ماذا تعرف عن الاتجار بالبشر في الوطن العربي؟

ماذا تعرف عن الاتجار بالبشر في الوطن العربي؟

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٢٣ أغسطس ٢٠١٧

في نهاية شهر يوليو(تموز) الماضي أعلنت دولة غانا منع إصدار تأشيرات لمواطنيها من أجل العمل خادمات وعمالًا في الخليج، وذلك بعد إصدار وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي عن الاتجار بالبشر أو «Human Trafficking»، ويعرف التقرير حالات الاستعباد البشري بأنها خطف البشر واستغلالهم في التجارة الجنسية وبيعهم للعمل في البغاء، أو توظيفهم في أعمال تشبه أعمال السخرة، أو استغلال الأطفال غير البالغين للعمل في أعمال شاقة. ويوضح ارتفاع حالات استعباد البشر في دول مختلفة حول العالم من ضمنهم المواطنون الغانيون والمواطنون القادمون من أفريقيا وجنوب آسيا وشرق أوروبا للعمل في الدولة الخليجية. واستنادًا إلى هذا التقرير بالإضافة إلى مؤشر العبودية العالمي نوضح لكم في هذا التقرير أشهر حالات الاستعباد البشري الموجودة في العالم العربي في الوقت الحالي، بالإضافة إلى حقائق ووقائع من بعض الدول العربية مدعومة بمصادر موثوقة.

في السعودية.. كل أشكال العبودية ممكنة

«لم أعتقد يومَا أنني سوف أعود إلى وطني على قيد الحياة» هذه كانت كلمات واحدة من ثلاث عاملات استطاع مجلس حقوق الإنسان التابع للسفارة الهندية بالسعودية تحريرهن من العمل تحت ظروف قاسية تشبه العبودية في يناير (كانون الثاني) الماضي، وقالت تلك السيدة إنها قدمت إلى السعودية عن طريق أحد الوسطاء الذي وعدها بوظيفة تستطيع أن تربح منها 1200 ريال شهريًا أي «22 ألف روبية هندية»، فضلًا عن سكن مريح ومعاملة جيدة في المكان الذي سوف تعمل فيه، ولكن الوعود أصبحت سرابًا منذ اليوم الأول؛ فوجدت السيدة الهندية نفسها تعمل خادمة في منزل كبير يسكنه 20 فردًا، وكان يتوجب عليها العمل قرابة 18 ساعة يوميًا دون راحة، وفي حال اشتكت من العمل كانت تتعرض للضرب المبرح والمضايقة وأحيانًا كان سكان المنزل يتحرشون بها جنسيًا، وقد وجدت السفارة الهندية ما يقرب من 50 خادمة هندية شبه معدومي الحياة يعملن في السعودية في ظروف تشبه العبودية.

وفي عام 2015 شهدت السعودية عملية تجارة بشرية ضخمة، وذلك عندما وصل إلى السعودية حوالي 900 امرأة من موريتانيا بهدف العمل ممرضات في المستشفيات ومدرسات في المدارس الحكومية في السعودية، وذلك بناءً على الإعلان الذي أعلنته وزارة العمل السعودية على موقعها الإلكتروني والذي من خلاله توفر وظائف لمواطني دولة موريتانيا للعمل في المملكة سائقين وعمالًا ونادلين للذكور، والإناث للعمل في المستشفيات ومدرسات في المدارس، وبالفعل استغلت الكثير من مكاتب التوظيف الوهمية في موريتانيا هذا الإعلان وبدؤوا بالتسويق لأنفسهم على أنهم وسطاء يتعاملون بشكل مباشر مع الحكومة السعودية من أجل شغل وظائف شاغرة في المملكة، وسارع إلى هذه المكاتب الآلاف من الموريتانيين وذلك بسبب ارتفاع نسبة البطالة في موريتانيا التي تصل إلى أكثر من 40%، وكنهاية مأساوية معتادة لمثل هذه القصص؛ تم توظيف من استطاع من النساء الموريتانيات الوصول إلى السعودية في مجال الخدمات المنزلية وعاملات النظافة، مقابل أجر قليل وساعات عمل كثيرة وظروف مهينة من ضرب وتحرش جنسي.

في مطلع فبراير (شباط) من هذا العام، داهمت الشرطة السعودية مقرًا لممارسة البغاء في الرياض، وألقت القبض على 29 امرأة كينية، وبعد التحقيقات اتضح أن هؤلاء الفتيات قدمن من قرى فقيرة في كينيا إلى السعودية من أجل العمل نادلات وخادمات في المطاعم والمنازل مقابل أجر مغرٍ، ولكن عندما وصلن تم إجبارهن على العمل في البغاء. وتعاني الكثير من الفتيات الوافدات في السعودية من نفس مصير العمل في البغاء والاستغلال الجنسي، فقد صرحت إحداهن لوكالة رويترز عام 2015 وقالت «كنت أشعر أنني عاهرة فقد كان رب منزلي يجبرني على ممارسة الجنس معه وكنت أطيعه حتى أستطيع العودة إلى بلدي بسلام».
الإمارات.. حيث الاتّجار بالبشر والجنس مقابل الحياة

في يونيو (حزيران) الماضي حكمت محكمة بلجيكية على ثماني أميرات من الإمارات بالسجن لمدة 15 شهرًا مع إيقاف التنفيذ وتغريمهنّ 165 ألف يورو، وذلك بعد أن وجهت المحكمة لهنَّ تهمة «الاتجار بالبشر» عام 2007 على خلفية هروب خادمة من مقر إقامة الأميرات بأحد الفنادق في العاصمة البلجيكية بروكسل وتوجهت إلى قسم شرطة لتقوم بتحرير مذكرة ضد الأميرات تفيد فيها أنه تم خطفها من عائلتها لكي تعمل خادمة لأميرات في الإمارات، بالإضافة إلى سوء المعاملة والقدر المادي الضئيل الذي تحصل عليه مقابل ساعات طويلة من العمل.

وتحتل الإمارات المركز 32 في مؤشر العبودية العالمي لعام 2016، وذلك لأنها من أهم الأماكن التي تنشط فيها تجارة الأفراد القادمين من شرق أوروبا ومن جنوب آسيا ومن أفريقيا للعمل إما في البغاء أو للعمل بالسخرة أي العمل في الخدمة أو أعمال البناء لساعات طويلة مقابل أجر ضئيل، ويساعد نظام الكفالة الإماراتي على تنشيط مثل هذه الجرائم؛ فالعامل لا يستطيع أن يغادر الإمارات أو تغيير مكان عمله إلا بموافقة صاحب العمل، مما يجعل العمال والعاملات عرضة للاستعباد في العمل أو الاستغلال الجنسي.
في السنوات الأخيرة، بذلت حكومة الإمارات الكثير من الجهد من أجل ملاحقة هؤلاء الذين يتاجرون بالبشر؛ ففي العام الماضي فقط استطاعت الشرطة تحرير 17 مذكرة اتهام تتضمن 65 شخصًا متورطًا في عمليات اتجار بالبشر، وعلى الرغم من ذلك فما زالت مهمة الشرطة الإماراتية صعبة للغاية في تحديد هوية المستعبدين جنسيًا في الإمارات، وذلك لأن بعض التقارير تشير إلى أن في مدينة دبي وحدها يعمل ما يقرب من 30 ألف امرأة في البغاء، وليس كلهن مستعبدات جنسيًا، فالبعض دفعته ظروف الحياة القاسية أو غريزة الطمع للحصول على المال الكثير، وللمقارنة البسيطة يمكن للعاملة الأجنبية أن تتقاضى 5 آلاف درهم في الشهر، أما التي تعمل في البغاء فتجني ما يقرب من 20 ألف درهم شهريًا.
بألفي دولار في لبنان

في أبريل (نيسان) العام الماضي داهمت الشرطة اللبنانية فندق «تشيز موريس» في مدينة جونيه، لتجد 75 امرأة سورية، تمّ احتجازهن وإجبارهن على ممارسة البغاء مع رجال مقابل المال، وبعد التحقيقات اتضح أنهن غادرن سوريا بسبب ظروف الحرب التي مزقت عائلاتهن وبلادهن، وأتين إلى لبنان بسبب وعود بالزواج وفرص عمل وحياة كريمة تعوضهن عن ما عشنه في سوريا بسبب الحرب، ولكن بعد قدومهن إلى لبنان تم اختطافهن وبيعت المرأة الواحدة بألفي دولار إلى بيوت ممارسة الدعارة والبغاء، وتجبر المرأة أو الفتاة على ممارسة الجنس يوميًا مع عشرة رجال، ولا تحصل على أي مقابل مادي، فقط طعام بسيط ومكان متواضع للنوم.

بخلاف حالة الإجهاد اليومي العنيف الذي تتعرض له الفتيات، فقد روين أنهن كنّ يتعرضن للضرب والتعذيب بشكل متكرر يوميًا، وغير مسموح لإحداهنّ بالخروج من الفندق إلا للإجهاد أو المعالجة من الأمراض الجنسية الناتجة عن ممارسة الجنس غير الآمن مع رجال مختلفين لمرات عديدة يوميًا، وأحيانًا كان يسمح لبعضهنّ بالمعالجة من الأمراض التي تصيب الجلدية أو ضعف العظام، وهذه الأمراض ناتجة عن عدم تعرض هؤلاء الفتيات للضوء لشهور، فالأبواب موصدة، وزجاج النوافذ مطلي باللون الأسود الذي يحجب الضوء والرؤية عن الغرف. وتعاني العديد من السوريات هذا المصير في لبنان بسبب ضعف أداء الحكومة اللبنانية في مواجهة الاتجار بالسوريات الذي يزداد يومًا بعد يوم منذ اندلاع الثورة السورية، وتحتل لبنان المركز ـ20 في مؤشر العبودية العالمي للعام الماضي.
وليس الجنس فقط هو الحالة الوحيدة التي يستعبد فيها اللاجئون السوريون في لبنان؛ فالشهر الماضي أصدرت اليونيسيف إحصائية تفيد بأن 180 ألف طفل سوري تتراوح أعمارهم ما بين 5 إلى 14 سنة يعملون في ظروف قاسية في لبنان، خصوصًا في إشارات المرور وفي الحقول وفي المصانع وفي أعمال البناء. هؤلاء الأطفال تركوا سوريا وقد سببت الحرب لهم أضرارًا نفسية، والظروف القاسية التي يعيشها الأطفال في العمل في لبنان قد تزيد هذه الأضرار، وهم لا يملكون خيارًا آخر يجب عليهم العمل حتى ينقذوا أنفسهم وأسرهم من الضياع.
500 ألف مُستعبد في مصر

يصنف مؤشر العبودية العالمي مصر من أسوأ الدول التي يكثر بها العمل الإجباري والاتجار بالبشر، ويفيد التقرير بأنه يوجد في مصر حوالي 573 ألف شخص في ظروف استعبادية، وتتنوع هذه الظروف ما بين العمل بالسخرة والتجنيد الإجباري وزواج المتعة، والأخير هو أشهر صور الاستعباد الذي تشتهر به قرى فقيرة في مصر منذ عقود، حيث ما بين الحين والآخر يأتي رجال أغنياء من الدول العربية إلى مصر كي يتزوجوا من فتيات مصريات بغرض المتعة فقط، وعلى الرغم من أن القانون المصري لا يسمح للفتيات دون 18 عامًا بالزواج؛ إلا أن القاصرات هن السنّ المفضل للباحثين عن زواج المتعة أو الزواج بنية الطلاق.

وطبقًا لتقارير المجلس القومي للأمومة والطفولة بمصر، فإن الفتيات اللاتي تُقدِم عائلاتهن على تزويجهن من أثرياء عرب تتراوح أعمارهن ما بين 12- 16 عامًا، وتتجه 80% من هذه العائلات إلى الزواج السياحي أو زواج المتعة لأنهم يجدون فيه حلًا بسيطًا للهروب من الفقر، وذلك لأن سعر الفتاة البكر يكون بين 10 – 25 ألف جنيه مصري، والفتاة غير البكر لا يزيد سعرها عن 10 آلاف جنيه مصري، ولا تتزوج الفتاة مرة واحدة بل يمكن أن تتزوج عشر مرات في عامٍ واحد، لأن مدة الزواج تكون غالبًا بين أسبوع وشهر، ولا ينتظرون مرور أشهر؛ بل تتزوج الفتيات حينما يتواجد الزبون أو السائح العربي الثري.

هذه التجارة ليست فقط مربحة للفتيات وأسرهن، بل مربحة أيضًا للوسطاء الذين غالبًا ما يمتهنون مهنة المحاماة، ويحصل الوسيط على مبلغ يتراوح ما بين مائة وألف دولار في الزيجة الواحدة، على حسب توقيت الزواج ففي فصل الصيف ترتفع الأسعار، وعلى حسب شكل الفتاة وجمالها، فكلما كانت الفتاة جميلة زادت عمولة الوسيط، وتتلخص مهمة الوسيط في كتابة العقود – ليست لها قيمة قانونية غالبًا -، وترتيب المقابلة بين الشخص والفتاة، فالمقابلة تتم في مكتب الوسيط وأحيانًا يأخذ الوسيط فتاة أو مجموعة من الفتيات إلى القاهرة لمقابلة الزوج المؤقت.
الزواج السياحي ليس المدخل الوحيد للاستغلال الجنسي للإناث في مصر، فهناك طريق آخر يعرف بـ«مكاتب تسيير الزواج»؛ فهو المكان الذي يذهب إليه كل من يرغب في الزواج العاجل خصوصًا الفتيات اللائي وصلن سنًا متأخرة – في نظر ذويهن – ولم يتزوجن بعد. في شهر أغسطس (آب) العام الماضي نشر موقع «رصيف 22» تقريرًا صحفيًا يرصد فيه الظاهرة، وينقل شهادات ضحايا وقعوا في جريمة الاستغلال الجسدي عن طريق هذه المكاتب؛ فتقول إحداهن إنها قد تزوجت عن طريق أحد المكاتب برجل ادعى أنه من الخليج، ولكن بعد ثلاثة أيام أجبرها على ممارسة الجنس مع رجل آخر، لتتجه لاحقًا إلى قسم الشرطة وهناك تبين أن هذا الرجل مصري وسُجن من قبل.

وفي إحصائية ذكرها تقرير رصيف 22 نقلًا عن مؤسسة المرأة الجديدة؛ فإن 48% من الرجال الذين يتجهون لمكاتب تيسير الزواج يبحثون عن المتعة الجنسية فقط، وأن معظم المكاتب تكون متورطة في هذه الجريمة، وفي عامي 2014-2015 فقط ألقت السلطات المصرية على 1098 مِن مَن يديرون هذه المكاتب لاستغلالهم الفتيات وإجبارهن على العمل في الدعارة أو تزويجهن بشكل صوري فقط لرجال بغرض المتعة الجنسية.

هناك أيضًا ظاهرة جديدة أخرى في مصر، فبعض العائلات الفقيرة يرسلون أطفالهم إلى أوروبا من أجل العمل عبر مراكب الهجرة غير الشرعية، ولأن الأطفال المصريين ليسوا سوريين – ليست هناك حرب في بلدهم – ولا يملكون تصاريح للدخول إلى أوروبا، هناك مجموعة من الدورات التدريبية التي تعقد في مصر تحديدًا في مدينة الإسكندرية بعنوان «إزاي تبقى سوري؟» والتي يتعلم فيها الطفل كيف يتحدث مثل السوريين، وتشير التقارير إلى أن عدد الأطفال المصريين الذين يتم تهريبهم إلى أوروبا تضاعف بنسبة 1: 37 بين عامي 2016 و2015.