هل دخل الصراع السعودي - القطري منطقة “المحرمات”؟

هل دخل الصراع السعودي - القطري منطقة “المحرمات”؟

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٣١ أغسطس ٢٠١٧

بات الصراع السعودي القطري يأخذ أبعاداً جديدة باستعمال الطرفين أوراقاً غير معتادة للضغط على الخصم، فيما يرى مراقبون أنه اتسع ليدخل “منطقة المحرمات” من خلال دعم أصوات معارضة للطرف الآخر تمهيداً لتغيير نظام الحكم.
*

مرت أسابيع على اندلاع الأزمة الخليجية بين دولة قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين ومعهم مصر من جهة أخرى، وفشلت جهود الوساطة الإقليمية والدولية في حلحلة الأزمة. وطرفا الصراع اُختصرا إعلامياً بقطر والسعودية، ليس من طرف الإعلام الرسمي وغير الرسمي فقط، بل حتى من قبل مواطني البلدين على وسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها. بيد أن هناك أمراً لا يفوت المتابع، هو أن حرب التصريحات الحذرة أحياناً وغير الحذرة عادةً بين المسؤولين، أو تلك صدرت من مواطني الدولتين ووصلت أحياناً إلى حد “الشتائم”، لكنها لم تجرأ على مس رأس السلطة، سواء في السعودية أو قطر، واقتصرت على الضرب بحذر “فوق الحزام”.
كما لا يفوت المتابع أيضاً الرسائل المبطنة التي خرجت إلى العلن وتحدثت، بل مازالت تتحدث عن انقلاب هنا، واحتمال انقلاب هناك. أو عن طريق إعادة نشر تقارير غربية، منها تقرير نشرته قناة الجزيرة القطرية عن صحيفة نيويورك تايمز تحدثت فيه الصحيفة عن “تآمر” في السعودية بعد قرار إعفاء ولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف وأبداله بابن عمه محمد بن سلمان، نجل العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز.
و”تآمر في السعودية” مصطلح لم يكن ليخطر على بال أحد قراءته يوماً ما على موقع “الجزيرة”، قبل اندلاع الأزمة مع السعودية. وكتب الصحفي عبد الباري عطوان على موقع رأي اليوم أن “من يُتابع الحَملات الإعلاميّة بين الطّرفين، واللّغة التحريضيّة المُستخدمة فيها، والتطرّق إلى قضايا ومناطق مُحرّمة، وخَرق لكل الخُطوط الحَمراء، وتجاوز كل قيم ومعايير “أدب الخِلاف”، يَصل إلى قناعةٍ، بأن الرقع اتسع على الراقع”، مضيفاً أن “إمكانيّات الحِوار، ناهيك عن التوصّل إلى حُلولٍ، ربّما جَرى تجاوزها، ولم تَعد واقعيّة إلا إذا حَدثت مُعجزة”، حسب رأيه.

لعبة الانقلابات
وبعد لعب جميع الأطراف ضد بعضهم بأوراق يحتفظون بها، دخل الحج على خط الصراع، وظهر إلى العلن فجأة الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني كوسيط يهدف إلى تسهيل أمور الحجاج القطريين. البالغ عددهم 902 شخص فقط، قادمون من قطر نفسها ومن دول أخرى.
وبعد لقاء الشيخ عبد الله بوليّ العهد السعودي وزيارته للعاهل السعودي في مقر إجازته في المغرب، ووساطته لتسهيل أمور الحجاج القطريين، دشن الشيخ موقعاً له في تويتر وصل عدد متابعيه بعد ساعات فقط إلى 110 ألف مستخدم، ثم ظهر من يتحدث فيما بعد عن زيف الحساب.
وحين تأكد أن الحساب يعود فعلاً إلى الشيخ عبد الله بن علي، كتب ابن شقيقته الرئيس التنفيذي لمؤسسة قطر للأعلام، عبد الرحمن بن حمد، تغريدة على تويتر قائلاً: “لو تمادت يدي وهي جزء مني على “وطني” أو “أميري لبترتها بالأخرى”.
يرى مراقبون أن ظهور الشيخ عبد الله بجانب ملك السعودية وولي عهده، فيه رسالة واضحة إلى أن السعودية يمكن أن تراهن على تغيير محتمل في الأسرة الحاكمة بقطر، خصوصاً وأن الشيخ عبد الله يملك ما يؤهله لمثل هذا الدور، فالشيخ عبد الله أحد كبار الأسرة الحاكمة هناك، ووالده رابع حكام قطر الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني وشقيقه هو خامس حكام قطر الشيخ أحمد بن علي آل ثاني، الذي انقلب عليه الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، جد أمير قطر الحالي تميم بن حمد بن خليفة.
وفي مقال لها مقال لها نُشر على موقع ميدل إيس آي ترى الأكاديمية والأستاذة الزائرة في مدرسة لندن للاقتصاد بجامعة لندن، الدكتور مضاوي الرشيد أنها “سياسة تشبه السياسة الاستعمارية البريطانية القديمة، التي كانت تقوم فيها بريطانيا باستبدال شيخ صعب بتعيين شيخ مطيع ومذعن مكانه، ولسوء الحظ لا يوجد في قطر شخص من هذا النوع يمكن أن تعول عليه بصفته معارضاً للعائلة الحاكمة، ويقوم بزرع بذور الشقاق فيها”، حسبما جاء في مقالها.

غير أن الدكتور غسان العطية مدير المؤسسة العراقية للتنمية والديمقراطية أشار في لقاء مع DW عربية إلى أن جذور الأزمة بين السعودية وقطر تعود إلى منتصف التسعينات، فمنذ “تنحية خليفة بن حمد عن طريق ولده حمد، والد الأمير الحالي تميم آنذاك وقفت السعودية مع الأب وأرادت أعادته إلى السلطة لكنها لم تفلح بذلك”. ويرى العطية أن الانقلابات داخل الأسرة الحاكمة في الخليج ليست جديدة، وتكون أحياناً دموية سواء في السعودية أو قطر”.

نفس الوصف -“الانقلاب” – أشارت إليه الدكتور مضاوي الرشيد في مقالها الذي يشير إلى موقف واضح بجانب قطر، فكتبت تقول إن “انقلاب القصر في عام 2017، الذي عزل فيه الملك سلمان ابن أخيه الأمير محمد بن نايف، ورفّع ابنه محمد بن سلمان لولاية العرش قد لا يمكن تكراره بسهولة في قطر، فبعد شهرين من الأزمة لم تستطع الرياض زعزعة استقرار قطر وتحويلها إلى دولة منبوذة، ولهذا عاد (سلمان وابنه) للخلافات القبلية القديمة، وباتا يعولان على الانقسام داخل العائلة الملكية الحاكمة”.
يُذكر أن الأستاذة مضاوي بنت طلال بن محمد الرشيد هي حفيدة آخر حاكم من أسرة الرشيد المنافسة لأسرة آل سعود.

“صراع عبثي”
تملك قطر أوراقاً أفضل في لعبة التغييرات أو “الانقلابات المفترضة”، حسبما يقول الدكتور غسان العطية، فسكان “قطر عددهم محدود ودخل الفرد القطري هو الأعلى عالمياً والأفضل بين دول الخليج، كما أن الدولة بإمكانها توفير شروط الراحة لمواطنيها”، بينما “تعاني السعودية من مشاكل داخلية، منها عدم رضا الشيعة في القطيف، والعدد الهائل من العاطلين عن العمل”.
وفي لعبة الخلافات بين الأسر الحاكمة في الخليج تراقب الولايات المتحدة وأوروبا مسلسل الصراع وتنصح جميع الأطراف بالتحاور فيما بينها، فيما يحاول كل طرف منهما كسب عدد أكبر من الحلفاء في المنطقة، فقطر المتحالفة مع تركيا تحاول كسب ود باكستان وإيران.
في المقابل تحاول الرياض التقرب من بغداد بغية كسبها إلى جانبها، رغم التحفظ العراقي على أهمية الحياد في الصراع الخليجي، حسب رأي الدكتور العطية، الذي يحذر من أن الشرق الأوسط سيكون ضحية لصراع جديد، يصفه بالقول بأنه “صراع عبثي”.
الشرق الأسط الجديد في حالة صيرورة، تتغير فيه قواعد اللعبة وأساليب الصراع، إذ تراجعت القضية الفلسطينية وظهرت الصراعات الطائفية بديلاً عنها. ويرى الدكتور العطية أن الصراع الحقيقي في الشرق الأوسط بات صراعاً إيرانياً سعودياً، وكان على السعودية أن تكسب قطر إلى جانبها، إن كانت تريد تقوية شوكتها مع إيران، وأن على قطر أن تتفهم المطالب السعودية وعدم إثارة مشاكل لها.
غير أن الصراع بين حكام الخليج يعود إلى “العقلية البدوية القبلية والصراع على السلطة حتى داخل الأسرة الواحدة”، حسب الدكتور العطية، الذي يختم متسائلاً “إن كانت العقلية القبلية ستبقى سائدة حتى ونحن في القرن الحادي والعشرين؟”.