الصراع الأميركي - الروسي: توريط وضغط وتطويق

الصراع الأميركي - الروسي: توريط وضغط وتطويق

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ١٦ أغسطس ٢٠١٧

يخيَّل للكثيرين أن العلاقات الروسية - الأميركية منتظمة، لا بل إن بعض المتوهِّمين، ومنهم أولئك الذين ما يزالون أسرى البروباغندا الأميركية الخفية، يعتقدون بل يتحدثون بلغة الجزم أحياناً أن هناك اتفاقاً بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية على ما يجري من حروب على الكرة الأرضية، لكن الحقيقة خلاف ذلك تماماً، وليست العقوبات التي قررها الكونغرس ووقّعها دونالد ترامب، والردّ الروسي بطرد مئات الدبلوماسيين، واعتبر ترامب ذلك - مكابرة - تخفيفاً للمصروفات وتوفيراً على الخزينة، إلا أن أبسط المؤشرات تدلّ على حالة الاحتدام المتصاعد بين الدولتين الندّين، اللتين تملكان أسلحة نووية تدمّر كوكب الأرض.

أما الوقائع التي تؤكد أن الصدام آتٍ لا محالة، فهي كثيرة، وخلاصتها أن الولايات المتحدة بكل إداراتها المتعاقبة، بما فيها الإدارة الحالية، لا يمكنها التعايش في حالات السلم العالمي، ولذلك فإن من أسباب بقائها، نشر الحروب في العالم، لأنها الطريق الوحيد الذي يمكنّها من التدخل بذرائع مختلفة، ومن ثم تستولي على ثروات البلاد، أو جعلها تابعاً.

ومن الوقائع الاستفزازية التي يمكن إيراد أمثلة جازمة لها:

1-   محاولة توريط روسيا في سباق تسلُّح جديد، من باب قيام مجموعة من أعضاء الكونغرس بإقناع ترامب بـ"معاقبة" روسيا بذريعة توقُّف موسكو عن تنفيذ بنود معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، بينما الولايات المتحدة لم تلتزم يوماً ببنود المعاهدة، بل إن الدعوات الأميركية للانسحاب من المعاهدة إلى تزايد، بينما روسيا تعتبر ذلك خطوة "خاطئة".

هنا يكمن التصعيد، وهدفه الانسحاب من المعاهدة، بدل تقليص الأسلحة النووية التي تطالب روسيا بأن تكون متساوية، والأهم أن روسيا مطمئنة لقدراتها إذا انسحبت الولايات المتحدة من المعاهدة، وهي عالية جداً، كما أنها لن تقع في فخ سباق تسلُّح، وفي الوقت نفسه لن يتمكن الوحش الأميركي من استفزاز روسيا من هذه الخلفية.

2-   تحاول الولايات المتحدة زيادة منسوب الضغوط على روسيا من البوابة الأوروبية، من خلال إثارة أوروبا على موسكو، وهو ما تصدّت له ألمانيا أكثر من مرة، وفرنسا بصورة خجلة أحياناً، لاسيما على خلفية الملف الأوكراني الذي تسلّمت إدارته واشنطن مباشرة، وألغت عملياً دور أوروبا فيما عُرف برباعية النورماندي، بمن فيهم سلطات كييف، والأهم أن المخابرات الأميركية أنشأت مركزاً مستقلاً في أوكرانيا يمنع دخوله حتى على الأوكرانيين، ومهمته تخطيط وتنفيذ أعمال تخريبية ضد روسيا وبلدان رابطة الدول المستقلة (الاتحاد السوفياتي السابق)، ودول الاتحاد الأوروبي، وحتى الصين وتركيا.

3-   محاولة تطويق روسيا أيضاً عبر دول البلقان، ولذلك كانت الزيارة لنائب الرئيس الأميركي مايك بينس مطلع الشهر إلى جمهورية الجبل الأسود، والهدف ضمّ هذه الجمهورية إلى حلف الناتو الذي تقوده واشنطن، وما يؤكد العدوانية الأميركية ما أعلنه المبعوث الأميركي إلى البلقان هوايتبراين أثناء مرافقته لبينس: "نحن نتخذ خطوات لتعزيز بلدان منطقة غرب البلقان في صراعها ضد التأثير السلبي لروسيا، نحن نريد أن نكون واثقين من أن روسيا، أو أي لاعب آخر، سيكون  من الصعب عليه التأثير في السياسة الداخلية، أي بمعنى آخر أن تكون الكلمة العليا لواشنطن".

4-   تعتقد الولايات المتحدة أنها على أبواب إنجاز تطويق روسيا من النوافذ الأوروبية، شرقية كانت أم غربية، وهي تحتاج إلى إكمال الطوق المؤذي من البوابة الآسيوية، بهدف الإقلاق والتخريب في حال اندلعت الحرب الروسية - الأميركية على أرض  أوروبا، ولذلك بدأت الولايات المتحدة بتقوية "داعش" في أفغانستان، وتمّ نقل الكثير من أولئك الإرهابيين - وهذه أمور موثّقة - من سورية والعراق إلى اقليم بدخشان، مع الإشراف على تدريب العناصر الجديدة المستقطَبة في معسكرات في باكستان، بتمويل من دول خليجية معروفة، وهناك قناعة  بأن هدف الولايات المتحدة هو تهديد روسيا.

5-   محاولة دقّ أسافين بين روسيا والصين، لاسيما مع تبلور التحالف الروسي - الصيني من جهة، وكذلك مع تنامي الكباش الصيني مع حلفاء واشنطن في بحر الصين، بدفع من الولايات المتحدة لكل من اليابان وتايوان، فضلاً عن استفزاز المدمرات الأميركية للقوات البحرية الصينية، وهو ما ردّت عليه الصين بشدة، ودون دبلوماسية، ما يعكس حدة الصراع، مضافاً إلى ذلك الصراع الأميركي الكوري من جهة ثالثة، ووصول التحدي بتدمير نووي، ما يجعل المنطقة على بركان يتحكّم به مجنون البيت الأبيض.

الخلاصة، الصراع الأميركي - الروسي في ذروة عالية، وربما خطأ بسيط قد يُشعل حرباً، سواء في أوروبا أو في بحر الصين، لكن على الأرجح لن تكون نووية.

يونس عودة