا للنفوذ المصري، من خلال دعم حركات التحرر، وكانت القاهرة لاعبًا أساسيًا في القارة على المستوى السياسي والاقتصادي، فقد ساهمت مصر في إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، كما أنشأ عبد الناصر عدة شركات مصرية في الجنوب الأفريقي أشهرها «شركة النصر للتعدين» و«شركة النصر للاستيراد» وشركة «مصر للاستيراد والتصدير»، وكانت مهمتهم الترويج للمنتجات المصرية ضمن أكثر من 52 مكتبًا. هذا الدور الفعال يعاني تراجعًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، وسط صراعات مصرية في عدة ساحات أفريقية أبرزها إثيوبيا والسودان.
وعلى المستوى الاقتصادي بات النصيب المصري من الاستثمار في أفريقيا أقل كثيرًا من الوافدين الجدد، فبحسب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فإن حجم الاستثمارات المصرية في أفريقيا خلال 2016 بلغ مليار دولار، وكما ذكرنا فإن الإمارات استثمرت 10 أضعاف هذا المبلغ في أفريقيا خلال العام نفسه، وهو ما يشير إلى تراجع الدور الريادي لمصر في القارة.

ولعل منتدى أفريقيا الاقتصادي 2017، الذي عقد في ديسمبر (كانون الأوال) الماضي، واستضافته مدينة شرم الشيخ للعام الثاني على التوالي، قد يكون بداية لعودة مصر إلى أفريقيا، إذ حضر المنتدى رؤساء جزر القمر، وكوت ديفوار، وغينيا، ونيجيريا، والصومال، إلا أن الأزمات الاقتصادية التي تعيشها القاهرة ربما تكون عائقًا أمام العودة، خاصة وسط صراع النفوذ الكبير داخل القارة.

إسرائيل.. قفزة دبلوماسية داخل أفريقيا

ربما كان التواجد الإسرائيلي في دول القارة الأفريقية قبل سنوات سريًّا ومحدودًا، إلا أن هذا النفوذ الآن بات إحدى سمات السياسة الخارجية للحكومة الإسرائيلية. فمنذ عام 1991، كثفت إسرائيل جهودها لتأسيس علاقات قوية مع أفريقيا، تبلورت أخيرًا هذه الجهود بمشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في قمة المجتمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في يونيو (حزيران) 2017، وعد خلالها بتقديم مليار دولار للمنظمة خلال أربع سنوات، لتطوير مشاريع الطاقة الخضراء في الدول الأعضاء.

(إيكواس) هي مجموعة تضم كلًّا من كوت ديفوار، وبنين، ومالي، وبوركينا فاسو، والسنغال، وتوغو، وغينيا بيساو، والنيجر، ونيجيريا، وليبيريا، وسيراليون، وغامبيا وغانا، وجزر الرأس الأخضر، وغينيا.

هذه المشاركة لم تكن بمثابة نجاح اقتصادي فقط، بل كشفت عن قفزة دبلوماسية إسرائيلية في أفريقيا، إذ تطمح إسرائيل إلى ضخ استثمارات في مجالات الزراعة تقدر بما يزيد على 40 مليار دولار في هذه الدول، علاوة على محاولتها إحداث علاقات سياسية مع دول مهمة في هذه المنطقة مثل مالي والنيجر والسنغال.

وبالإضافة إلى أنها تبحث عن كسب تأييد الأفارقة في المحافل والمنظمات الدولية وتحاول إضعاف التعاطف مع القضية الفلسطينية، فإن إسرائيل كذلك تسعى لإيجاد أسواق جديدة لصادراتها، خاصة بعد أن كشف معهد الصادرات الإسرائيلية عن أن حجم صادرات إسرائيل في 2015 نحو أفريقيا يبلغ فقط 1.6%.

يشار إلى أنه كان من المقرر عقد قمة إسرائيلية–أفريقية في توغو، في أكتوبر (تشرين الثاني) الماضي، إلا أنها ألغيت، وقد كان من المقرر مشاركة زعماء إسرائيليين وأفارقة ورجال أعمال وخبراء أمنيين في القمة، فيما كانت إسرائيل تأمل أن تشكل هذه الخطوة شراكة متقدمة في مجال التطبيع بين إسرائيل والدول الأفريقية، وإحراز نفوذ اقتصادي في أفريقيا من خلالها.
كيف أصبحت الجمعيات الخيرية أهم بوابات دخول أفريقيا؟

يعد العمل الإنساني نوعًا آخر من الصراع الشرق أوسطي داخل أفريقيا، إذ تتنوع المساعدات التي تقدمها الدول المذكورة سواء بشكل عيني أو نقدي. على سبيل المثال، فإن السعودية في صدارة الدول العربية التي تقدم مساعدات إنمائية وتغطي 83 دولة، من ضمنها عدة دول أفريقية، كما أن الإمارات أنفقت في 2015 نحو 25.11 مليار درهم على المساعدات لقارة أفريقيا (حسب الأرقام الرسمية)، ولكن بعيدًا عن سرد مساعدات الدول للقارة الأفريقية هناك تجربة ربما هي الأبرز في هذا الصراع، وهي تجربة تركيا، والتي ربما تعطيها الأفضلية حتى الآن على باقي الدول في الشرق الأوسط التي تتنافس على التواجد في القارة السمراء.

«تيكا».. أداة تركيا لمزيد من النفوذ داخل أفريقيا

لا يقتصر التواجد التركي على الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية فقط، بل إن الجانب الإنساني الذي تلعبه تركيا هو من أهم الوسائل لفتح مزيد من المجالات داخل أفريقيا، إذ استخدمت في ذلك وكالة التعاون والتنسيق التركية، التابعة لرئاسة الوزراء التي أنشئت في عام 1992 والمسماة بوكالة «تيكا»، وتعتبر أداة من أدوات تطبيق السياسة الخارجية التركية في الكثير من الدول والمناطق وعلى رأسها دول أفريقيا.

في عام 2005، افتتحت «تيكا» المكتب الأول لها أفريقيًّا، وذلك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ثم في عام 2006، جاء مكتب ثان في الخرطوم، ثم السنغال في عام 2007، فيما وصلت مشاريعها التنموية الآن إلى أكثر من 37 دولة أفريقية، بحجم مساعدات في عام 2013 قرابة 781 مليون دولار. وتجاوز حجم المساعدات التنموية المقدمة من تركيا لدول القارة الأفريقية منذ بداية 2016، وحتى الآن أكثر من 2.3 مليار دولار.

وتعمل الوكالة في عدة مجالات بالقارة، إذ قامت بتنفيذ 200 مشروع تعليمي في أفريقيا خلال الفترة ما بين 2012 وحتى 2015، بينما وفرت 51 سيارة إسعاف، ونحو 20 مشروعًا صحيًا، كان أبرزها تجهيز المستشفى التركي في مقديشيو عاصمة الصومال، وإنشاء المستشفى التركي التعليمي للأبحاث في نيالا بالسودان والتي تستقبل 500 مريض يوميًا، ناهيك عن المشاريع بمجالات الماء والصرف الصحي، والبنية التحتية والزراعة، بالإضافة إلى بناء المساجد والمقابر، وترميم «مسجد النجاشي» أول مسجد في أفريقيا.