القلق الإسرائيلي من نتائج معركة جرود عرسال

القلق الإسرائيلي من نتائج معركة جرود عرسال

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٢٥ يوليو ٢٠١٧

 ما هي أسباب الصمت الإسرائيلي حيال معركة تحرير جرود عرسال والقلمون الغربي؟ وكيف تنظر إسرائيل إلى تنامي القدرات العسكرية للمقاومة اللبنانية ولتعزيز تجربتها القتالية ضد التكفيريين في سوريا؟

كان لافتاً الصمت الإسرائيلي، على مختلف مستوياته السياسية والعسكرية والإعلامية، تجاه معركة جرود عرسال والقلمون الغربي التي يخوضها حزب الله والتي شارفت على نهايتها، والتي توجت بانتصارات كبيرة وخلال وقت قصير وبخسائر بشرية محدودة.

لعل الصمت الإسرائيلي يعود إلى انشغال حكومة الاحتلال وجيشها وأمنها وإعلامها بقضية المسجد الأقصى والأزمة التي وضعت نفسها فيها بتركيب أبواب إلكترونية، والبحث عن مخرج ما يحفظ ماء وجه حكومة نتنياهو من جهة، ويخفف الغضب الشعبي الفلسطيني والاستياء العربي والإسلامي تجاه هذا العدوان الإسرائيلي الجديد على الحرم القدسي الشريف.

وجاءت حادثة السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأردنية عمّان واستشهاد مواطنين أردنيين برصاص الحارس الإسرائيلي لتزيد من مأزق حكومة نتنياهو السياسي والدبلوماسي والأمني.

لكن برغم انشغال سلطات الاحتلال الإسرائيلي بأولويات الداخل وبخاصة في القدس المحتلة والمسجد الأقصى، وبمعالجة المشكلة الدبلوماسية مع الأردن، إلا أنه من المؤكد أن الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تقوم برصد مجريات معركة جرود عرسال ونتائجها السياسية والعسكرية ودروسها الأمنية والعسكرية، وبخاصة من حيث رصد وتحليل تطور قدرات حزب الله العسكرية.

وقد كسر الصمت الإسرائيلي موقع "نزيفنت"  nzivnet  الإسرائيلي إذ نشر تقريراً يقول إن حزب الله يخوض في جرود عرسال منذ أربعة أيام "معارك قاسية تضمنت قصفاً مدفعياً وحتى معارك وجهاً الى وجه، بحيث يمكن رؤية حزب الله "يعمل كجيش مدرب ويشغل آليات ثقيلة مثل المدرعات وناقلات الجند المدرعة والمدفعية وقذائف الهاون وغيرها، "في حين أن قوة الرضوان- وهي القوة المخصصة لاحتلال الجليل في الحرب المقبلة مع إسرائيل- تنفذ أعمال كوماندوس معقدة مثل السيطرة على أماكن معزولة وعلى الكهوف".

وأضاف الموقع الإسرائيلي: "اليوم يدعون في حزب الله أنهم حرروا ما يزيد على 90% من الأرض، وحتى أنهم أعلنوا عن سيطرتهم على معظم المناطق الاستراتيجية في الجبال، وحتى أنهم أعلنوا بأن المعركة شارفت على نهايتها".

وأشار الموقع الإسرائيلي إلى أن "حزب الله أعّد عملية عسكرية معقدة في لبنان، وطبقها من بدايتها وحتى نهايتها، تقريباً من دون أي مساعدة خارجية.. هناك فيلم يظهر القتال الذي دار على مدى الأيام الأربعة الأولى في عرسال. وخلال الفيلم يمكن رؤية حزب الله يعمل كجيش مدرب ويشغل آليات ثقيلة مثل المدرعات وناقلات الجند المدرعة، المدفعية، قذائف الهاون،  صواريخ ضد الدروع ، قذائف يدوية، صواريخ مضادة للمدرعات، قناصة وغيرها".

ولفت التقرير نفسه إلى أن حزب الله لا يبدو في الفيلم كمنظمة تعمل وفق حرب العصابات، كما عرفته إسرائيل في تسعينات القرن العشرين وبداية الألفة الثالثة. يضيف: "في الفيلم يمكن رؤية علمي حزب الله ولبنان يرفرفان سوياً مكان علم "القاعدة" على رأس تلة في منطقة وادي الخيل.. هذه هي صورة نصر حزب الله على الإرهاب. ليس في حلب ولا في درعا. في عرسال، في البيت. حزب الله عاد للقتال على البيت، ويبعث إلينا إشارات أيضاً، وليس هناك أحد يستطيع أن يوقفهم".

القلق الإسرائيلي من قدرات حزب الله
ولا شك أن ثمة تطوراً كبيراً في هذه القدرات، لاحظها الخبراء العسكريون والمحللون السياسيون، من جهة دقة المعلومات التي جمعتها المقاومة عن المجموعات الإرهابية المسلحة في الجرود قبل مباشرتها للعملية العسكرية، وذلك سواء عبر الاستخبارات البشرية أو التكنولوجية، وخصوصاً الطائرات المسيرة (درونز)، وكذلك تمت ملاحظة براعة التخطيط للعملية واحترافية التنسيق بين وحدات المقاومة من جهة والجيش السوري من جهة أخرى، وكذلك مع الجيش اللبناني من جهة ثالثة.

ويُحسب للمقاومة نجاعة الحرب النفسية والإعلامية التي شنّتها على المجموعات المسلحة المتمثلة بجبهة النصرة، أو هيئة تحرير الشام كما سمّت نفسها، وهي ما أسفرت عن إصابة الكثير من مسلحي الجبهة بالإحباط والانهزام المعنوي، ما أدى إلى فرار بعضهم واستسلام البعض الآخر.

ولعل التطور الأبرز هو نجاح المقاومة اللبنانية في خفض التوتر الداخلي اللبناني وتحييد الكثير من الأطراف التي كانت تعارض أي عملية عسكرية لتحرير جرود عرسال تحت غطاء مذهبي حيناً وسيادي حيناً آخر، فضلاً عن حرص المقاومة على سلامة المدنيين اللبنانيين من مواطني بلدة عرسال أو النازحين السوريين المقيمين في مخيمات البلدة، وذلك بالتنسيق مع الجيش اللبناني والفعاليات المحلية. وبالعودة إلى القلق الإسرائيلي من تنامي قدرات حزب الله العسكرية ومهارات كوادره ومقاتليه في سوريا، نذكر كيف كانت إسرائيل، حكومة وجيشاً واستخبارات وإعلاماً، تتابع معركة تحرير المقاومة لبلدة القصير في سوريا، وغيرها من المعارك الأخرى التي خاضها حزب الله في سوريا، من دمشق وريفها إلى حمص وحلب وحلب وتدمر ودير الزور.

ولم يعد سراً الخوف الإسرائيلي من تواجد حزب الله في جنوب سوريا وتهديده للكيان الإسرائيلي، لقربه من الجولان السوري المحتل ومستوطنات الجليل في فلسطين المحتلة، ما يجعل في حسابات الإسرائيلي أن المعركة المقبلة مع حزب الله لن تقتصر على الحدود مع لبنان بل ستمتد إلى الحدود مع سوريا، بل ربما تكون المعركة الرئيسية من سوريا، من القنيطرة والقصير والقلمون وغيرها من المناطق السورية.

فقبل نحو شهر ونصف، نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقريراً عسكرياً يكشف مدى القلق الإسرائيلي من مستجدات المعارك على طول الحدود العراقية السورية، والتي رأت أنها تعزز قوة حزب الله لوجستياً وعسكرياً في المنطقة، باعتبار أن نجاح الجيشين العراقي والسوري بالانتقال إلى الحدود بين الدولتين والسيطرة على المنطقة الحدودية سيسمح بإقامة ممر بري استراتيجي سيمكن حزب الله من استخدام الممر لنقل العتاد والأسلحة والقوات والإمدادات المختلفة.

وقد أشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن إقصاء "داعش" عن الحدود العراقية السورية يمكن  قوات الحشد الشعبي من الاستيلاء على مواقع ومناطق استراتيجية وبينها المنطقة الصحراوية غربي الموصل القريبة من سوريا، حيث أكدت الاستخبارات الإسرائيلية على مدى أهمية تلك المنطقة إذ نقلت "هآرتس" عن المدير العام لوزارة شؤون الاستخبارات الإسرائيلية، حغاي تسوريئيل، قوله إن "الحدود بين سوريا والعراق هي المكان الأهم في المنطقة الآن. وهناك ستحدد صورة الوضع الإقليمي".

وأشارت التقديرات الإسرائيلية إلى أنه في حال سيطر الجيش السوري على المناطق الحدودية المقابلة للأردن وإمكانية عودة الجيش السوري إلى مواقعه في هضبة الجولان المحتلة، فإن هذه التطورات ستكون كفيلة  بتغيير المسارات في المنطقة في السنوات المقبلة.

المخاوف الإسرائيلية من صواريخ المقاومة
وفي هذا السياق، يأتي التهويل الإسرائيلي المستمر من مخاطر نقل شحنات سلاح استراتيجي من إيران وسوريا إلى حزب الله، وخصوصاً الصواريخ بعيدة المدى والدقيقة، وصولاً إلى التحذير من مخاطر إنشاء مصنع للصواريخ الدقيقة في لبنان.

وقد كرر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ورئيس شعبة الاستخبارات الإسرائيلية "أمان" وغيرهما من المسؤولين الإسرائيليين مراراً خلال السنتين الأخيرتين أن حزب الله يعتبر التهديد الأكبر على إسرائيل، برغم انشغاله في الحرب السورية، مشيرين إلى تنامي ترسانته الصاروخية بعيدة المدى وشديدة الدقة، فضلاً عن تجربته القتالية وخاصة الهجومية ضد الجماعات التكفيرية المسلحة في سوريا، إلى المفاجآت التي تخبئها المقاومة لإسرائيل في أي عدوان مقبل.

فرئيس هيئة الأركان لجيش الاحتلال الإسرائيلي، غادي أيزنكوت، قال خلال مؤتمر دراسي حول ذكرى مرور 11 عاماً على "حرب لبنان الثانية"، أي عدوان تموز يوليو 2006،  إن حزب الله والجبهة الشمالية لا يزالان يتصدران أولويات الجيش الإسرائيلي، مشيراً إلى أنه برغم الخسائر التي تكبدها حزب الله "والمشاكل الاقتصادية والمعنوية التي يواجهها، وفقدانه قائدين كبيرين خلال ال7 سنوات الأخيرة، فإن حزب الله قد اكتسب خبرة في ميادان القتال التي يشارك فيها، والجيش الإسرائيلي لا يغض النظر عن هذا".