تركيا والغرب.. هل دخلوا نفق الطلاق الأكيد!

تركيا والغرب.. هل دخلوا نفق الطلاق الأكيد!

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٥ نوفمبر ٢٠١٧

يبدو أن ما يزيد عن نصف قرن من التقارب والعلاقات الاستراتيجية التركية الغربية بالعموم والتركية الأمريكية بالخصوص شارفت على النهاية، فما أسباب التباعد التركي الأمريكي اليوم وما الذي يدفع بأنقرة إلى أحضان المحور الروسي الإيراني بعد عقود من لعب أدوار رئيسية فاعلة نيابة عن الأمريكيين والغرب في المنطقة؟

توصف العلاقات التركية الأمريكية ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م وإلى أوائل القرن الواحد والعشرين بالاسثنائية والاستراتيجية إلى أبعد الحدود، بعد وصول حزب العدالة والتنمية وما يحمله من توجهات إسلامية إلى الحكم عام 2002م بدأت بوادر التباعد تظهر في الأفق وصولا إلى ما بلغته العلاقات اليوم من توتر قريب من إعلان الطلاق.

تبدأ الحكاية إذا منذ العام 2002م حيث وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا، الحزب الإسلامي الذي سعى ومنذ البداية لتغيير وجهة تركيا العلمانية الغارقة بحضن أمريكا والغرب والقريبة من دخول الاتحاد الأوروبي باتجاه علاقات متوازنة مع الشرق والدول الإسلامية كما هي مع الغرب وأمريكا. هذا الأمر أخذ رويدا رويدا يخلق تناحر وخلافات مع الغرب خصوصا حول قضايا المنطقة.

استمرت هذه العلاقات متذبذبة (وحذرة) بين تركيا والغرب رغم الخلافات وصولا إلى نقطة مفصلية هي الانقلاب الفاشل الذي جرى في 15 تموز يوليو 2016م. هذا الانقلاب الفاشل والذي أظهر الأيدي الخفيّة لأمريكا والغرب جعل حزب العدالة والتنمية (الحاكم) وعلى رأسه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعيدون تموضعهم وبدأت تخرج تصريحات غير مسبوقة وحادّة اللهجة من قبلهم إزاء الغرب والأمريكيين. طبعا هناك عوامل أخرى عزّزت هذا الواقع سنأتي على ذكرها في سياق الحديث.

في تطوّر مهمّ صدرت تصريحات منذ أيام عن الرئيس رجب طيب أردوغان خلال انعقاد الدورة الـ33 للجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري للدول الأعضاء في مجلس التعاون الإسلامي اعتبر فيها أن الغرب يريد تدمير التمدن الإسلامي وتحويل المنطقة إلى نهر دماء. فيما أكدّ المعاون الأول لرئيس مجلس الوزراء التركي "هاكان جاووش أوغلو" صراحة أن تركيا اليوم ليست نفسها تركيا منذ 16 عاما، وهي ستقف بقوة أمام الاتهامات والتحقير والتصرفات العدوانية من أي طرف أتت.

هذه التصريحات مهمة جدا، كونها صادرة عن أرفع الشخصيات التركية من جهة وهي تكشف حقيقة الدعم الأمريكي والغربي للإرهاب في المنطقة. طبعا تركيا تعلم هذا الأمر منذ وقت بعيد ولكن الظروف السياسية كانت تمنع من التصريح بها، ذكر هذه الأمور اليوم وبهذا الوضوح واللهجة الحادّة يؤكد أن الأتراك قرّروا رسميا الاستدارة باتجاه المحور الروسي الإيراني. هنا من الجيد الإشارة إلى بعض النقاط المهمة التي عزّزت هذا التوجه التركي والتي تضاف إلى الأسباب التي ذُكرت أعلاه.

الأزمة السورية والدعم الأمريكي للأكراد

لعب الأتراك ومنذ بداية الأزمة السورية عام 2011م دورا مخربا للغاية، وضغطوا باتجاه إنشاء منطقة عازلة تمتد من أعزاز وصولا إلى جرابلس شمال حلب، ولكن الأمريكيين والغرب لم يساعدوا الأتراك على تحقيق هذه الأمنية بأي شكل ولأسباب مختلفة. هذا الأمر إضافة إلى الدعم الأمريكي العسكري للأكراد وتشكيل ما سمي بقوات سوريا الديمقراطية "قسد" أدى بالأتراك لقبول الحلّ في سوريا والعمل مع الطرف الإيراني والروسي، وأبرز دليل الاجتماع الثلاثي الأخير في سوتشي الروسية والذي وُصف باجتماع انهاء الحرب في سوريا.

الواقع أن أهم القوى الحليفة لأمريكا والفاعلة اليوم على الأراضي السورية هم الأكراد، وهذا الأمر يزعج الأتراك وقد عبروا عن امتعاضهم الشديد للأمريكيين مرارا دون نتيجة. اقتنع الأتراك اليوم أن أمريكا لا تولي أي اهتمام للأمن القومي التركي الذي يتهدّده أي قوة قد يحصل عليها الأكراد على حدودهم.

أمريكا ومواجهة الفكر الإسلامي التركي

بات من الواضح أن أمريكا قد اتخذت خيار العلاقات الاستراتيجية مع السعودية بفضل الدولارات التي بذخها آل سعود، وهي لا تحرّك ساكنا بخصوص الضغط الذي تشكلّه السعودية في وجه الأخوان المسلمين إن في مصر أو الإمارات. هذا الأمر لا يرضي الأتراك ويساعد على ابتعادهم أكثر عن أمريكا. خاصة أن حزب العدالة والتنمية هو الذراع التركية للأخوان المسلمين في حقيقة الأمر.

خلاصة الأمر، ما يحصل اليوم ليس مجرد تموضع مرحلي يقوم به الأتراك على غرار ما قاموا به خلال العقد الأخير مرارا، بل هو تغيير جذري في استراتيجية أنقرة للوقوف إلى جانب المحور الروسي الإيراني. وبالفعل اتخذت أنقرة خطوات مهمة على المستوى العسكري لا يمكن المرور عنها مرور الكرام، وهي خطوات خارج إطار حلف شمال الأطلسي "الناتو" كصفقة شراء منظومة S-400 الروسية. نعم هناك مصالح وتداخلات اقتصادية وسياسية مهمة لا زالت تجمع الأتراك إلى الغرب إلا أن التناقضات والخلافات الجذرية في الأيديولوجية الدينية والثقافية والتاريخية أكبر من يتمكن الطرفان من الاستمرار كما في السابق.