الحزب الحاكم يخسر أغلبيته: كوربين يطيح آمال المحافظين؟

الحزب الحاكم يخسر أغلبيته: كوربين يطيح آمال المحافظين؟

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٨ يونيو ٢٠١٧

فيما أدلى الناخبون البريطانيون بأصواتهم في الانتخابات العامة المبكرة أمس، فإن النتائج الأوليّة بحسب استطلاعات اتجاهات التصويت التي أعلنت منتصف الليل بتوقيت بيروت، كانت تشير إلى فقدان الحزب الحاكم لأغلبيته، وبالتالي ستفتح باب التحالفات بين الأحزاب، ما يعني أن كوربن قد يتولى تشكيل الحكومة الجديدة

 في انتخابات عامة مبكرة أجمع كل المراقبين على أنها مفصليّة وحاسمة لمستقبل البلاد، أدلى الناخبون البريطانيون بأصواتهم أمس لاختيار ممثليهم الـ650 في البرلمان. وستكلف الملكة رئيس الحزب الفائز بالأغلبيّة البرلمانية – إن تحققت – بتشكيل الحكومة، وإلا فإنّ تحالفات بين الكتل الفائزة قد تصبح ضرورية للحصول على الأغلبيّة التي تحتاج إلى أصوات 326 نائباً على الأقل.

وأشارت الاستطلاعات إلى فوز محتمل للمحافظين بـ314 مقعداً مقارنة بـ332 في البرلمان الحالي، وهو ما يعني كارثة سياسية لتيريزا ماي وسياساتها الداخليّة والخارجية على حدّ سواء. الاستطلاعات ذاتها أعطت «العمال» 266 مقعداً، أي بزيادة 34 مقعداً، وهي نتيجة تقوّي موقف جيريمي كوربن داخل حزبه، وتفتح الباب لإنشاء تحالف أقلية يتولى عبره تشكيل الحكومة. النتائج أشارت إلى تراجع الحزب القومي في إسكتلندا وتقدم طفيف لحزب الليبرالين الأحرار. ووفق هذه النتيجة، فإن أداء حزب العمال هو الأفضل منذ انتخابات عام 1997 (مع توني بلير)ً.
اليوم الانتخابي الطويل كان قد بدأ عند الساعة السابعة صباحاً بتوقيت لندن، وأدلى كل من زعيم حزب «العمال» ورئيسة الوزراء الحاليّة عن حزب «المحافظين» الحاكم تيريزا ماي بصوتيهما باكراً في مركزين انتخابيّين، وأحدهما بالطبع سيكلف بتشكيل الحكومة بعد إعلان النتائج النهائية فجر اليوم الجمعة.
وقد بدا من النشاط المحموم على وسائل التواصل الاجتماعي وصفوف الناخبين الطويلة، التي غلب عليها الطابع الشبابي في كثير من المركز الانتخابيّة، أن نسب التصويت قد تتعدى 70% من الـ46 مليوناً من المواطنين الذين يحق لهم التصويت. وتلك بالطبع أخبار إيجابيّة لحزب «العمال» الذي يكاد يحصل على تأييد ثلثي الناخبين بين الفئات الشبابيّة، إذ كان «مانيفستو حزب العمال» لهذه الانتخابات قد وعد بتوفير التعليم الجامعي للمؤهلين بالمجان، على غرار زملائهم الأوروبيين في ألمانيا وفرنسا مثلاً، بدلاً من سياسة الرسوم الباهظة الحاليّة التي تجعل فرص التعليم العالي مقتصرة على التلاميذ الأثرياء، بينما يضطر زملاؤهم الأقل حظاً إلى الانخراط في سوق عمل صعبة أو الاستحصال على القروض الطلابيّة التي تستغرق منهم عند تخرّجهم إلى سوق العمل سنوات طويلة لتسديدها. كذلك فإن الحملة الانتخابيّة لـ«العمال» كانت أفضل بما لا يقاس على الإنترنت مقارنة بكل الأحزاب الأخرى، وهي وسيلة التواصل الأكثر فعاليّة بين الجيل الجديد.

وتقول إحصائية طريفة إنّه خلال الحملة الانتخابيّة، فإن كوربن غرّد على «تويتر» 703 مرات مقابل 77 مرة فقط لماي، وإنّ تغريداته حظيت بأرقام قياسيّة كل مرة، وأكثر ثلاثة أضعاف من كل مرة غرّدت فيها ماي.
وبغض النظر عن النتيجة النهائية، سواء نجحت ماي في البقاء في منصبها رئيسة للوزراء بعد انتخابات أمس أم لم تبقَ، فإن الأمر الأكيد هو أنها ستخرج بصورة أسوأ ممّا كانت عليه قبلها. وهو ما يدفع المراقبين إلى الاعتقاد بأن فترة حكمها المقبلة ــ لو فعلت ــ ومهما طالت، فإنها ستكون الأخيرة، ما يعني نهاية مبكرة للظاهرة «المايية» (نسبة إلى ماي) التي خرجت من عباءة التاتشريّة النيوليبراليّة، لكنها في الوقت ذاته لم تقدم ما يكفي لبناء سياسة متناغمة في الشؤون الاقتصاديّة والاجتماعيّة تحقق لها أيّ «خلود» سياسي ممكن. وحتى في ركوبها لموجة الشعبوية في ما يتعلق بالسياسة بشأن الهجرة ومسألة العلاقة بالاتحاد الأوروبي (البريكست) و«التصدي للإرهاب»، فإنها في الملفات الثلاثة قدّمت أداءً وصف بالأخرق حوّل نقاط القوة تلك (في ذهن الناخب البريطاني المحافظ) إلى نقاط ضعف قد تطيح كل مكاسب المحافظين في الانتخابات السابقة. وهي كانت قد تبنّت شعارات ــ وُصفت بالماركسيّة وقتها ــ في محاولتها استمالة الطبقة العاملة الإنجليزيّة، لا سيما تلك التي ترى نفسها متضررة من تدفق المهاجرين واللاجئين، لكنها انتهت إلى برنامج انتخابي يصبّ بشكل شبه مطلق في مصلحة ذوي الدخول المرتفعة والشركات الكبرى، ودائماً على حساب التقديمات والخدمات الاجتماعيّة التي تقدمها الدولة إلى القطاعات الأقل حظاً من المواطنين: المتقاعدين والمرضى والفقراء والعائلات.
لكنّ موقفاً انتخابيّاً ضعيفاً لماي وحزبها ستكون له تداعيات أبعد بكثير من الشأن المحلي البريطاني وهموم المواطنين. ففي الجوار القريب هناك العلاقة الملتبسة مع الفرقاء الأوروبيين، التي أصيبت بفتور غير مسبوق منذ أن بدأت تنفيذ مشروع الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، واهتزاز صورة الرئيسة سيضع بريطانيا في موقف تفاوضي أسوأ من موقفها الحالي المتّسم بالضعف أصلاً في مواجهة تكتل من 27 دولة تسيطر على 55 في المئة من الميزان التجاري للبلاد. كذلك فإن أيّ جروح قد تخرج بها ماي من هذه الانتخابات قد تجعل فرص الأقاليم في اسكتلندا وإيرلندا، وحتى جبل طارق، تتزايد بشأن نيل استقلال قريب عن المملكة المتحدة فور تنفيذ مفاعيل اتفاق لشبونة بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي.

الأمر الآخر هو في العلاقة مع الحليف الأميركي الذي بدا في عهد الرئيس دونالد ترامب قليل الاهتمام بالعلاقة مع المملكة المتحدة، وغير معنيّ باستمرار لعب الثعلب البريطاني العجوز أيّ دور في تفعيل هيمنة «اليانكي» على أوروبا؛ فموقف بريطانيا العالمي يتزايد هزالاً، ورئيسة وزراء ضعيفة لن تحظى بفرص حقيقية لتحسين ذلك.
لذا، وبحسب الاستطلاعات الأولية، فإنّ احتمال ترؤس كوربن الحكومة وارد، قد يكون أفضل أمل واقعي للسياسة الخارجيّة البريطانيّة، وليس فقط مجرد تحسين ظروف عيش الطبقة العاملة في البلاد. فكوربن مقبول أكثر من قبل الشركاء الأوروبيين، وهو قد أعلن عزمه على حماية حقوق الأوروبيين في بريطانيا (نقطة خلاف كبيرة حالياً)، ويعتزم التقليل من حدة مفاوضات «البريكست»، وربما يخضع لضغوط الكتلة المعارضة للبريكست بإجراء استفتاء جديد – رغم أنه علناً استبعد ذلك إلى الآن. وحتى لو تم الخروج من الاتحاد فعلاً، فإن توجه كوربن هو تبنّي نموذج علاقة إيجابيّة ببروكسل على النسق النروجي أو السويسري على الأقل. ومن غير المتوقع كذلك أن يتشدد كوربن في التعامل مع روسيا، وهو تحدث بعد الهجمات الإرهابيّة الأخيرة عن ضرورة إجراء مصارحات صعبة مع السعودية ودول الخليج الأخرى التي تدعم الإرهاب. موقف بريطاني متمايز عن ذلك الأميركي سيكون بمثابة فسحة لتحسين صورة «الإمبراطوريّة العجوز»، لا سيما مع القوى الصاعدة كالصين وإيران والدول الأسكندنافيّة. وفي إطار المملكة المتحدة نفسها، فإن الإسكتلنديين والإيرلنديين الشماليين سيجدون أحداً يمكن التحدث معه في لندن لترتيب علاقات مستقبلية مستدامة قد تطيل عمر المملكة المتحدة بعض الشيء بدلاً من أجواء التصعيد المتبادل في عهد المحافظين.
كان يوماً انتخابياً طويلاً وشاقاً، وقد أعدّ البريطانيون أنفسهم الليلة الماضية للسهر حتى وقت متأخر في انتظار نتيجة فرز الأصوات، لكنهم لن يكونوا حتماً وحدهم مهتمين بمعرفة هوية رئيس الوزراء الجديد؛ عواصم كثيرة معنية، وتقلقها النتيجة مهما كانت.

«بي بي سي»: منافسة حامية على 76 مقعداً

قالت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، في تحليل لها، إن نتيجة الانتخابات في 76 مقعداً في البرلمان «شديدة التقارب»، بحيث يصعب التكهن بالفائزين، بعد أن توقع استطلاع أن حزب المحافظين سيخسر أغلبية البرلمان لكنه سيبقى «أكبر حزب» مع الحصول على 314 مقعداً. وفي موازاة ذلك، قال وزير المالية السابق جورج أوزبورن إن الاستطلاع الأوّلي الذي توقّع خسارة رئيسة الوزراء تيريزا ماي لأغلبيتها في البرلمان سيكون «كارثياً تماماً» بالنسبة لها ولحزبها، مشيراً في الوقت نفسه خلال حديث إلى تلفزيون «آي تي في» إلى أن «الوقت لا يزال مبكراً. إنه مجرد استطلاع». وتابع القول إنه «إذا ثبتت صحة هذه الأرقام، فمن الصعب أن نرى كيف سيشكلون التحالف للبقاء في السلطة. لكن من الصعب بنفس القدر النظر إلى هذه الأرقام لرؤية كيف سيشكل (حزب العمال) تحالفاً، لذلك فالأمر غامض حقاً».


هبوط حادّ لـ«الإسترليني»

هبط الجنيه الإسترليني أكثر من «سِنتين» مقابل الدولار الأميركي، بعد ظهور نتائج الاستطلاع الأوّلي. وانخفض «الإسترليني» 1.8 في المئة عند 1.2736 دولار، بعد أن كان قد هبط إلى 1.2705 دولار، وهو أدنى مستوى منذ الدعوة إلى الانتخابات في 18 نيسان، بعد دقائق من إذاعة وسائل إعلام بريطانية التوقعات. وتراجع أيضاً 1.7 في المئة أمام اليورو.
وقال محلل الأسواق في شركة «أوندا» للسمسرة في لندن، كريج إيرل، إنّ «برلماناً معلقاً هو أسوأ نتيجة من منظور الأسواق، لأنه يوجد طبقة أخرى من الشكوك قبل مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي». ورأى أنّ «الإسترليني يبدو عرضة بشكل كبير جداً لمزيد من التراجع. قد تكون ليلة سيّئة أخرى للجنيه».
(رويترز)