تراجع دور القوة الأميركية من دمشق إلى بيونغ يانغ

تراجع دور القوة الأميركية من دمشق إلى بيونغ يانغ

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١٤ سبتمبر ٢٠١٧

لم تشن الإدارات الأميركية حرباً منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بعد عام 1945 إلا وحملت معها دماراً وقتلاً سواء في الحرب ضد كوريا عام 1950 إلى الحرب الفيتنامية التي بدأت بتقسيمها عام 1959 إلى حافة حرب نووية عام 1962 بسبب نصب صواريخ سوفييتية في كوبا، إلى بقية الحروب السرية التي خاضتها في أميركا اللاتينية وأفريقيا.
في كل هذه الحروب والتهديد، لم تنجُ من الخراب والتدمير سوى كوبا التي فرض الاتحاد السوفييتي من خلال النزاع مع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي أول توازن نووي يجري التفاهم عليه حول كوبا، وفي القرن الواحد والعشرين ما زلنا نشهد حروب الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش المباشرة في أفغانستان والعراق، وحروب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في ليبيا واليمن وغير المباشرة ضد سورية، وما نتج عنها من دمار وقتل لم تعهده كل هذه الدول في القرنين الماضيين.
في معظم هذه الحروب كانت الإدارات الأميركية تجد متعاونين يطلبون تدخلها ودعمها بالسلاح وبالوحدات العسكرية الأميركية ضد أوطانهم وحكوماتهم، هذا ما حصل في العراق وأفغانستان وليبيا واليمن، وهذا ما طلبته المعارضات السورية من إدارة أوباما وبعض القوى الأخرى، ولم يتمكن أوباما من تلبيته بشن حرب مباشرة كان قد تراجع عنها عام 2013 بعد أن تبين له أنها حرب لن تحقق أهدافه، وستكلف ثمناً باهظاً لقواته وحلفائه المحليين بسبب صمود سورية واستعدادها العملي مع حلفائها لمجابهة كل التحديات.
أمام هذا السجل الوحشي الأميركي في التدمير والمذابح، يتساءل المرء كيف يمكن لأي معارضة أو جهة سياسية في بلد أن تطلب من الإدارة الأميركية تدخلاً عسكرياً مباشراً ضد شعبها ووطنها وهي ترى ما فعلته هذه الحروب الأميركية في كوريا وفيتنام والعراق وأفغانستان وليبيا.
في قمة مؤتمر دول بريكس الأخير أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام هذه الحقيقة عن التدخل العسكري الأميركي الوحشي حين قال أمام قادة الدول المشاركة: «إننا جميعاً نتذكر ما حدث في العراق حين دمرت الحرب ضد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين البلاد كلها، ونحن نعرف ذلك ونعرف أن الشعب في كوريا الديمقراطية تذكر ما حصل في الحرب الأميركية على العراق، ولذلك نراه على استعداد أن يعيش على العشب الأخضر ويرفض إيقاف تجاربه النووية طالما لا يشعر هذا الشعب بالأمان»، فلولا وجود قوة ردع نووية مخيفة عند كوريا الديمقراطية لقامت واشنطن بغزوها على غرار أفغانستان والعراق.
في سورية، ظهر واضحاً أن وجود قوات عسكرية سورية وحليفة في قمة الاستعداد لمجابهة حرب أميركية شاملة، هو الذي ردع الإدارة الأميركية عام 2013 عن شن تلك الحرب المباشرة، وها هي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تبدي خشية من استمرار وجود بعض وحداتها العسكرية في شمال شرق سورية، بل تعلن تخليها عن جزء من المعارضات السورية بعد الانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في شمال سورية وخصوصاً في حلب ودير الزور.
الكل يرى أمامه، من المجموعات المسلحة التي تدعمها واشنطن، أنها لا تميز عند قصفها الجوي بين المدنيين والمسلحين، فهي لا يهمها سوى زيادة التدمير والقتل على غرار كل حروب التدخل العسكري التي نفذتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فالحرب الأميركية ضد الشعب الكوري عام 1950 وضد الشعب الصيني الذي وقف إلى جانب كوريا، تسببت خلال ثلاث سنوات بمليون ضحية كورية وصينية قبل تقسيم كوريا إلى شمالية وجنوبية، وبـ400 ألف من الجرحى وبـ140 ألفاً من المفقودين أو الأسرى، ودفعت واشنطن 34 ألفاً من القتلى من جنودها و93 ألفاً من الجرحى و80 ألفاً من المفقودين والأسرى، وظهر الدمار الوحشي على الكوريتين حين فرضت الأمم المتحدة هدنة وتقسمت فيها كوريا إلى شمالية وجنوبية على غرار فيتنام منذ بداية عام 1959 والحرب الأميركية المباشرة على فيتنام الشمالية منذ عام 1964 والانتصار الحاسم للفيتناميين على أكبر قوة عظمى عام 1975.
يرى المختصون بالمؤسسة العسكرية الأميركية الآن، أن إدارة ترامب تدرك أن أي حرب أميركية مباشرة على سورية سيجد فيها الجيش الأميركي مقاومة على أكبر مساحة لساحات الحرب، ستمتد من سورية إلى العراق إلى إيران إلى مناطق حزب الله في الجنوب، ولن تستطيع واشنطن السيطرة فيها، لأن قدرة التحول الإيرانية إلى امتلاك السلاح النووي لن تتجاوز أسابيع قليلة رغم اتفاق «5+1» الذي يضمن عدم امتلاك إيران السلاح النووي، وفي مثل هذه المعادلة سيكون الخاسرون هم كل من طلب من واشنطن التدخل العسكري المباشر، لأن واشنطن لن تشن في أغلب الاحتمالات حرباً خاسرة كهذه.